الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

إنهم يخدعون الشعب ويضللون الجماهير لا تصدقوهم

نشر بتاريخ: 20/11/2020 ( آخر تحديث: 20/11/2020 الساعة: 01:26 )

بقلم :- راسم عبيدات

لم أثق في يوم من الأيام بأن السلطة ستخرج من مجرى اوسلو،او تغادر نهجها وخياراتها،والذهاب نحو الشراكة الوطنية مع بقية القوى والمكونات السياسية الفلسطينية لبناء مسار سياسي كفاحي جديد..فكل الممارسات والمواقف التي كانت تتخذها السلطة او الخطوات التي كانت تقدم عليها في سياق وإطار علاقاتها مع الإحتلال ، كانت تأتي في إطار تكتيكي استثماري لتحسين موقعها ودورها وحضورها في إطار العملية التفاوضية ضمن نفس الأساس السياسي وليس الخروج عليه ،او التحلل منه، وعندما كانت توافق على قرارات المجلسين المركزي والوطني وما يسمى باللجنة التنفيذية،فهي فقط من باب تنفيس حالة الإحتقان الشعبي والجماهيري....والسلطة عندما اتت صفقة القرن وما تضمنته من ضم وتهويد للأرض وما قامت به حكومة الإحتلال من خصم ما يدفع لعائلات الأسرى والشهداء من أموال المقاصة ،صعدت الى الشجرة واعلنت رفضها استلام اموال المقاصة منذ 6 شهور واتخذت قرارات بوقف التنسيق الأمني والمدني مع دولة الإحتلال....فترامب لم يترك لها أي فرصة او دور في عملية سياسية تحفظ لها ماء الوجه....ومن اجل أن تلفت الإنتباه الى وجودها وحضورها توجهت الى الفصائل بأنها ستعمل على بناء شراكة وطنية وجماعية في القرار ورسم رؤيا واستراتيجية جديدتين لمجرى سياسي وكفاحي جديدين يقومان على الصمود والمقاومة ،ومن هنا كانت لقاءات الأمناء العامون في أوائل ايلول ومن ثم حوارات اسطنبول بين فتح وحماس والحوارات في دمشق بين الفصائل الفلسطينية الى مسرحية حوارات القاهرة بين فتح وحماس والحديث عن خارطة طريق وطنية اتفقت عليها فتح وحماس تعرض في حوار وطني شامل وبرعاية مصرية...ولكن على أرض الواقع السلطة كانت توظف ورقة الكل الفلسطيني من اجل كسب الوقت وفي الإطار التكتيكي خدمة لمشروعها ولمصالحها وكانت تنتظر نتائج الإنتخابات الأمريكية لكي تقرر وجهتها السياسية...وفي هذا السياق كانت بعض الدول الأوروبية وخاصة النرويج عرابة اوسلو تعمل على ترتيب عودة علاقة السلطة بإسرائيل وكذلك تدخل ما يسمى بالكونغرس الإسرائيلي - الأمريكي حيث جاء رئيسه جون لورد الى المقاطعة وحذر الرئيس من الذهاب في مسار الوحدة الوطنية وانهاء الإنقسام ودمج حماس في النظام السياسي الفلسطيني ...ولذلك بقيت مخرجات اجتماع الأمناء العامون وحوارات اسطنبول وما يسمى بالمقاومة الشعبية حبراً على ورق ولم يصدر الرئيس مرسومه لإجراء الإنتخابات ... وكانت وسائل الإعلام تتحدث عن دور اوروبي لترتيب استلام السلطة لأموال المقاصة،حيث رفض الإتحاد الأوروبي طلب السلطة بإعطائها قرض مالي،وأصر على استلامها لأموال المقاصة من دولة الإحتلال.

السلطة لم تغادر خانة التجريب والمقامرة بحقوق شعبنا الفلسطيني ورهنها بالمتغيرات التي تحدث في دولة الإحتلال والولايات المتحدة الأمريكية،ولذلك وجدت بأن فوز بايدن في الإنتخابات الأمريكية،قد يعيدها الى الواجهة،خاصة بأن النظام الرسمي العربي في فجوره التطبيعي مع دولة الإحتلال وقطع "صنابير" المال عن هذه السلطة،وما ينفذه نتنياهو على الأرض من مخططات ومشاريع استيطانية غير متوقفة،قد يدفع بهذه السلطة الى التفكك والتلاشي، ولذلك لكي تخرج من هذا المازق رغم معرفتها وإدراكها العميق بان بايدن لا يختلف جذرياً عن ترامب،وبان الفروقات بين الطرفين تجميلية وشكلية وليست جوهرية،والحزبان الكبيران في امريكا متفقان على تفوق اسرائيل العسكري والأمني وبان القدس الموحدة عاصمة لدولة الإحتلال ولا عودة لحدود الرابع من حزيران /1967 ولا عودة لللاجئين الى ديارهم واراضيهم التي طردوا وهجروا منها قصراً بفعل العصابات الصهيونية.

وأقصى ما سيقوم به بايدن هي خطوات في الجوانب الإقتصادية والإنسانية،مشاريع اقتصادية،الطلب من اسرائيل بإعادة اموال المقاصة،فتح مكتب المنظمة في واشنطن،تمويل جزئي لوكالة الغوث واللاجئين،وربما إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القسم الشرقي من المدينة،ولكن السفارة الأمريكية ستبقى في القدس،والقدس ستبقى عاصمة موحدة لدولة الإحتلال، ودعوة السلطة للعودة الى المفاوضات على نفس الأساس السياسي دون ربط ذلك بتوقف الإستيطان او حتى تحجيمه،والعودة الى إدارة الصراع وعدم العمل على حله، والدخول في متاهة ما يسمى بالمؤتمر الدولي التي لا يكف الرئيس عن تردادها...وفي ذلك توفير الجهد والوقت للإدارة الأمريكية لكي تتفرغ لترتيب البيت الداخلي الأمريكي الذي انقسم عمودياً،وكذلك مجابهة انتشار جائحة " كورونا" واحتواء تداعياتها على الإقتصاد الأمريكي والتفرغ للملف النووي الإيراني.

للوهلة الأولى وانا استمع لوزير الشؤون المدنية حسين الشيخ،وهو يعلن باننا انتصرنا،وبان هذا النصر العظيم نتاج صمود واتصالات الرئيس،كنت اعتقد بان الإدارة الأمريكية قد بعتت رسالة الى الرئيس،بإعتبار القيادة الفلسطينية مختزلة فيه،تعلن فيها عن الزام اسرائيل بوقف الإستيطان واطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين والموافقة على مؤتمر دولي كامل للصلاحيات لتنفيذ القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية،واذ نحن امام رسالة إدارية من ما يسمى بشؤون المناطق " الحاكم العسكري" أبو الركن،يعلن فيها عن إعادة صرف المقاصة للسلطة الفلسطينية ،وأن ما قامت به اسرائيل شرعي وبان السلطة هي التي مارست الحرد،واكد على الإلتزام بالإطار القانوني الذي يحكم العلاقة بين الطرفين في الشق المالي.

رسالة مسؤول إدارة مدنية كان مفعولها اكبر من مفعول كل القوى والأحزاب،وكل ما جرى الإتفاق والتوافق عليه فلسطينيا في اجتماع الأمناء العامون ما بين بيروت ورام الله وحوارات اسطنبول بين فتح وحماس وحوارات الفصائل الفلسطينية في دمشق ،وليتضح بان العلاقة مع دولة الإحتلال وامريكا تتقدم على العلاقة مع القوى والفصائل الفلسطينية وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني،وكأن مصالح البعض الفلسطيني من تحالف القيادة المتنفذة والمال السياسي والكمبرادور الفلسطيني،فوق مصالح الشعب الفلسطيني.

ما جرى ليس بالمفاجىء والغريب،وكذلك النفخ والتضخيم لهذه الرسالة الإدارية،هو من اجل الإستمرار في خداع وتضليل الشعب الفلسطيني وجماهيره،تماماً كما جرى النفخ في الإنتصار المتحقق من مسلسل المفاوضات العبثية التي استمرت 25 عاماً.

نحن امام تنكر واضح لقرارات المجلسين المركزي والوطني،وحتى ما قاله الرئيس نفسه في 19/5/2020 من التحلل من كل الإتفاقيات مع دولة الإحتلال وامريكا،واستخفاف في الكل الفلسطيني ،ولنتائج اجتماع الأمناء العامين الذي عُقد مُؤخرًا في بيروت، وتفجير لجهود المصالحة التي أجمعت القوى على أنّ أهم متطلباتها يكمن في الأساس السياسي النقيض لاتفاقات وكذلك هذا القرار يمثل طعنة للجهود الوطنية نحو بناء شراكة وطنية، واستراتيجية نضالية لمواجهة الاحتلال والضم والتطبيع وصفقة القرن".

تبرير السلطة لقرارها بعودة العلاقات مع دولة الكيان ما هو إلا تبرير للعجز والاستلام أمام العدو، الذي لم يحترم أو يلتزم بأيٍ من الاتفاقات معه رغم كل ما حققته له من اعتراف ومكاسب استراتيجيّة، ولم تتوقّف سياسته في تعميق احتلاله الاستعماري للأراضي الفلسطينيّة، وبضمنها سياسة الضم التي كان أحدث تجلياتها الإعلان عن بناء آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية، وشق الطرق التي تفصل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني، وتكرّس المعازل بين المدن والقرى الفلسطينيّة.

ولذلك أرى بأن تسويق السلطة لقرارها على أنه انتصار هو تضليل وبيع الوهم لشعبنا بهدف العودة لرهان المفاوضات وعلى الإدارة الأمريكيّة القادمة، وعلى وهم إمكانية الوصول إلى حلٍ سياسي لحقوق شعبنا من خلال تمسكها بالاتفاقيات مع العدو رغم كل ما ألحقته من أذى بهذه الحقوق، وما وفرته من غطاءٍ للعدو في استمرار تعميقه لمشروعه الاستعماري الاستيطاني الإجلائي، عدا عن أنه يشكّل تغطية للدول العربية التي قامت بالاعتراف والتطبيع مع دولة العدو، وسيشجّع دول أخرى للالتحاق بهذا الركب.

فلسطين – القدس المحتلة

18/11/2020

[email protected]