الكاتب: رمزي عودة
تظل فرص المرشح الديمقراطي جو بايدن في الفوز في الانتخابات الامريكية مرتفعة، حيث تشير استطلاعات الرأي مرخرا بأن الفارق بين بايدن ومرشح الحزب الجمهوري ترامب مرتفع جدا ويصل الى 6 نقاط على الاقل. والذي يعزز من فرص فوز بايدن في هذه الانتخابات التاريخية عدة عوامل منها الاوضاع الاقتصادية والمعيشية المتراجعة للاقتصاد الامريكي الذي فقد ثلث ناتجه القومي بسبب جائجة كورونا، اضافة الى عدم قدرة ادارة ترامب على التعامل الجدي مع انتشار الجائحة التي راح ضحيتها اكثر من 234 الف امريكي. وأخيرا، فان تخوف الامريكيين من ضياع القيم الامريكية المتمثلة بالحرية والديمقراطية والعدالة بسبب ممارسات ادارة ترامب الشعبوية، يدفع الناخب الامريكي للتصويت لبادين حتى لو لم يكن ديمقراطيا. ويعزز هذا الاندفاع في التصويت لصالح الديمقراطيين اتساع المشاركة الانتخابية في هذه الانتخابات والتي من المتوقع أن تتتجاوز حاجز 65%، وذلك بسبب اللجوء لاستخدام نظام التصويت المبكر من خلال البريد خوفا من انتشار الوباء. وفي المحصلة نجح بايدن في الحصول على 5 نقاط من أصوات الناخبين البيض المحسوبين على الجمهوريين، كما حافظ على تفوق الديمقراطيين في الحصول على أصوات النساء والملونيين الى حد مقبول.
في الواقع، يبدو أن ترامب سيودع البيت الابيض في الثالث من الشهر الجاري، ولكن ليس من المتوقع أن يكون هذا الوداع سهلا ومعتادا. فالذي يعرف ترامب عن قرب ويفهم تغردياته العنصرية والشخصانية يدرك أنه لن يستسلم بسهولة. حيث أن ايديولوجيته السياسية والتي شكلت له رافدا مهما في فوزه في انتخابات عام 2016 تقوم على الشعبوية. وبرغم عدم وجود تعريف دقيق للشعبوية الا أن بعض الادبيات مثل قاموس "بوتي روبير" تعرفها بأنها "خطاب سياسي موجه إلى الطبقات الشعبية، قائم على انتقاد النظام ومسؤوليه والنخب". وهو تعريف بالمحصلة ينطبق الى حد كبير مع سياسات ترامب المتمثلة في محاربة الاقليات والحد من الهجرة وتمجيد العرق الابيض واتباع سياسات اجتماعية واقتصادية تقبل بها الغالبية حتى لو لم تكن متناغمة مع منظومة القيم السائدة.
وبعيدا عن توقعات البعض مثل فريدمان وغيره بأن حربا أهلية ستحدث فيما لو خسر ترامب بسبب تأييد الاخير من قبل الجماعات المتطرفة والذي يغذي افكارها العنصرية من خلال خطاباته الشعبوية مثل جماعة "اليمين البديل" وجماعة "الكو كلوكس" وجماعة "النازيون الجدد""Proud Boys" التي ذكرها في مناظرته الاخيرة، فان هذا الاحتمال حسب وجهة نظري يبدو مستحيلا بسبب قوة الدولة العميقة في الولايات المتحدة ومتانة الديمقراطية والعملية السياسة فيها. بالمقابل، أعتقد أن هنالك عدة ظواهر سياسيةغير اعتيادية قد تصيب الولايات المتحدة الامريكية في حال هزيمة ترامب المتوقعة، وأهمها:
أولآ: قيام ترامب بالطعن في نزاهة الانتخابات والادعاء بأنها مزورة. وفي الواقع، فان ترامب دأب منذ بداية الحملة الانتخابية على الترويج لعدم نزاهة الانتخابات، وكان آخر هذه الادعاءات تصريحاته البارحة والتي شكك فيها باجراءات التصويت المبكر وعدم نزاهتها. وفي حالة هزيمة ترامب وطعنه بنتائج الانتخابات في محكمة العدل العليا وهي ذات اغلبية جمهورية، فيتوقع أن تحدث أزمة دستورية في الولايات المتحدة قد تطول اذا ما قررت هذه المحكمة اعادة الانتخابات برمتها او اعادة فرز بعض أصوات الولايات لاسيما المتأرجحة منها مثل تكساس وفلوريدا وميتشغن.
ثانيا: قيام الجماعات اليمينية المتطرفة المؤيدة لترامب ولخطابة الشعبوي بأعمال عنف للتعبير عن رفضها لنتائج الانتخابات، ويكن أن تتجه أعمال العنف هذه ضد الافارقة الامركيين وضد الاقليات لاسيما المسلمين منهم. وهذا السيناريو ان حدث فسيؤدي الى عدم الاستقرار السياسي في العديد من الولايات لاسيما ولايات الجنوب التي يحظى بها الجمهوريين فيها بأغلبية ساحقة.
وبالمحصلة، ستكون الانتخابات الامريكية امتحانا صعبا للشعبوية؛ ليس فقط للشعبوية الامريكية وانما ايضا للشعبوية العالمية التي انتشرت في العقد الاخير في العديد من الانظمة الحاكمة في دول اوروبا . واذا ما نجح الديمقراطيون في الفوز في الانتخابات وتحقيق الاستقرار السياسي واستئصال بذور الشعبوية والتطرف لدى الجماعات المتطرفة التي انتشرت بشكل لافت في الولايات المتحدة في عهد ترامب، فان هذا الانتصار سيقوض بذور الشعبوية في غالبية دول العالم ذات الانظمة الشعبوية، وسيعلن عن مرحلة جديدة تتمتثل في اعادة انتاج الديمقراطية على أسس مدنية وليس على أسس شعبوية.