الأحد: 26/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

من يعيق تحقيق المصالحة؟

نشر بتاريخ: 05/11/2020 ( آخر تحديث: 05/11/2020 الساعة: 19:58 )

الكاتب: هبه أ. بيضون

تفاءلنا خيراً باجتماع الأمناء العامين الذي عقد في رام الله وبيروت في الثالث من أيلول 2020، استمعنا باهتمام وبمشاعر إيجابية وبتفاؤل بأن القادم أفضل، وقبلها تابعنا المؤتمر الصحفي الذي عقد عن بعد بين الأخ جبريل الرجوب والأخ صالح العاروري ، وتفاءلنا خيراً بأننا نسير نحو إنهاء الانقسام البغيض الذي تجاوز عقداً من الزمان.

كان من ضمن ما جاء في البيان الختامي لاجتماع رام الله وبيروت إدانة التطبيع والتوافق على آليات النضال، والتوافق على تطوير المقاومة الشعبية كخيار أنسب للمرحلة، والتوافق على إجراء الانتخابات على أساس التمثيل النسبي الكامل، وأنه يتوجب علينا الإسراع في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والشراكة الوطنية من أجل تحقيق أهدافنا الاستراتيجية لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، وشكّل ذلك مصدراً للفرح والإطمئنان نوعا ماً لشعبنا في الوطن والشتات، لما في ذلك أولاً من تقويض للإتهامات والحجج التي لا تخلو من الشماتة من بعض أشقائنا العرب، خاصة أولئك الذين هرولوا إلى التطبيع أو أولئك الذين سال لعابهم على التطبيع ولكن ينتظرون دورهم ليعلنوا ما كان تحت الطاوله، وثانياً لأننا في وقت حرج بأمس الحاجة فيه إلى الوحدة الوطنية لمواجهة التحديات والمخاطر التي تحيط بنا.

قرّرت الفصائل في الاجتماع تشكيل لجنة مكونة من شخصيات وطنية لتقدم رؤية استراتيجية لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة وتفعيل الشراكة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، خلال مدة لا تتجاوز خمسة أسابيع، وتم التوافق على تشكيل لجنة وطنية موحدة لقيادة المقاومة الشعبية الشاملة والتقدم لحوار وطني شامل.

وانطلاقاً من مخرجات اجتماع الأمناء العامين، ذهب وفدان من حماس وفتح إلى اسطنبول لبحث تطبيق المصالحة المتفق عليها مبدئياً، واجتمع الوفدان في القنصلية الفلسطينية ، وصدر بيان يشير في مضمونه إلى نجاح اللقاء، وكان الرئيس محمود عباس قد أبلغ الأخ جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، وهو في اسطنبول أنه سيتبنى كل ما سيتم الاتفاق عليه بين الطرفين، وأنه سيصدر مرسوماً رئاسياً يحدد فيه موعد الانتخابات العامة .

وحصل أن أبلغت القاهرة فتح وحماس أنها مستعدة لاستضافة المباحثات الفلسطينية المقبلة بشرط أن يكون الطرفان قد اتفقا على إنهاء جميع القضايا العالقة بين الطرفين لإتمام إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة وبشرط حضور جميع الفصائل وليس فقط فتح وحماس.

إذن الأرضية جاهزة الآن لعقد اللقاء الثاني للفصائل على مستوى الأمناء العامين للتقدم خطوة أخرى على طريق إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة وتوحيد الجهود.

تسرب تسجيل مؤخراً لمكالمة بين الأخ روحي فتوح والأخ توفيق الطيراوي، وكان خلاصة الحديث أن سيادة الرئيس يتابع مع الأخ جبريل حول أين وصلت المصالحة، ولكن على ما يبدو أنه لا يوجد موقف واضح من قبل حماس، وأن قيادة حماس في غزة لا تريد المصالحة ولن تصالح، لأنها مستفيده من الإنقسام، وأن قيادة حماس في الضفة هي التي تريد المصالحة لأنها ليس لديها شيء ولأن المصالحة تعيد لها الاعتبار، كما تم التطرق إلى أن الأخ صالح العاروري لا يمون وأن من يمون هو من يملك القوة بيده.

كما صدر تصريح عن الأخ جبريل الرجوب بعدها يقول فيه إننا غادرنا مربع الانقسام.

لا أدري إن كان االقائد الأخ جبريل تسرع في تصريحه أم أنه يحاول أن يبقي باب التفاؤل مفتوحاً بأن الأمور تسير على ما يرام ، وهو الذي يعلم جيداً أن هناك معيقات وأن حماس عادت لعادتها القديمة في بيع الكلام دون أفعال، أو أنه يقول الصحيح، بما أنه يعلم أكثر من الجميع إلى أين وصلت الأمور.

عودة إلى المكالمة المسربة والتي لا أريد الخوض في الكيفية التي تم تسريبها ، ولكن المهم هو أنه لا يمكن أن يتم هذا الحديث على مستوى القيادات دون أن يكون مستنداً إلى أسس ومعطيات ومعلومات وحقائق، بمعنى أن حماس فعلاً غير معنية بالمصالحة كما كان الوضع دائماً في السابق، على الرغم من جدية الرئيس أبو مازن والقيادة حوله والجهود الكبيرة المبذولة لتحقيقها، ولكن حماس تفضل أن تبقي على إمارتها في غزة وأن تبقى في جو الانفصال الذي تعيشه، بحيث تكون مفتوحة ومنفتحة على دول العالم ومستفيدة من دعم من يدعمها بادعائها المقاومة، بغض النظر عن الحقيقة إن كانت فعلاً مقاومة بالمفهوم النضالي. لقد تبنت حماس مشروعاً يخدم إسرائيل وأميركا، وهو قتل مشروع الدولة الفلسطينية الواحدة بقطع الجغرافيا، وعلى ما يبدو أنها تجد صعوبة بالتخلي عنه لارتباطه بالإمتيازات التي تتنعم بها وقادتها.

علينا أيضاً ألّا نغفل الوضع الداخلي الذي تمر به حماس في هذا الوقت، فهي مشغولة بالإنتخابات الدورية التي تعقد كل أربع سنوات، هذه الانتخابات الداخلية السرية تجري منذ ما يقارب شهرين في غزة والضفة وداخل المعتقلات وفي الخارج، وهذا أحد أسباب وجود الأخ اسماعيل هنية خارج الوطن، وهناك صراع خفي داخل حماس حول من سيقود الحركة، هل سيكون هنية أم السنوار أم خالد مشعل أم صالح العاروري وأين ستكون قيادتها، هل تكون في الضفة أم في غزة أم تبقى في الخارج.

ومن المشاكل داخل حركة حماس أيضاً ما يتعلق بالتمثيل في كل منطقة، حيث أن هناك تجاوزاً لكوادر وقيادة حماس في الضفة، بل أكثر من ذلك، هم مهمشون ولا تعترف حماس في غزة بهم، والقرار المسيطر حول تمثيلهم في الضفة يأتي من غزة، ما يزيد من مشاكلها الداخلية.

أما داخل المعتقلات، فقد كان الموجودون فيها من حماس من جماعة السنوار، أي جميعهم من غزة، أما الآن فإن الموجودين منها داخل المعتقلات هم جماعة صالح العاروري أي من الضفة، والمتعارف عليه أن حماس تعطي المعتقلات عضو مكتب سياسي واحد ويكون سرياً، ولكن يكون معروفاً للهيئات التنظيمية للفصائل في المعتقلات حال فوزه.

إذن تعيش حماس الآن مرحلة الانتخابات الداخلية بشكل سري مطلق، يعزز من الخلافات داخل الحركة وبالتالي يعزز التباينات بين أعضاء القيادة حول مشروع المصالحة.

النقطة الثانية التي تعتبر قضية هامة وقد تكون إحدى المعيقات نحو المصالحة من وجهة نظري هي قضية المحور، فحماس غير قادرة على الخروج من محور إيران، فهي تتقرب من تركيا وقطر تارة، ومن إيران تارة أخرى، وفي كل مرة تلتسع من هنا أو هناك، لتبقى متذبذبة في إرضاء طرف على حساب الآخر بصورة مستمرة والآن نلاحظ عودتها إلى الحاضنة المصرية، وهذا يؤشر على وجود إشكالية كبيرة.

ولا نغفل عن الدور الذي يلعبه غلاة صقور حماس في غزة، والذين يشكلون محوراً قوياً جداً وهم الزهار والحية والبردويل ، في المماطلة ومحاولتهم إفشال المصالحة بعد تغييب صوت السنوار الذي كان نجماُ متألقاً في فترة من الفترات والآن أفل نجمه،، والتي على ما يبدو أنهم نجحوا في ذلك، وساعد في نجاحهم كما ذكرت سابقاً إنشغال حماس بانتخاباتها الداخلية والصراعات القائمة حول السلطة، كما أنه وعلى الرغم من أن حماس قد اعترفت شفوياً في مؤتمر أمناء الفصائل بمنظمة التحرير الفلسطينية، إلا أنها لا زالت لا تعترف بشرعية تمثيل المنظمة لكافة الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده رسمياً وإجرائياً، وهو ما عبّر عنه الزهار في عدة لقاءات مؤخراً وسط صمت حماس الرسمي على تصريحاته.

أختم بالقول إنه لو تحققت المصالحة وأجريت الانتخابات فإن ذلك قد يقضي على آخر نظام حكم للأخوان المسلمين في المنطقة، وهذا ما يرفضه مكتب التنظيم الدولي للأخوان، لذا، مهما حاولت حماس التنصل من الارتباط بجماعة الأخوان، فإن أحداً لن يصدقها، كما أن قرار إنهاء الانقسام ليس بيد حماس ولا أي من قادتها، لأنها تنفذ ما يطلب منها من قبل من ولدت من رحمهم.