الإثنين: 27/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

آخر ما كتبه الفقيد الدكتور ياسر نعيم عبيد الله

نشر بتاريخ: 12/10/2020 ( آخر تحديث: 12/10/2020 الساعة: 14:12 )

الكاتب: د.ياسر عبيدالله





قادة الرأي العام واستنهاض عزة وكرامة الأمة العربية
استهجن القارئ والمشاهد العربي مواقف دول عربية ونظرتها تجاه الصهاينة والأمريكان، وذلك بعد أن أقدمت دويلات عربية (الإمارات والبحرين) على التطبيع مع الاحتلال الصهيوني دون النظر إلى اعتبارات الأمة العربية والإسلامية، تحت مسمى السيادة الوطنية لتلك الدويلات ومصالحها الأمنية والاستخباراتية، حيث تم إقناع أمراء تلك الدويلات بأن استقرار نظم الحكم فيها يحتاج إلى تحالفات جديدة، مما دفعها إلى حضن الموساد الإسرائيلي.
وتبين حقائق التاريخ ان الأمر ليس وليد اليوم أو تاريخ توقيع اتفاقات التطبيع والتحالف الانهزامي، بل سبق ذلك تعاون سري منذ سنوات طويلة مع أخطر جهاز استخباري في العالم، ألا وهو جهاز الموساد الإسرائيلي.
وللأسف لم يتحرك الشارع العربي ردا على هذا العمل الخياني الا بشكل باهت، ومر الأمر دون حراكات وانتفاضات شعبية عربية في العواصم العربية، ولا حتى تظاهرات سيبرانية على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد أيام من التوقيع تلاشت تلك الهتافات الشخصية أو التغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تصدت للتطبيع، وبقي القليل ممن يتحدث عن فضيحة التطبيع الإماراتي البحريني مع الكيان الصهيوني، بل أصبح الحديث والتحليل ينصب على سؤال: أي الدول سوف تلحق بالدول المطبعة؟
يمكننا ان نستوعب ردات فعل الشارع العربي، لأن المواطن العربي أغرق بالهموم وبات منهمكا في مواجهة صعوبات الحياة في وطنه: البطالة والفقر ولقمة العيش، التهميش وقمع الحريات، الفساد، الدكتاتورية، الخلافات الطائفية والمذهبية.
المستهجن والغريب هي مواقف الإعلاميين والصحافيين العرب تجاه ما نظم من لقاءات ومؤتمرات افتراضية ضمت عددا من الصحافيين والإعلاميين العرب مع رئيس الحكومة الإسرائيلية وآخر مع غانتس الملطخة أيديهم بدماء الفلسطينيين، وحديث البعض باللغة العبرية.
وهكذا فإن إسرائيل، هذا الكيان الاستعماري الاستيطاني، الذي سرق كل أرض وتاريخ وتراث الشعب الفلسطيني، بات يتطلع إلى سرقة اللغة عبر نشر اللغة العبرية واعتبار تداولها في الاعلام العربي أمر طبيعي، بل والعمل على تطبيع التعامل معها من قبل الأجيال الصغيرة والقادمة، وهو ما يستدل عليه من قيام البعض في دولة الامارات بتعليم اللغة العبرية في رياض الأطفال والصفوف الابتدائية الأولى. وهذا خطر كببر من شأنه أن يؤثر على تفكير ومواقف الأجيال القادمة ويوصلها إلى قناعات بأن الصهاينة أصدقاء وأن اللغة العبرية تقربهم من ذاك الشعب المسمى شعب– إسرائيل- وخاصة أن اللغة ناقلة للفكر. وبالمقابل نرى أن الحكومات المطبعة تمنع أبناءها من تعلم تاريخ القضية الفلسطينية ولا تسمح بأن تتواجد أي عبارة عن تاريخ فلسطين في مناهجها المدرسية، مما يحول المناهج إلى بوابة تطبيع ثقافي وفكري مع دولة الاحتلال.
إن هذه المواقف والمسلكيات التي شرعت بها الدويلات المطبعة، وما تقوم به دولة الاحتلال من استثمار كبير لها، تصب، شاء المطبعون أم لم يشاؤوا، في تحقيق مسعى الحركة الصهيونية في تحقيق حلم دولة إسرائيل الكبرى، التي حدودها من النيل إلى الفرات وعاصمتها المستقبلية القاهرة، وما عدم تحديد حدود دولة الاحتلال الاستعمارية الاستيطانية التوسعية؛ إلا أمرا مقصودا من عتاة الصهاينة إلى حين أن تكتمل حدودها بما يتفق وذلك الحلم. وللأسف فإن حكام الدول العربية يعتقدون أن دولهم في أمان وأن التطبيع سوف يحميهم ويحافظ على أنظمتهم العنكبوتية، ويقومون بقمع شعوبهم ويشوهوا تفكيرهم وثقافتهم من خلال مناهج تطبيعية، ومن خلال لقاءات سرية، وتحالفات مخفية، مما يجعل المشهد العربي قاتم اللون رماديا يميل إلى السواد على طريق اكتماله بقيام دولة إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات.
وقال مين يا فرعون فرعنك؟ قال: ما لقيت حدا يوقني عند حدي. هذا هو المثل الذي ينطبق على حالنا اليوم. فاذا لم تواجه مساعي الصهاينة وحلفائهم، السريين سابقا والعلنيين حاليا، وان لم يوضح حد لهذا التمادي في فرض الخذلان على العرب، فسيستمر قطار التطبيع، وستحقق إسرائيل هيمنتها على كامل المنطقة العربية.
ولذا وجب التحرك الجاد من العرب جميعا، وأولهم مثقفي الأمة، الواقع على عاتقهم تنوير الجماهير ونقل المعرفة اليها ورفع مستوى وعيها بالمخاطر والتهديدات المحدقة بواقعها ومستقبلها.
وهنا يأتي دور قادة الرأي العام المؤثرين من الشباب، نساءً ورجالا، الأقدر على استخدام التقنيات الحديثة ووسائل ومنصات التواصل والاعلام المؤثرة، المفترض بهم بحكم وعيهم المتقدم أن بكشف زيف الرواية الصهيونية ورواية المطبعين، وان يواجهوا محاولات هندسة العقول، ويقوموا بصنع خطاب سياسي جماهيري شعبي يحرك الجماهير في الدول العربية كافّة، خطاب يحاكي هموم الناس ويبين ان هيمنة الحركة الصهيونية تعني السيطرة على الخيرات والمقدرات والتنمية المستقلة والمستقبل الزاهر، خطاب يحرك شهامة العرب وعزتهم وكرامتهم للدفاع عن القدس وفلسطين باعتباره دفاعا عن استقلال وعزة وكرامة الأمة بأسرها.