الكاتب: د.علي الاعور
عمل نتنياهو على مدى ثلاث سنوات لتجسيد فلسفة وسياسة تقوم على رفض الاخر وعدم الاعتراف بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني وواصل سياسة الاحتلال والاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وربط اسمه بالرئيس الأمريكي ترمب حيث وجد أيديولوجية وفلسفة أمريكية جديدة ممثلة بترمب من اجل تنفيد سياساته ومخططاته التي تمادى فيها لتغيير الواقع الديموغرافي والثقافي والسياسي و القانوني في القدس الشرقية المحتلة والأراضي الفلسطينية المحتلة.
نتنياهو الذي تربي على فكر جابوتنسكي ومناحيم بيغن في الاستيطان ورفض قيام دولة فلسطينية مستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وجد من ترمب اول رئيس امريكي ينفذ سياسة إسرائيل على ارض الواقع حيث وجد نتنياهو من شخصية ترمب وفلسفة ترمب " قانون الغاب" الدي لا يعترف بالقانون الإنساني الدولي ولا يعترف بحقوق الانسان " حيث عمل ترمب على الاعتراف بالقدس عاصمة ابدية لإسرائيل وقام بنقل السفارة الامريكية في القدس الشرقية المحتلة وبالتالي فقد ضرب بعرض الحائط كافة المواثيق الدولية ومباديء هيئة الأمم المتحدة التي تقوم على السلم والامن الدوليين ولم يكتف ترمب بهده السياسة بل تجاهل كافة الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني واوقف المساعدات الامريكية لدعم وتمويل الأونروا " وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين واغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن .
نتنياهو ربط اسمه وصورته وسلوكه بسلوك ترمب وكان نتنياهو يتغنى بسياسة البلطجة والقوة فوق القانون الدولي التي تبناها ترمب ولم يعد نتنياهو ملتزما باي اتفاق مع الفلسطينيين وفي مقدمتها اتفاق أوسلو بغض النظر عن سلبياته بحق الشعب الفلسطيني وعلى مدى ثلاث جولات انتخابية كانت حملة نتنياهو الانتخابية تقوم على صورة واحدة في جميع انحاء إسرائيل " صورة نتنياهو وترمب" وكان نتنياهو يقول للجمهور الإسرائيلي " نتنياهو و ترمب" هم اسياد العالم ويقرروا وينفذوا سياسة القوة لدرجة ان بومبيو وزير خارجية أمريكا تطاول على كل قرارات الأمم المتحدة وصرح" المستوطنات الإسرائيلية لا تنتهك القانون الدولي" بومبيو وترمب أرادوا ان يكونوا صهاينة اكثر من نتنياهو حتى ان معظم الإسرائيليين يعتبرون المستوطنات تنتهك القانون الدولي وهناك منظمات إسرائيلية ومؤسسات إسرائيلية تتفهم المقاطعة الإسرائيلية على المستوطنات في أوروبا . كان دائما نتنياهو ينتظر في حملته الانتخابية على هدايا سياسية من ترمب وفي كل حملة انتخابية كان ترمب يقرر ان الأراضي الفلسطينية المحتلة هي أراضي إسرائيلية توراتية وعلى عكس كل رؤساء أمريكا من الحزب الجمهوري والديموقراطي قام بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس و في الحملة الانتخابية الثانية لنتنياهو قدم له ارض الجولان هدية سياسية وكأن الجولان جزء من تكساس او شيكاغو اما في حملة نتنياهو الثالثة فقام ترمب وقدم له هدية سياسية وهي صفقة القرن " مزبلة القرن" التي اعلن فيها ترمب تصفية القضية الفلسطينية ومنح نتنياهو اكثر من 40 في المائة ليضمها الى المستوطنات والى السيادة الإسرائيلية .
تلك الهدايا السياسية التي قدمها ترمب الى نتنياهو شخصيا كانت من اجل تنفيد سياسة الضم والاستيطان ورفض الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني وجاء موعد الانتخابات الامريكية وبقي نتنياهو يراقب نتائج الانتخابات الامريكية عدة أيام و وكانت صدمة سياسية لدى نتنياهو حيث كان يتمنى فوز ترمب لأنه يعلم تماما ان خسارة ترمب تعني خسارة نتنياهو على الصعيد السياسي الإسرائيلي وعلى الصعيد الإقليمي .
بعد ثلاثة أيام من تهنئة زعماء العالم الى الرئيس الأمريكي المنتخب" جو بايدن" قام نتنياهو بتقديم التهنئة الى بايدن بعد ان استيقظ من الصدمة التي تلقاها عقب نتيجة الانتخابات الامريكية وخسارة ترمب للانتخابات ولكنها في الحقيقة " خسارة نتنياهو للانتخابات الامريكية"
خسارة نتنياهو او خسارة ترمب في الانتخابات الامريكية لم تعد تفرق كثيرا لان الاثنان ربطا انفسهم وسياستهم وسلوكهم العدواني تجاه الشعب الفلسطيني بنفس السياسة والسلوك وبالتالي فان المرحلة القادمة والإدارة الامريكية الجديدة سوف تقوم على عدة مؤشرات مهمة جدا قد تقود نتنياهو الى ترك العمل السياسي وتقديم استقالته من الحياة السياسية لانه ربط اسمه بترمب ولم يرتبط بسياسة إسرائيل او متطلبات الجمهور الإسرائيلي.
ويبقى السؤال المهم : كيف يتعايش نتنياهو سياسيا مع اجندة "بايدن " وسياسة الحزب الديموقراطي في الشرق الأوسط؟؟؟
هنا لا بد من التمييز بين نتنياهو وبين إسرائيل، جو بايدن اعلن في كثير من المناسبات وحتى عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي بانه سيحافظ على إسرائيل ومصالح الشعب الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط وأضاف سوف يحافظ على التفوق العسكري النوعي و الكمي لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط ولن يتخلى عن دولة إسرائيل تجاه التهديدات التي من الممكن ان تواجهها.
ولكن في نفس الوقت اعلن بايدن ان السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يقوم على حل الدولتين وان الصراع لن ينتهي ولن يتوقف الا بالاعتراف المتبادل بين إسرائيل والفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة الى جانب إسرائيل. هذه المعادلة السياسية التي تقوم على وجود الشعب الفلسطيني والاعتراف بحقوقه السياسية من شانها ان تخلق مواجهة سياسية بين نتنياهو وإدارة جو بايدن الجديدة وبالتالي " الاصطدام قادم لا محالة مما سيدفع الجمهور الإسرائيلي في البحث عن بديل لنتنياهو سواء من اليمين الإسرائيلي او من حزب الليكود ولكني اعتقد ان السياسة الامريكية التي سوف يتبعها بايدن دبلوماسيا سوف تحتاج الى قيادة إسرائيلية من " وسط اليسار " الذي يمسك العصا من الوسط محافظا على رغبة اليسار الإسرائيلي في انهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة ورغبة اليمين في الحفاظ على أراضي فلسطينية لدى إسرائيل توفر الامن والمعادلة الأمنية لإسرائيل. ولكن بالتأكيد سوف تكون هناك معارضة أمريكية لاستمرار الاستيطان وسوف تطالب إدارة بايدن بوقف النشاطات الاستيطانية او تجميدها وعدم دعم مشاريع في المستوطنات الإسرائيلية ، وبخسارة ترمب ونتنياهو للانتخابات الامريكية وربما خروج نتنياهو قريبا من الخارطة السياسية الإسرائيلية بعد استئناف محاكمته في المحكمة المركزية في القدس في يناير القادم يصبح التطبيع خبرا على ورق بين إسرائيل و الامارات والبحرين ومعهم البرهان وحمدوك وسوف تبقى العلاقات تجارية وربما تتوقف كل العلاقات في لحظة خروج ترمب من البيت الأبيض بدون رجعة.
وأخيرا... صفقة القرن ماتت وسوف يتم تشيعها في جنازة رسمية في العشرين من يناير من العام القادم وربما يتم دفنها في احدى دول الخليج التي صفقت لها وباركت وجودها ومن المعروف ان صفقة القرن قد دفنت في مزابل التاريخ في القدس وغزة ورام الله وجنين.