الجمعة: 22/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإخوان المسلمين في السياسة الخارجية المتوقعة للرئيس بايدن

نشر بتاريخ: 15/11/2020 ( آخر تحديث: 15/11/2020 الساعة: 22:24 )

الكاتب: العميد أحمد عيسى

من غير المتوقع أن تتبنى إدارة الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية في علاقتها مع قوى الإسلام السياسي، لا سيما مع كبرى هذه الحركات (حركة الإخوان المسلمين بما في ذلك حركة حماس)، السياسة نفسها التي تبناها الرئيس ترامب، إذ من المتوقع أن تشهد فترة الرئيس بايدن انفتاحاً في علاقة الإدارة الجديدة مع حركة الإخوان المسلمين، وذلك على عكس إدارة الرئيس ترامب الذي تبنى سياسة تقوم وفقاً لخطابه أمام القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي انعقدت في العاصمة السعودية الرياض في أواخر أيار/مايو العام 2017، على إعتبار حركة حماس الفلسطينية حركة إرهابية، وعلى استبعاد حركة الإخوان المسلمين من المشاركة في النظام السياسي العربي، التي كانت الإدارة السابقة في عهد أوباما قد إنفتحت في العلاقات معها واعتبرت ثورة تموز/يوليو المصرية العام 2013 بمثابة انقلاب عسكري على الرئيس مرسي.

وفي السياق ذاته كان البيت الأبيض في وقت لاحق لقمة الرياض قد أعلن أن الرئيس ترامب أوعز للمؤسسات الأمنية الأمريكية بدراسة إمكانية إدراج جماعة الإخوان المسلمين على قوائم المنظمات الإرهابية، الأمر الذي لم توصي به هذه المؤسسات، فيما كانت عدد من العواصم العربية قد سبقت واشنطن وصنفت الجماعة في قائمة المنظمات الإرهابية خاصة بعد إزاحة الرئيس مرسي عن كرسي الرئاسة في مصر.

ويمكن الإستدلال على إنفتاح الإدارة الجديدة المتوقع على جماعة الإخوان من خلال المشاركة الفعالة للجماعات المحسوبة على الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما الجماعات ذات الأصول السورية والمصرية والفلسطينية، في الحملة الإنتخابية للرئيس بايدن، وكذلك من خلال اللقاءات المتكررة لكبار المسؤولين في طاقم الرئيس بايدن مع مسؤولي هذه الجماعات سواء في الفترة التي سبقت الإنتخابات، أم التي أعقبتها.

كما ويمكن الإستدلال على ذلك من خلال ترحيب وإشادة جماعة الإخوان المسلمين بفوز الرئيس بايدن، الأمر الذي لم يحدث مع الرئيس ترامب، وكذلك من خلال مسارعة هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بعد فوز بايدن ودون سابق إنذار إلى إعلان حركة الإخوان المسلمين حركة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وتتستر بالدين لتحقيق أهداف حزبية.

الدلالة الأهم في هذا الشأن تكمن في رؤية الفريق المتوقع أن يشغل مناصب عليا في الإدارة الجديدة (كالخارجية والأمن القومي) للتعامل مع قوى الإسلام السياسي، إذ يكثر الحديث في العاصمة واشنطن عن أسماء مثل سوزان رايس وتوني بلينكن وغيرهم من الأسماء التي عملت سابقاً في إدارة الرئيس أوباما الذي شهدت في عهده علاقة الإدارة الأمريكية بحركة الإخوان المسلمين، لا سيما في بلد المنشأ مصر، انفتاحا غير مسبوق.

في الواقع يشير التحول المتوقع في السياسة الأمريكية نحو الإخوان المسلمين إلى عدم إستقرار السياسة الأمريكية في التعامل مع حركات الإسلام السياسي، لا سيما في الفترة التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر العام 2001، حيث لا زالت هذه السياسة مشوشة وتغيب عنها الرؤية الإستراتيجية بعيدة المدى، إذ عوضاً عن تطوير إستراتيجية بعيدة المدى في هذا الشأن، تبنت مؤسسات صناعة السياسة في واشنطن هدف القضاء على الإرهاب، الأمر الذي تبين بعد مرور ثلاثة عقود على هجمات سبتمبر أنه هدف بعيد المنال وغير قابل للتحقق، والأهم أنه عالي الكلفة، وتضع مواصلة السعي لتحقيقه الولايات المتحدة الأمريكية والحكومات العربية المتحالفة معها في صدام مباشر مع الشعوب العربية والإسلامية.

ويتجلى غياب الرؤية الإستراتيحية بعيدة المدى عن السياسة الأمريكية في التعامل مع حركة الإخوان المسلمين أيما تجلي في الشهادات المتناقضة التي قدمت من جهات أمريكية مختلفة أمام لجنة مجلس الكونجرس الدائمة للإستخبارات ومكافحة التجسس في شهر أغسطس/يونيو العام 2012، حول دور الإخوان المسلمين في مستقبل مصر والمنطقة، إذ إنقسمت هذه الشهادات الى قسمين، غلب على القسم الأول رؤية اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية (الإيباك) ممثلة بشهادة السيد روبرت ساتلوف مدير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، التي حذرت من وصول الإخوان للسلطة نتيجة لإعتمادهم مبدأ العنف الأمر الذي سيكون له تداعيات خطيرة على مستقبل إتفاق السلام بين مصر وإسرائيل وكذلك على النفوذ الأمريكي في المنطقة.

ومقابل هذه الرؤية قدم ناتان براون أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن رؤية مختلفة في شهادته ترفض محاولات التخويف من الإخوان المسلمين مشيراً إلى ان العنف الذي تمارسه حركة حماس هو مقاومة مشروعة للإحتلال الإسرائيلي.

وفي السياق ذاته جاءت شهادة السيد لورينزو فيدينو مطابقة لرؤية براون، إلا أنها كانت أكثر عمقاً، إذ كانت شهادته نتاجاً لدراسة مطولة أجراها الباحث بناء على طلب من مؤسسة راند البحثية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ونشرت في العام 2011، وكان لورينزو قد أمضى تسع سنوات من البحث المضني لإعدادها، زار خلالها ست عشرة دولة في أربع قارات أجرى خلالها مقابلات مع أكثر من مائتي شخص من المتخصصين في قوى الإسلام السياسي من المسؤولين الحكوميين والعلماء والمثفقين والصحفيين.

وأكد لورنزو في شهادته على ضرورة عدم عزل الإخوان المسلمين أو تهميشهم حتى لا يدفع ذلك بهم للتطرف، وكان من اللافت أنه فيما أوصى بوجوب مبادرة صانعي القرار في واشنطن لإجراء حوار من حين لآخر مع الإخوان المسلمين لتحقيق نتائج إيجابية خاصة في مجال الأمن، إلا أنه شدد في توصيته على ضرورة تفرقة صانعي السياسة ما بين المشاركة والتمكين في التعامل مع الإخوان، لأن التمكين وفقاً لرأي الكاتب يمنح الإخوان مزيداً من الشرعية والتأثير، الأمر الذي ينطوي على مخاطرة كبيرة.

وتأسيساً على ما تقدم من المتوقع أن تنفتح الإدارة الأمريكية الجديدة في علاقاتها مع قطبي السياسة الفلسطينية، (السلطة في رام الله، وربما نظام حماس في غزة)، مما دفع البعض من الفلسطينيين إلى التعبير عن قلقهم أن يغري هذا الإنفتاح قطبي السياسة الفلسطينية ويدفعهم لمعاودة المتاجرة بالوهم والتخلي عن جهود المصالحة التي كانت قد بدأت منذ أيار/مايو الماضي، والتوقف عن محاولات بعث الحركة الوطنية الفلسطينية من جديد، لا سيما وأن السياسة الأمريكية الثابثة نحو جماعة الإخوان المسلمين بما في ذلك نحو حركة حماس وفقاً للشهادات المشار إليها سابقاً، ووفقاً لتقارير وأبحاث مؤسسة راند، تقوم في أحسن حالاتها على إحتواء وتوظيف جماعة الإخوان المسلمين، وتوصي بعدم تمكينهم، كما أن هذه السياسة لن تكون في المدى المنظور سياسة نزيهة في تعاملها مع ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وستبقى تجسد دور الوسيط المخادع وفقاً للقراءات الأكاديمية الرصينة لكل من رشيد الخالدي ونصير عاروري الذين أشار إليهما السيد خالد الحروب في مقالته الأخيرة، حتى وإن أصلحت إدارة بايدن/هاريس بعض ما أفسدته إدارة الرئيس ترامب في علاقاتها مع السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي إن حدث واحتلت أولوية ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي مكانة ثانية أو ثالثة في الأجندة الفلسطينية، سيتدمر ما تبقى من ثقة بين الشعب الفلسطيني من جهة وقطبي السياسة الفلسطينية من جهة أخرى.