الكاتب: داود كتاب
عمان- قبل حوالي ثلاث سنوات قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بخطوة استثنائية. قطع المسؤول الفلسطيني كافة الاتصالات مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسبب تحيزها بلا خجل لإسرائيل.
تتأمل القيادة الفلسطينية من الرئيس المنتخب جو بايدن العودة الى المفاوضات وعلى رأس جدول الأعمال انهاء بناء إسرائيل مستوطنات غير قانونية على أراضي فلسطينية في المناطق المحتلة.
إن تحيز إدارة ترامب لصالح إسرائيل كان تحيزا صارخا، فمن كان يقود ما سمي بتحرك السلام ــ على سبيل المثال ــ صهر ترامب جاريد كوشنر والسفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان وهما من مؤيدي الاستيطان الإسرائيلي وبناء المستوطنات بما يخالف مخالفة واضحة حقوق الفلسطينيين.
من غير المفاجئ أن فريق "خطة السلام" قدم لإسرائيل تقريبا كل ما كانت ترغب به في حين لم تقدم أي تنازل للفلسطينيين، بل بالعكس حاولت إدارة ترامب شراء رضا الفلسطينيين او بالأحرى اجبارهم على التنازل مع وعود للاستثمار، ولكن بدلا من التعامل قطع عباس كل المناقشات مع أمريكا وهو امر لافت للنظر عندما نتذكر ان في الثمانينات من القرن الماضي كان الفلسطينيون يتوسلوا للولايات المتحدة لإجراء محادثات مباشرة مع قادتهم.
ولكن عباس لم يكن أمامه أي خيار، ففي الوقت الذي كانت القوى العظمى في العالم معهم تجاهل رئيس وزراء إسرائيل اليميني بنيامين نتنياهو الفلسطينيين وتوسع بناء المستوطنات ووضع الأسس لمستوطنات إضافية، وفي الأشهر الأخيرة حطمت إسرائيل الرقم القياسي لعدد المنازل والمباني الفلسطينية التي قامت بهدمها.
لا شك ان تلك الاعمال تخالف القانون الإنساني الدولي، وقد أكد مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة على ذلك قبل أربع سنوات عندما صوَّت بالأجماع لصالح قرار 2334 الذي أدان في مقدمته"جميع التدابير الأخرى الرامية إلى تغيير التكوين الديموغرافي وطابع ووضع الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، بما فيها القدس الشرقية، بما يشمل، من جملة أمور، بناء وتوسيع المستوطنات، نقل المستوطنين الإسرائيليين، مصادرة وضم الأرض بالأمر الواقع، هدم المنازل والنقل القسري للمدنيين الفلسطينيين، في انتهاك للقانون الإنساني الدولي والقرارات ذات الصلة."
ورغم ذلك استمرت إدارة ترامب بدعم مخالفات إسرائيل ومن المتوقع أن يقوم وزير الخارجية مايك بومبيو والذي يتطلع للترشح في انتخابات 2024 لزيارة مستوطنة غير قانونية في الضفة الغربية المحتلة ليكون بذلك أول وزير خارجية أمريكي يقوم بتلك المخالفة الواضحة لقرار مجلس الأمن 2334 والذي" يهيب بجميع الـــدول أن تميـز في معاملاتها ذات الصلة بين إقليم دولة إسرائيل والأراضي المحتلة منذ عام ١٩٦٧."
منذ خذلان إدارة ترامب للفلسطينيين اختاروا الدفاع عن أنفسهم، واحتجاجا منهم على الاستيطان والتهديد بالضم رفضت القيادة الفلسطينية استلام الأموال الضريبية وعائدات الجمارك التي تجنيها إسرائيل لصالح الحكومة الفلسطينية، وقد شكل هذا القرار إضافة لقرار الولايات المتحدة وقف المساعدات صعوبة للحكومة الفلسطينية وضعتها على حافة الإفلاس.
هذا يوضح أهمية قضية الاستيطان فلسطينيا، فبالإضافة الى كونه مخالفة للقانون الدولي والحقوق الفلسطينية فإن التوسع الاستيطاني يهدد إمكانية إقامة دولة مستقلة على حدود ما قبل حزيران 1967.
لحسن الحظ فإن هناك إشارات إيجابية تفيد أن الرئيس المنتخب بايدن سيسير بطريق مختلف عن سلفه، قرار مجلس الأمن رقم 2334 أجيز في الأيام الأخيرة لإدارة باراك أوباما والتي قررت عدم التصويت السلبي ضده "الفيتو ". قرار الامتناع كان قد صدر من مستشارة الأمن القومي سوزان رايس وهي الآن من أهم المرشحين لتولي منصب وزيرة الخارجية في حكومة بايدن.
بايدن نفسه كان نائبا للرئيس أوباما وفي عام 2014 كان قد قال لنتنياهو "أنني لا أوافق على أي أمر تقوله."
العديد من المرشحين للمواقع المتقدمة في إدارة بايدن ومنها مدير مكتبه قد عارض علناً النشاط الاستيطاني الإسرائيلي غير القانوني.
يأمل الرئيس محمود عباس ان يتم ترجمة تلك المواقف الى تقدم، فبعد أن بارك للرئيس المنتخب قال عباس إن على الإدارة الجديدة "تقوية العلاقة الفلسطينية الامريكية والعمل على السعي للحرية واستقلال وعدالة وكرامة الفلسطينيين والعمل لسلام راسخ وأمن للجميع في الشرق الأوسط والعالم."
وكان عباس قد اقترح وحتى قبل انتخاب بايدن الى تسريع التحرك من اجل السلام، فمن خلال خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي طالب الرئيس الفلسطيني الرباعية المشكلة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا للدعوة لعقد مؤتمر سلام في العام القادم، قال عباس ان الدعوة لسلام حقيقي يجب ان يكون مبني على القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بهدف إنهاء الاحتلال.
سيكون من الصعب توقع عقد المؤتمر والخروج بنتائج ملموسة في الأيام الأولى لإدارة بايدن. ولكن ما هو ممكن من الإدارة الجديدة العمل على تطبيق قرار مجلس الأمن 2334 بوقف فوري للبناء الاستيطاني غير القانوني.
ورغم الرأي السائد أن حلا دائما للصراع الفلسطيني الإسرائيلي غير وارد إلا أن إرادة سياسية وقيادة من الولايات المتحدة يمكن ذلك، وقد يكون الالتزام بضمان احترام إسرائيل لقرار مجلس الأمن 2334 سيكون بداية جيدة للإدارة الجديدة.