الكاتب: مروان أميل طوباسي
ما لفت انتباهي كثيراً اليوم، هو العديد من التعليقات التي حملت الاعتراض بأشكال ولغات مختلفة على ما أطلقوا عليه " ذكرى اعلان الاستقلال" ، وكيف لذلك ان يتم دون ولوج شعبنا الى الاستقلال الفعلي، حيث ما زلنا نعيش واقع الاحتلال البشع.
إن هذا السؤال او تلك التعليقات محقة ان كانت صادرة عن عدم فهم الجدلية بين المسألتين في إعلان وثيقة الاستقلال واعلان الاستقلال ، حتى وان تناولها البعض من الأصدقاء بلغة الاستهزاء السلبية ، وهذا حق لهم ان شاؤوا ذلك، لكني كنت لا أرغب في أن أرى تكرارها من أصدقاء مناضلي خاضوا التجربة والمعرفة الكفاية واكن لهم الاحترام ، وكأن ادعأئهم بان صناعة هذا اليوم في ١٥ /١١ / ١٩٨٨ تم من فصيل واحد دون موافقة الكل الفلسطيني قي تلك الظروف، أو هو من تصرف الرجُل الواحد، أو أن إعجاز هذه الوثيقة هي مدعاة للسخرية، بأننا لم نحقق استقلالنا بعد، أو دون فهم حقيقة مضمونها، أو انهم يقراونها بواقع اليوم.
الحقيقة هي ان لا أحد يحتفل لا بالاستقلال ولا بذكرى الاستقلال ولم يدعو أحدا لذلك ، فمن أين يأتي الاستقلال ونحن ما زلنا نتابع مسيرة حركتنا الوطنية الفلسطينية المعاصرة من أجل الوصول إلى استكمال مرحلة التحرر الوطني من الاحتلال الكولنيالي.
حينها ، و بدحر الاحتلال يكون الاستقلال قد جاز كواقع فعلي بتحقيق حقوق شعبنا الغير قابلة للتصرف وعلى رأسها حق تقرير المصير والعودة والدولة.
أما احياء هذا اليوم من كل عام فهو مناسبة لنذكر ذلك اليوم الذي وقف به الشهيد ياسر عرفات باني الهوية الوطنية المعاصرة وقائد ثورتها، امام اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد حينها ببلد المليون شهيد، ليقراء ويعلن وثيقة استقلال دولة فلسطين بأسم الشعب العربي الفلسطيني، كلمات قد اختارها شاعرنا محمود درويش وصاغها بلغته الأدبية الشعرية المعبرة ، وجسد من خلالها الواقعية الثورية لبرنامج منظمة التحرير الفلسطينية السياسي والذي شكل نقطة تحول هامة انذاك في فهم الواقع الدولي، ولخص بها مراحل عجز الانظمة والنظام الدولي وتطور قضيتنا منذ نكبتنا وقرار التقسيم برؤية سياسية شكلت فهماً بين الممكن وغير الممكن ، بين العدالة والظلم التاريخي ، وبين الحق والهدف.
وثيقة، جاءت على اثرها وكفاح شعبنا سلسلة من الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، ما مهد الطريق أمامنا لمزيدا من الاختراقات الدولية لابواب كانت مغلقة لزمن ولتمدد دبلوماسي كبير في علاقاتنا مع الأسرة الدولية، ولادراك معاني الشرعية الدولية وعلاقة ذلك بالسيادة على أرضنا واستقلالنا الوطني في دولة محبة للسلام العادل تدعو الى احترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ، ما فتح أمامنا أيضا آفاق جديدة وتحقيق قرارات أممية لنصرة قضيتنا الوطنية و إدانة جرائم الاحتلال ومحاصرة إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال بالعديد من المحافل الدولية، وإلتى ادمنت الأحتكام الي الخرافة والإرهاب في نفيها المستمر للوجود الفلسطيني.
تلك الوثيقة "وثيقة اعلان استقلال دولة فلسطين" استندت الى الوجود الإنساني لشعبنا في علاقته مع الأرض والتاريخ، والى التراث الذي كرسته الثورة و الانتفاضة المجيدة وقوافل الشهداء والاسىرى والجرحى.
في إعجاز نصوص الوثيقة التي نُحي ذكرى إعلانها بما حظيت به من إجماع وطني فلسطيني من كافة اعضاء مجلسنا الوطني وكافة فصائله ، تلك الدلائل لمضمون الوطن وشكل الدولة، في ضرورة وحق ابناء شعبنا من تطوير هويتهم الوطنية الثقافية في ظل مساواة كاملة بالحقوق وصيانة المعتقدات الدينية والسياسية والكرامة الإنسانية في ظل نظام برلماني ديمقراطي، والى احترام المواثيق الأممية وحقوق المرأة والطفل وكافة شرائح مجتمعنا الفلسطيني في إطار تعدد الثقافات و الرسالات السماوية للبشر.
هذا ما يحيه شعبنا في هذا اليوم ونحن ما زلنا تحت أشكال الاحتلال والعنصرية الاستعمارية بالتعاون مع حليفها الولايات المتحدة التي تعيق تجسيد هذه الوثيقة وهذا الاستقلال، وإلذي يعيق تنفيذها أيضا ما يسقطه هذا الواقع علي مكونات حياتنا اليومية وتفاصيلها التي نريد لها الانسجام التام مع ما صاغه محمود درويش .
اننا نحي ما تحمله هذه الذكرى من أهمية عبرت عنها وثيقة اعلان استقلال دولة فلسطين بما حملته من كنز الثقافة والانتماء للفكر الإنساني والوطني ، على أمل الاحتفال بالاستقلال الناجز بانتصار شعبنا على اعدائه وخاطفي حريته وحقوقه، في وطن سيبقى حراً لشعب من الأحرار، ولهذا يوم آخر قريب.