الإثنين: 27/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

عن التعاون الفني الإماراتي-الإسرائيلي

نشر بتاريخ: 13/10/2020 ( آخر تحديث: 13/10/2020 الساعة: 16:48 )

الكاتب: حيدر عيد

بمجرد الإعلان عن اتفاقيات التطبيع الإماراتية الإسرائيلية، قام قلة من الفنانين الإماراتيين إما بالتعاون مع فرق إسرائيلية، مثل المطرب المعروف حسين جاسم, أو بالغناء مع مطربين إسرائيليين، مثل المغني.وليد الجاسن في أغنيته المشتركة مع . المغني الإسرائيلي إلكانا مارتزيانو، أو إعلان البعض عن رغبتهم في الغناء في إسرائيل.و زيارة تل أبيب (خالد العبدولي و يحيى المهري)..إلخ من الانبطاح الفني-الثقافي في تعبير فج عن عقلية استسلامية لا ترى في التاريخ الاستعماري لدولة إسرائيل من تطهير عرقي و احتلال عسكري و أبارثهيد أي بعد مناف ليس لأواصر الأخوة العربية بين الإمارت و فلسطين، و سقوط أخلاقي غير مسبوق في العالم العربي.

و هنا يجد المرء نفسه مرة أخرى أمام الأبجديات التي لطالما اعتقدنا أننا قد تخطيناها.

فهل نسى ،أو تناسى ،"الفنانين" المذكورين أن الدولة التي يتعاونوا معها قامت بعمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لأكثر من 750 ألف فلسطيني عام 1948 وإخضاع 3.6 مليون فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية تحت وطأة الاحتلال والاستعمار والفصل العنصري-الأبارتهايد منذ العام 1967، وتاريخ حافل من عمليات الإعدام الميدانيةغير القانونية بحق القيادات والنشطاء الفلسطينيين إضافة إلى اعتقال وسجن عشرات الآلاف من الشعب الفلسطيني منذ العام 1948 وبناء جدار الفصل العنصري، والعدوان الهمجي الأخير على قطاع غزة المحتل وقتل ما يقارب 1440 إنسان، منهم 400 طفل على الأقل خلال 22 يوم فقط.

هذا التعاون الفني "العربي" مع دولة تمثل أطول احتلال عسكري كولونيالي في القرنين العشرين و الواحد وعشرين عبارة عن ورسالةً للفلسطينيين تقول لهم إنَّ معاناتهم، الناجمة عن الاستعمار والعنصرية، غير هامّة، كما أنها كذلك صفعة قوية لكل الفلسطينيين والشرفاء الذين يناضلون من أجل التصدي لمحاولات إسرائيل المتعنتة والمتواصلة لإسكاتهم وكتم أصواتهم.

إنه لمن المفجع حقاً أن يقوم بعض العرب بتجميل صورة إسرائيل الملطخة بدماء إخوانهم العرب الفلسطينيين من الأطفال والنساء والشيوخ، والضرب بعرض الحائط ببيانات مؤسسات حقوق الإنسان الدولية و حتى الإسرائيلية منها مثل مؤسستي بتسيلم وغيشا حول ما يجري في الأراضي المحتلة من انتهاك صارخ للحقوق المدنية والإنسانية للفلسطينيين التي كفلتها قوانين مجلس حقوق الإنسان العالمي.

السؤال الذي نطرحه نحن في المقابل، لماذا يجب أن يقبل مثقفونا وفنانونا أي "توازن" مع الإسرائيليين، بغض النظر عن آراء ومبادئ بعضهم، في طرح أعمالهم الفنية حول أي موضوع يتعلق بالقضية الفلسطينية أو القضايا الإنسانية عموماً؟ لماذا لم يُشترط على الفنانين السود في جنوب أفريقيا، مثلاً، أن "يوازَنوا" مع فنانين أفريكان في ظل نظام الأبارتهايد البائد؟ ولماذا لا يحذو الفنانين المذكورين حذو فنانين عالميين كثر امتنعو عن المشاركة في مهرجانات داخل دولة الكيان ومنهم إيلفيز كوستيلو وبيورك وووتر روجرز وسنوب دوغ وجيل سكوت هيرون وسانتانا وستينج وبيكسيز وغيرهم الكثير ممن يرفضون اقامة أي عمل فني أو غنائي هناك؟


إن كون هذا التعاون يحصل في هذا التوقيت بالذات، ما بعد المجازر الإسرائيلية المهولة ضد أبناء شعبنا في قطاع غزة المحتل و المحاصر، فإنه يشكل إمعاناً من هؤلاء "الفنانين" الذي لا يمثلون إلا أنفسهم في الترويج لصورة إسرائيل المشهوة في العالم على أنها دولة "عصرية" و"ليبرالية" متقدمة، تنتج فناً وثقافة وعلماً على أرقى المستويات، لا دولة احتلال وأبارتهايد وتطهير عرقي، ولا دولة متهمة من قبل الأمم المتحدة وأكبر مؤسسات حقوق الإنسان العالمية بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات أخرى خطيرة للقانون الدولي وحقوق الإنسان في غزة والقدس والنقب والجليل وغيرها من الانتهاكات للدول العربية المجاورة.

إذاّ هي معركة وعي تعمل على التخلص من شوائب الروابط القومية، و حتى الإنسانية، سعياً للوصول لشرق أوسط جديد تحت الهيمنة الإسرائيلية, وعالم عربي يقدس كل ما هو إسرائيلي فتصبح أعلى أماني المواطن العربي أن "يزور تل أبيب!"