الكاتب: السفير منجد صالح
كُنتُ قد كتبت مقالا قبل مُدة، أقارن فيه بين أداء فنّانينا العرب وفنّاني الغرب في المواقف الإنسانية بشكل عام، ومواقفهم بعد جائحة كورونا بشكل خاص.
وكيف أن فنّاني الغرب تداعوا وتبرّعوا بملايين الدولارات لزملائهم وأبناء مناطقهم وللفقراء وللجمعيّات الخيرية، مُقابل ظهور الفنّانين العرب على شاشات التلفاز ومنصّات التواصل الإجتماعي وهم "يُثرثرون" ويُكثرون من الخطابات والكلام المُنمّق والجعجعة، "نسمع جعجعة ولا نرى طحينا"، وقد بالغوا، وكلّفوا أنفسهم العناء، وتبرّعوا بعدد من "البقج" لكساء البعض من "عراة" الفقراء، وعشرات الطرود الغذائية للجوعى في رمضان وفي غير رمضان.
"كرم" يُغدقه فنّاني الغرب على مواطنيهم المحتاجين مقابل "حذف" بعض فتات "بهرجة" الفنانين العرب لمواطنيهم الذين "يرفلون" بأثواب الفقر والعوز نتيجة سياسات دولهم ونتيجة لجشع طبقاتهم "المُريّشة"، التي "تبلع" كل شيء يتصادف وجوده في طريقها، بما فيهم البشر.
ونتيجة للفساد المُستشري في أنظمة حُكم دول العالم الثالث، التي تسود فيها العائلات الحاكمة أو الزعماء الذين لم تلد النساء مثلهم، لا قبلهم ولا بعدهم، الرئيس الأوحد المُلهم، الذي لو قيّمناه في الحقيقة والواقع، ودون رتوش وظلال السيوف والبنادق، لما ساوى في قدراته القيادية أكثر من مستوى مختار مُحنّك في إحدى القُرى.
جورج كلوني الممثّل الأمريكي الوسيم كان واحدا من ضمن من تبرعوا في حينه، إذ تبرّع، هو وزوجته المحامية البريطانية من أصل لبناني، أمل علم الدين، بمبلغ مليون ونصف المليون من الدولارات لزملاء كلوني الممثلين في هوليود، الذين انهارت أوضاعهم المالية والمعيشية نتيجة انتشار فيروس كورونا.
الآن يعود "الشيخ" جورج كلوني ويطفو على سطح الأحداث، يُجدّف في قارب مليء بالصداقة والود والوفاء والكرم والدولارات. فقد أعدّ كلوني وليمة فاخرة، عشاء "ملوكيّا" لمجموعة من أصدقائه "المُعتّقين"، الذين وقفوا معه في أيّام الشدّة، في بداياته المتواضعة. وحضّر لهم مفاجأة من "العيار الثقيل"، مفاجأة لم يكن أي واحد منهم يتوقّعها أو يحلم بها.
جورج كلوني الوفي الذي كسر حكمة وقاعدة "إتّق شرّ من أحسنت إلية"، ليحوّلها فعلا إلى "إستبشر خيرا ممن أحسنت إليه". أعدّ أربعة عشر حقيبة، كل حقيبة تحتوي على مليون دولار عدّا ونقدا، وكاش، "ودولار بينطح دولار"، وسلّم الحقائب، في نهاية العشاء، إلى أربعة عشر من أصدقائه الأوفياء، تقديرا وإعترافا منه لمواقفهم المشرّفة في الوقوف إلى جانبه عندما كان يحتاج إلى المساعدة. فهو الآن "يردّ لهم الصاع صاعين"، ولكن كرما ولطافة ووفاء.
يقول كلوني في معرض حديثه عن "الحدث الجلل" أنّه "في ذلك الوقت لم يكن لديه أسرة لينفق عليها، لذلك شعر بالسعادة لإعطاء أمواله لأصدقائه"،
وأوضح جورج كلوني قائلا: "إنّ أصدقاءه ساعدوه عندما كان بحاجة إليهم، مُشيرا إلى أنّه إقترض منهم الأموال قبل الشهرة، وكان أحيانا ينام في منازلهم".
وتابع مصرّحا ومعترفا "بجمايلهم": "أعتقد أنّه من دونهم لم أكن لأحظى بكل ما لددي، نحن مُقرّبون للغاية، فكّرت في أنّه إذا ما صدمتني حافلة وتوفيت سوف يكونون جميعا في وصيّتي، لذا لم أنتظر حتى أتعرّض لحادث".
وأضاف: "لقد كُنتُ أُفكّر أنني لن أنزوّج ولن أنجب أطفالا، سوف أعمل ولديّ أصدقاء جيّدون، حياتي مُكتملة وأنا بخير".
وواصل كلوني يقول: "ولكنّي لم أعرف كم كانت حياتي غير مُكتملة حتّى قابلت "أمل"، حينها تغيّر كلّ شيء، وشعرت أنّه كان هناك فراغ كبير في حياتي".
وأشار إلى أنّه "لم يكن يتخيّل أن حياة شخص آخر أهمّ بالنسبة إليه من حياته، ولكن مع دخول شخصين آخرين صغيرين حياته، (يقصد توأمه من زوجته أمل)، فقد تبدّلت الأمور".
وكان جورج كلوني قد تزوّج من المُحامية الحقوقية الشهيرة أمل علم الدين عام 2014، وأنجبا طفليهما التوأم عام 2017.
قبل سنوات قليلة، قام ثلاثون ميليارديريّا أمريكيا بالتبرع بنصف ثرواتهم الطائلة للجمعيّات الخيريّة في الولايات المُتحدة الأمريكيّة، على رأسهم بيل غيتس، المُصنّف حينها أغنى رجل في العالم.
وقتها سأل صحفي الملياردير المكسيكي من أصل لبناني كارلوس سليم عن تبرّع زُملائه الأمريكيين وإذا ما كان هو مُستعدّا أن يحذو حذوهم؟
فضحك كارلوس سليم وأجاب: "هؤلاء مجانين، فبدل التبرّع بنصف الثروة، سأضاعف ثروتي".
وفي أوّل زيارة كان قد قام بها الملياردير كارلوس سليم لمسقط راسه لبنان، فقد إستقبله الشعب اللبناني إستقبال الفاتحين، ووضعوا يافطة ضخمة لم يشهد لبنان مثيلا لها ترحيبا به، كتبوا عليها: "أهلا وسهلا بك في بلدك الأصلي كارلوس سليم ابن لبنان "البارّ"، أملا في أن "يبُرّ"ّ بهم وببلده بعدّة ملايين من "طرف جيب ثروته"، ولكنه لم يُخرج من جيبه ملّيما أحمرا، ولا حتى "بارة"!!!!!
كاتب ودبلوماسي فلسطيني