الإثنين: 27/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

أمريكا وتطويع التطبيع مع الاحتلال

نشر بتاريخ: 08/10/2020 ( آخر تحديث: 08/10/2020 الساعة: 16:04 )

الكاتب:  ربحي دولة

تُعد الحالة التي يمرُ بها العالم أجمع هي نفسها التي عاشتها البشرية مُنذُ ولادة الأمبراطوريات والتي كانت تستهدف السيطرة الكاملة على العالم وتوسيع رُقعة سيطرتها قدر الامكان للاستحواذ على المقدرات وإدارة تلك المناطق والاستمتاع بخيراتها وحرمان أصحابها من أدنى حقوقهم.
واذا تحدثنا عن عصرنا الحديث نجدُ أن الامبراطوريات البُرتغالية والروسية والفرنسية والبريطانية من أكبر الامبراطوريات التي تشكلت في أوروبا وامتدت مئات السنين ، استعبدت سكانها وتنعمت في خياراتها الى أن صحت هذا الشعوب وقامت بثورات أدت الى اندحار هذه الامبراطوريات ونهايتها، فيما تمتعت تلك الشعوب بالاستقلال في ظل دولهم التي استقلت بفعل العمل الجبار الذي قامت به لنيل هذا الاستقلال .
التاريخ يُعيد نفسه ولكن أرى أنه بطريقة أخرى فلم تنتهي الامبراطوريات فـ أمريكا هذه الأيام تُشكل امبراطورية مُسيطرة على مساحة كبيرة من العالم دول وجماعات من خلال احتلالها الاقتصادي والفكري لتلك الدول والسيطرة عليها سيطرة كاملة من خلال اسلوب الترهيب والترغيب الذي تمارسهُ الإدارة الأمريكية بحق هذه الدول " المُستسلمة" .
أرى أن هذه السيطرة تأتي من خلال التدخل المُباشر في رسم سياسة تلك البلد الخارجية، وتحديد العلاقات أو السياسة الداخلية للحكومات وهدفها إضعاف تلك الدول من خلال خلق أزمات داخلية تٌلهي بها الشعوب والحكومات باحثين عن حلول غير موجودة بفعل الهيمنة الأمريكية عليها من أجل ربط مصالحها كُلها بها، لتبقى تحت التحكم المُباشر والحكم الأمريكي غير المُباشر لهذه الدول.

إن المُتابع لحالة الوطن العربي وبعض الحكومات العربية كيف طوعتها أمريكا خلال السنوات الأخيرة نحو التطبيع، فبعد اتفاقية السلام التي وقعتها حليفتها دولة الاحتلال مع جمهورية مصر العربية قلب الوطن العربي تربعت أمريكا داخل القلب، وعقدت تحالفات "هنا وهناك"، حيث وقفت في الحرب الإيرانية - العراقية موقف الداعم للطرفين والمحافظ على توازن القوى كي تخرج كلا الدولتين منهكتين من عظم الخسائر البشرية والأعباء المالية مدمرتين وبعد ثمان سنوات من الحرب الطحون والتي لم تغير من الواقع الذي كان قبلها سوى حجم الخسائر البشرية والاقتصادية.
بعد هذه المعركة كاد العراق أن يكون قوة كبيرة في المنطقة وبدأ التخطيط في كيفية إنهاء هذه القوة من المنطقة والتي قد تكون عائقاً أمام تنفيذ المخططات الصهيوأمريكية بالاستحواذ على المنطقة : أُغرقت العراق بعد عامين بحرب جديدة وبقرار غير مدروس احتل العراق دولة الكويت، حيث وقع هنا في الفخ والمصيدة التي أعدتها له أمريكا فبدأت أمريكا بتشكيل تحالف دولي كبير لضرب العراق، وبما أن الكويت هي بلد عربي استطاعت أمربكا تجنيد بعض الدول العربية ضمن هذا التحالف الذي هدفه المُعلن تحرير الكويت والباطن دخول وإنشاء مُعسكرات أمريكية في المنطقة تحت غطاء الحاجة العربية لوجودها، وليس على شكل احتلال بالقوة العسكرية.
من هُنا دخلت العراق تحت سياسة العقوبات الدولية وفرق التفتيش التي إدعت أنها تبحث عن "الكيماوي" العراقي الذي كانت تصوره أمريكا على أنه خطر على المنطقة جمعاء، وبعد حصار استمر أكثر من عشر سنوات للعراق وتجويع شعبه قررت أمريكا احتلاله والسيطرة عليه بشكل كامل تحت وهم تخليص الشعب العراقي من النظام "الدكتاتوري" بقيادة السعيد صدام حسين ، احتلت العراق وأعدمت زعيمها وسرقت خيراتها وأغرقت العراق بحرب أهليه لن تنتهي إلا بدمار شامل لهذا البلد الذي كان من أغنى بلدان العالم ليدخل أهله في الفقر والجوع والمرض بفعل هذه السياسة الاستعمارية التي تنتهجها أمريكا.
طُويت صفحة العراق ولم تنطوي صفحة المنطقة، حيث جاء الدور على إيران التي أظهرتها أمريكا على أنها التهديد الحقيقي لدول المنطقة العربية والخليجية وصورتها أنها تمتلك السلاح النووي الذي يُمكنها من تدمير المنطقة.
هُنا بدأت أمريكا بسياسة التطويع للأنظمة العربية وإغراقها بثورات داخلية على الأنظمة التي استنجدت بأمريكا من أجل حمايتها من التهديد الإيراني وتثبيت أنظمة حكمهم داخلياً، وأصبحت أمريكا الآن هي اللاعب الأساس في إدارة الحُكم في المنطقة وبدأت برسم السياسات العربية وتوجيهها نحو دولة الاحتلال كشركاء في صد التهديد الايراني والذي يعتبر عدو مشترك لتلك الدول مع دولة الاحتلال.
لقد نجحت هذه الساسات من خلال جر بعض الدول العربية طوعاً من أجل عقد معاهدات واتفاقات مع دولة الكيان وعلى رأس نقاط الاتفاق الخطر الإيراني المُعلن لتكون نتيجته استعمار جديد من قبل أمريكا والدولة الصهيونية بحق الدول العربية والسيطرة الكاملة عليه، ولكن بطلب من حكام العرب الذين وعدوا بمحو صفة الاحتلال عن هذه الدولة في المنطقة واعتبارها دولة شريكة لدول المنطقة وجزء لا يتجزأ منه دون النظر الى حقوق الشعب الفلسطيني الذي مازال يواجه وحده هذا المخطط الامبريالي الصهيوني مع بعض أحرار العرب الذين أصروا على التمسك بعروبتهم ورفضوا التطبيع ولن يقبلوا التطويع.
امبراطورية جديدة واستعمار جديد يقود العالم حالياً ورأس الحربة في مواجهة هذه الامبراطورية هو شعبنا الفلسطيني وقيادته وكل حر وشريف على هذه المعمورة ستؤدي الى دحر هذه الامبراطورية كما دحرت غيرها وسيعود الحق الى أصحابه وسيعيش شعبنا وشعوب الأرض بحرية وكرامة وفي بلاد خالية من كل أشكال الاستعمار.
• كاتب وسياسي