الكاتب:
بقلم: أ. فؤاد سليمان
يُولدُ في كُلِّ مُجتمع من المجتَمعات رِجالٌ تنهضُ على أكتافهم مسؤولية الوطن وبنائه ويتأتَّى ذلك من خلال إسهاماتِهم وإنجازاتِهم التي تَرقَى بمجتمعاتِهم، وتزخرُ فلسطين بالكثير من هؤلاء الذين أثْرُوا بلادَهم بخبراتهم وعَملهم الوطني والاجتماعي الهادف إلى التنمية والتطوير، ومن هذه المسؤوليات الكبيرة التي يُعرفُ بها مجتمعنا الفلسطيني الأعراف العشائرية من صلح وقضاء، وهي مجموعةٌ من القوانين والأعراف العشائرية المتداولة والمتعارف عليها بين الناس حتى ثبتت وأصبحت دُستوراً عشائرياً في حلِّ الكثير من القضايا والنزاعات بين فئات الشعب، وهنا سأقفُ عند أحد أبرز رجَالات هذا الميدان الأستاذ داود الزير الذي وَرِثَ الحكمةَ والقضاء العرفي العشائري عن والده وجده كابرًا عن كابر وهو من الشخصيات الاعتبارية والعشائرية المركزية ومن رجال الإصلاح ومرجعيات العرف العشائري في الضفة والأردن بقيمه وأعرافه الضابطة والحاقنة للدماء إلى جانب قوة القانون بما يحفظ الأمن والأمان المجتمعي تحديداً في ظل سياسة الاحتلال وسعيه إلى خلق الفوضى وزرع بذور الفرقة بين أبناء المجتمع، فكان الزير مِن الشخصيات الوَازنةِ التي أسْهمت في نهوضِ مجتمَعنا الفلسطيني ككل وفي مجال الصلح العشائري على وجه الخصوص للحفاظ على السلم الأهلي والمجتمعي.
وُلدَ الأستاذ دَاود حَسن محمد صافي الزير في بيت لحم منطقة التعامرة في الأول من كانون الثاني عام 1939م حصل على درجة البكالوريوس في القانون في لبنان، ودرجة الماجستير في الجمهورية اليمنية، وكان من الشخصيات التي حضرت المؤتمر الأول لإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964م الذي عمل عليه وترأسه المرحوم أحمد الشقيري في القدس تمَّ خلاله اعتماد الحضور أعضاءً في المجلس الوطني الأول للمنظمة.
والتحق الزير عام 1966م بحركة فتح والعمل الوطني ليُبعدَ قَصرًا بعد ذلك عن الضفة الغربية إلى الأردن عام 1969م وَشغل هناك عُضويَّة المجلسِ الوطني الفلسطيني وعُضوية المجلسِ المركزي الفلسطيني، وفي عام 1994 عاد للوطن وانتُخب عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني في كانون الأول عام 1996، وأُعيد انتخابه عضواً في المجلس المركز ي في منظمة التحرير الفلسطينية في العام 2018.
وتبوَّأ الأستاذ دَاود الزير بالإضافةِ إلى مَا سَبق مناصب رفيعةً في مؤسسات المجتمع المدني المحلي حيث شَغلَ منصبَ رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين لعشر سنوات، ورئيس مجلس أمناء جامعة فلسطين الأهلية ورئيسًا لمجلسِ إدارة الشركةِ الأهلية للطاقةِ الشمسية، ومديراً عاماً لمؤسسةِ الزير للمقاولات والاستثمار، ورئيسًا لجمعيةِ منتدى الريف التنموي، وعلى المستوى الدولي شغلَ نائبَ الرئيس لاتحادِ مقاولي الدول الإسلامية لدورة عام 1994-1996.
واستمراراً لعطائِه وبصماته التنموية في مختلف المجالات الوطنية والمجتمعيةِ عَمل وبعد انتهاء دورةِ المجلس التشريعي على تَأسيسِ جَامعة فلسطين الأهليَّة وترأَّس مجلس الإدارة لِتشكِّل هذه الخطوةُ قفزةً نوعية تصبُّ في مصلحةِ المسيرة التعليمية وبالتحديد مع حصولِ الجامعةِ مؤخرًا على اعتماد الكثير من التخصصات النوعيَّة بفضلِ جهوده الدؤوبة والمستمرةِ للارتقاء بهذا الصرح الوطني وبطلبته المتعطشين لمثل هذه التخصصات التي ستضيفُ لهم مَهاراتٍ وخبرات جديدةً تمنحُهم فرصاً أكبر في سوقِ العملِ، وبذلك فَتحت جُهودُ الزير البابَ واسعاً أمام الإبداعِ وفرص العملِ بهذه التخصصات التي تميزت بها الجامعة الأهلية.
إنَّ الكتابةَ عن الآخرين كانت من الأمور التي أحبِّذُها ولكنَّ الكتابة في حقِّ مثلِ هذه القامة تحتاجُ جهداً مضاعفاً ومميَّزا للإحاطةِ بكلِّ جوانب الإبداع والتميُّز التي تمثِّلُها فَما أن تنهي من كتابةِ حقبة من حياتِه السياسيةِ حتَّى تكتشفَ مساعيه في القضاء العشائري وحقن الدماء ضاربةً جذورها منذ نَشْأته في بيتٍ للقضاء العشائري ممتدٌ حتى يومنا الحاضر، ومَا أن تَنتهي من الاثنتين حتى تجدَ له جهودًا علميَّة تتمثَّلُ في دراساتِه المنشورة الخاصَة والعامة على المستويين المحلي والدولي مِمَّا يجعلُ الإيفاء بحقه وبمسيرتِه الحافلةِ في مختلف المجالات أمراً صعباً، ولا أُبالغُ إنْ أطلقتُ عليه الشخصيةِ المحوريَّة والقياديَّة الجاذبة التي تَتمركَزُ حَولها الأحداثُ لتصبحَ مِثالا يُحتذى في القيادة الحكيمة والعملِ العصامِي انطلقَت مِن أصعبِ الظروفِ لِتصنعَ الأملَ والحياةَ في كُلِّ المواقعِ ومواطِن المسؤوليات.