الكاتب: مصطفى ابراهيم
يحيي الفلسطينيون ذكرى إعلان الاستقلال في الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، والذي تصادف ذكراه هذا العام يوم غد الأحد، واختزلت الذكرى بإجازة تمنحها السلطة الفلسطينية للموظفين العموميين وباقي الموظفين في جميع مؤسسات المجتمع المدني وأونروا وغيرها.
وتصادف في الشهر ذاته ذكرى استشهاد الراحل ياسر عرفات، والتي مرت بإصدار البيانات والخطابات واستحضار ذكراه بشعارات نسمعها منذ 16 عاما. شهر نوفمير كباقي شهور السنة يغص بأيام الذكرى للشهداء والأحداث الأليمة التي عاني ولا يزال يعاني منها الفلسطيين جراء الممارسات والجرائم الإسرائيلية، التي إركتبتها ولا تزال منذ أكثر من سبع عقود.
الإدانة والاستنكار مصطلحات ولازمة في السياسة الفلسطينية، وهي التعبيرات الأكثر استعمالاً من قبل المسؤولين الفلسطينيين بكافة توجهاتهم، والحقيقة أن الإدانات لا تخلق سياسية، بل هي فعل العاجز لحركة وطنية المفروض أنها حركة تحرر وطني، وهذا دليل على حالة التيه الوطني، وغياب السياسة والتوجهات العامة الفلسطينية في إدارة مشروعهم الوطني ومواجهة الإحتلال.
وفي هذه الأيام العصيبة التي يمر بها الفلسطينيون من مأس وأحزان وتيه وعجز وعدم القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة ومصيرية باتمام الوحدة الوطنية، وتتعلق بقضيتهم الوطنية ومستقبل مشروعهم الوطني، لا تزال القيادة الفلسطينية تنتظر استلام الرئيس الأمريكي الجديد منصبه في كانون الثاني يناير 2021، على أمل أن تتغير الأحوال مع قدومه.
الأخبار تقول أن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، ينوي زيارة مستوطنة "بسغوت" في منطقة رام الله هذا الأسبوع، وقوبلت هذه الأخبار باصدار بيانات الادانة والشجب والاستنكار ونوعاً من البلطجة والتمرد على القوانين الدولية، وسابقة خطيرة تخرق القانون الدولي، والقرارات الأممية.
أمريكا سواء بوجود ترامب أو بايدن لن تغير وجهها وحقيقة تعاملها مع القضية الفلسطينية، وكذلك إسرائيل لن تتنازل عن طابعها وسياقها الإستعماري الإستيطاني، بل بالعكس ستعزز اسرائيل الاستيطان وتوسعه وهي مستمرة به، وقد تكون زيارة بومبيو تجمل مفاجئة من مفاجأت ترامب خلال سنوات حكمه المنقضية وربما محاولة لإدخال خطوة في الدقيقة التسعين باتخذا قرار الضم والذي لم يتوقف ولن يتوقف والفلسطينيينون لم يتخذوا خطوات حقيقية لمواجهنه سوى بالشعارات والإنتظار.
والركون على وعود بايدن، ودول اوروبا الغربية التي امتهنت سياسة الادانة والتحذير وإطلاق التصريحات المنددة والمحذرة من الاستيطان، وهي تعمل يوميا بشكل وثيق مع إسرائيل، وتوثق روابط الصداقة والتجارة والسلاح مع اسرائيل دون أي خطوة حقيقة تردع اسرائيل وتجبرها عن التوقف وعدم الاستمرار في بقاء وضع الشعب الفلسطيني والتنكر لحقوقه.
اذا كانت اسرائيل تتعامل بهذا الاستخفاف مع الادانات الدولية والتحذيرات الاوربية الديمقراطية والتزامها بمعايير حقوق الانسان، فهل ستستمر القيادة الفلسطينية باصدار البيانات والشجب والادانة والاستنكار وانتظار بايدن؟
اسرائيل لا تنفذ ضم رسمي بالمعنى الذي أعلن عنه نتنياهو وتراجع لاحقاً، ولكن في كل دقيقية اسرائيل تنفذ المزيد من خطوات الضم الفعلي، ومنذ سنوات.
الضم الرسمي تم إيقافه، بسبب إعتبارات داخلية امريكية أكثر منه بسبب التنديد الدولي ومواجهة الفلسطييين الشعاراتية له وحقوقهم، الضم الفعلي التدريجي اجزاء منه تتم بصورة صامته وخفية واجزاء تتم بصورة علنية ويسيران معاً، تجري دون توقف.
وسكان الضفة الغربية والقيادة تدرك ذلك، ويعلمون أنه لم يعد من الصعب التمييز متى وأين تنتهي المستوطنات، واسرائيل تفرض سيادتها بشكل صامت وإن لم تعلن عن ذلك بشكل رسمي، والكتل الاستيطانية والشوارع التي تقسم وتخترق الاراضي الفلسطينية في الضفة تكبر وتتوسع وشاهدة على السيطرة الاسرائيلية اليهودية على الفضاء والحيز الفلسطيني الذي يضيق ويصغر، وأصبح جيوب ومناطق معزولة ومحاصرة.
وفي الوقت الذي ينشعل فيه جزء كبير من الفلسطيين، مفكرين ومثقفين وكتاب وغيرهم من وضع التصورات المستقبلية، وخيارات الفلسطيين وإصلاح مؤسساتهم باجراء الانتخابات فيها على أسس الوحدة الوطنية، لاعاددة الاعتبار للقضية الفلسطينية، لا تزال القيادة الفلسطينية والفصائل ترهن معاناة الفلسطييين ومستقبل مشروعهم الوطني. ومواجهة خطة الضم والاستيطان ومصادرة الاراضي بتحركات دبلوماسية لم تنجح في تغيير أي شيئ، بما في ذلك التطبيع الاماراتي الذي مر من تحت أعين القيادة ولم تستطع التخفيف من آثاره الكارثية، فكيف ستواجه الإستيطان والضم بالدبلوماسية ومساعدة أوروبا وانتظار بايدن؟
الفلسطينيون جميعهم يعيشوا رهائن لسياسة الانتظار للمخلص بايدن، وهل من الحكمة الاستمرار في انتظار المخلص، وكل هذا العبث والمعاناة وتغول إسرائيل وسياستها العنصرية بحاجة للانتظار؟
المحزن هي حالة الإحباط الوطني وتحكم القيادة والفصائل بخيارات الفلسطينيين حتى الشخصية، وامتهان التصريحات الجوفاء وكأنها لاثبات الوجود، على شاكلة بيان القيادة الموحدة والانتفاضة الشعبية والتي تم تهشيمها بل تجريفها، وبدون أي فعل وطني حقيقي على الأرض.
إلا تستحق زيارة بمبيو واستمرار الاستيطان بالتعبير عن الغضب والخشية من قرار الضم وخلال سنوات تم احياء أيام الذكرى االفلسطينية بافعال حقيقية على الارض ومقاومة شعبية والتي أصبحت بحاجة إلى قرار واشك انها تستطع أن تحرك كل الجماهير، فالفعل الوطني ليس بحاجة لقرار بقدر ماهو بحاجة لارداة وتغيير الطريق والادوات ومسار من الفشل، واعادة الثقة والاعتبار للمشروع الوطني.
الموقف الامريكي لن يتغير بشكل داماتيكي، وكذلك موقف القيادة الفلسطينية وقرارتها لم تتغير، فهي تفضل البقاء في مساراتها وتجربتها السابقة، وتعيش وهم الانتظار والركون على ما سيمنحه بايدن من مساعدات ودعم مالي، واستئناف المفاوضات ودعمه حل الدولتين، كل ذلك مقايل استحقاقات يجب على الفلسطينيين دفعها وأولها عدم اتمام الوحدة الفلسطينية، وعودة التنسيق الأمني، هذا إن كان قد توقف!