الإثنين: 27/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

القوة الحقيقية للإنجيليين في الولايات المتحدة ولماذا هم ورقه مهمة في يد ترامب في الانتخابات

نشر بتاريخ: 09/10/2020 ( آخر تحديث: 09/10/2020 الساعة: 13:03 )

الكاتب: مروان البوريني

بقي أقل من شهر على الانتخابات الأمريكية، ومن الجدير في الذكر ان نتائجها تؤثر على اغلب سكان العالم، لأنها تهمهم بطريقه او بأخرى، فهناك النتائج السياسية والاقتصادية والتحالفات والدعم وغيرها، الولايات المتحدة لا زالت القوة العظمى شئنا ام أبينا.

بالنسبة لنا كفلسطينيون، كانت فتره حكم الرئيس ترامب من أسوأ الفترات السياسية مع الإدارة الأمريكية، حيث نقل سفارته الى القدس المحتلة، واعترف بها كعاصمة لدوله الاحتلال، واقفل مكتبنا في واشنطن وقطع المساعدات عن مؤسساتنا والأونروا، وغيرها من إجراءات التحريض والضغط على دوله فلسطين، كل هذا بفعل وجود الحركة الإنجيلية في البيت الأبيض، التي تمثل المسيحيين الصهاينة، الذين أصبحوا القوة الداعمة المطلقة لإسرائيل حيث فازوا على الأيباك وغيرها من منظمات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة التاريخية.

من اهم العوامل التي تؤثر في الانتخابات الأمريكية في آخر اربعين عام هي الحركة الإنجيلية، حيث انخرطوا في اللعبة السياسية منذ أكثر من ٤٠ عامًا. أصبحوا دعامة أساسية للحزب الجمهوري. لكن انتخابات نوفمبر ستقيس مرة أخرى نفوذهم. فهل سيكون الإنجيليين قوه حاسمه في انتخابات نوفمبر ٢٠٢٠؟ وهل سيدعمون ترامب كما دعموه قبل لربع سنوات؟

في الانتخابات الأمريكية لعام ٢٠١٦، تم تحديد واحد من كل أربعة ناخبين على أنه مسيحي إنجيلي أبيض، وفقًا لاستطلاعات الرأي. وصوتت الغالبية العظمى منهم (٨١٪) لصالح ترامب، وهم يشكلوا أكثر من ٦٠ مليون امريكي.

وحسب جون في، أستاذ التاريخ في جامعة المسيح في بنسلفانيا، مؤلف كتاب "ثق بي: المسار الإنجيلي لدونالد ترامب" إن الرئيس "سيحتاج ذلك وربما أكثر للفوز في نوفمبر، لذا فهم مؤثرون للغاية".

لكن لفهم الثقل السياسي الحقيقي للإنجيليين في الولايات المتحدة وتحالفهم المبني على المصالح مع ترامب، من الضروري العودة قليلاً وتحليل معادله الغاية والوسيلة.

دخل الإنجيليون الساحة السياسية الأمريكية كرد فعل حيث كانوا حركه اجتماعيه دينيه ترفض تشريع الإجهاض التي تبناه جيمي كارتر (١٩٧٧-١٩٨١) من الحزب الديمقراطي. فقد كانوا ضد السماح في الإجهاض وهاجموا بشده "الحكومة التقدمية "التي ترأسها كارتر.

أسس الزعماء الدينيون المحافظون المعارضون للإجهاض والتنوع الجنسي، بقيادة القس الإنجيلي جيري فالويل، منظمة الأغلبية الأخلاقية في عام ١٩٧٩ لتعبئة الرأي العام المسيحي ضد السياسيين للدفاع عن قضاياهم.

في انتخابات ١٩٨٠، أيد اثنان من كل ثلاثة ناخبين إنجيليين البيض المرشح الجمهوري للرئاسة رونالد ريغان، الذي هزم كارتر بخطابه المحافظ المناهض للشيوعية والملتزم دينيا والمناهض للإجهاض. وهكذا نشأ الاتحاد السياسي بين الجمهوريين والإنجيليين، حيث كان له حضور ولكن ليس في أروقه القرار السياسي.

ومن المعروف ان الإنجيليين البيض كانوا كتلة انتخابية أكثر تحفظًا وعددًا من الإنجيليين الأمريكيين من أصل أفريقي، الذين يمنحون الأولوية "للعدالة العرقية"، وبالتالي يميلون إلى دعم الديمقراطيين بأغلبية ساحقة. كما على عكس البروتستانت غير الإنجيليين أو الكاثوليك، فإن الإنجيليين البيض "أكثر توحيدًا، ويشكلون كتلة من الناخبين.

وهنا دخلوا لعبه السياسة، بحجه تحقيق تطلعاتهم الدينية، وبالتالي الغاية تبرر الوسيلة. ولكن منذ أواخر السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، تم إغراء الإنجيليين البيض بالسلطة السياسية: فهم يحبون أن يكونوا في "المكتب البيضاوي" في البيت الأبيض. "لقد رأينا منذ فترة طويلة أن البروتستانت الإنجيليين البيض هم من بين الناخبين الجمهوريين الأكثر ثباتًا في الولايات المتحدة ومن أقوى وأنصار دونالد ترامب وأكثرهم ولاءً وثباتًا"، هذا ما قاله جريج سميث، المدير المساعد لمركز بيو للأبحاث.

ومن الجدير في الذكر ان الوزن الانتخابي للإنجيليين البيض في الولايات المتحدة اليوم أكبر بكثير من تواجدهم الديموغرافي المتراجع. ففي عام ٢٠١٦، كانوا يمثلون ١٧٪ من إجمالي عدد السكان، أي أقل بست نقاط من عقد مضى، وفقًا لمعهد أبحاث الدين العام في واشنطن (أكثر من ٦٠ مليون شخص).

تشير التقديرات إلى أنه في السنوات الأربع الماضية، انخفضت نسبة الإنجيليين البيض في الولايات المتحدة بنقطتين أخريين، لتصل إلى ١٥٪ من السكان. لكن في الانتخابات الأخيرة كانوا ٢٦٪ من إجمالي الناخبين. حيث انهم يهتموا في السياسة أكثر من غيرهم. ولهم قنواتهم التلفزيونية ونشطون جدا على وسائل التواصل الاجتماعي. ولديهم وسائلهم لتشجيع التصويت ودعم الحزب الجمهوري.

هذا وهناك تناقضات بديهة، غالبًا ما يُنظر إلى العلاقة بين الإنجيليين وترامب على أنها طفره في السياسة الأمريكية: حيث انهم يتحدثوا في الاخلاق والمبادئ ولكنهم يدعموا رجلا متهم بالخيانة الزوجية، تزوج ثلاث مرات وله علاقات غير شرعيه مع نساء، وقد عبر عن نفسه بطريقة فاحشة تجاه المرأة وعدواني عن المهاجرين.

لكن ترامب تلقى دعماً أكبر من الإنجيليين البيض في ٢٠١٦ أكثر من أسلافه الجمهوريين، وذلك بسبب تقارب المصالح وللتخلص من ظاهره أوباما، وبينما تراجعت موافقة الإنجيليين البيض على ترامب بضع نقاط وسط أزمة فيروس كورونا واحتجاجات الظلم العنصري، ولكن لا يزال حوالي ثمانية من كل عشرة ناخبين في تلك المجموعة يميلون للتصويت له، وفقًا لاستطلاعات الرأي.

كما ويتناقض المستوى المنخفض من الدعم من قبل البيض الإنجيليين للمرشح الديمقراطي جو بايدن مع الدعم الواسع الذي يتلقاه بين البروتستانت السود (ما يقرب من ٩٠ ٪ في استطلاع Pew الأخير).

يُعزى دعم الإنجيليين البيض لترامب إلى القلق الذي يشعرون به بشأن التغيرات العرقية والثقافية التي مرت بها الولايات المتحدة في العقود الأخيرة. ويمثل ترامب الرجل القوي الذي يعتقدون أنهم بحاجة إليه لإنقاذ أمريكا من الليبرالية. إنهم لا يرونه بالضرورة مسيحيًا ملتزما مثلهم، ولكن كزعيم ارسله الله لإنقاذ أمريكا، والاهم انه أنقذ الاقتصاد الأمريكي من الركود ووصل الى مستويات ازدهار مرتفعة.

ترامب لديه نائب رئيس إنجيلي وهو مايك بنس والعديد من أعضاء حكومته ينتمون إلى تلك الحركة الدينية ويطوروا العلاقات معها، وهي الحركة الداعمة للصهيونية ولإسرائيل بشكل مطلق. ولذلك العلاقة بينهم علاقة مصالح مشتركه تربطها أمور عقائدية، حيث افتتح ترامب للإنجيليين مكتبا في البيت الأبيض وسخر لهم كافة الإمكانيات ويستعملهم كثيرا في سياسته الداخلية والخارجية، وخاصه في أمريكا اللاتينية، لما لهم من وزن، حيث تزيد نسبتهم في هذه المجتمعات بطريقه جنونيه.

وقد اتهم ترامب بايدن بأنه "ضد الله" و "ضد الكتاب المقدس"، على الرغم من أن نائب الرئيس السابق كاثوليكي متدين وتلقى دعمًا مؤخرًا من بعض القادة الإنجيليين البيض. بالإضافة إلى ذلك، أثار ترامب جدلًا أكسبه انتقادات من شخصيات دينية، على سبيل المثال من خلال الوقوف أمام الكاميرات مع وجود الكتاب المقدس أمام كنيسه في واشنطن، حيث تم تفريق احتجاج سلمي بالقوة في المنطقة.

كما تراهن حملته أيضًا على جذب الناخبين الإنجيليين السود واللاتينيين، الذين هم محافظون في قضايا مثل الإجهاض ولكنهم أكثر انفتاحًا على الهجرة والسياسات الاجتماعية، والتي قد تميلهم نحو بايدن. وهنا يستعمل الانجيليين البيض كأداة لتقريب اللاتين والسود الى التصويت لترامب.

وهكذا، ستكون الانتخابات بمثابة اختبار جديد لقوة الإنجيليين الأمريكيين وتحالفهم الغريب مع الرئيس، ولذلك أصبحوا الرقم الصعب للفوز في الانتخابات القادمة في نوفمبر، فترامب بحاجه ان يخرجوا بأعداد كبيره للتصويت له.