الكاتب: رولا سلامة
بعيون شاخصة تنظر للجهة الشرقية من الضفة الغربية ، وبصرخات موجعه ونداءات استغاثة لجلالة الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية شقيقتنا الكبرى وحامية مقدساتنا يوجه أهالي حي الشيخ جراح في المدينة المقدسة نداءهم بعد أن داهمهم الخطر الحقيقي وبدأت سلطات الاحتلال بتنفيذ الخطط لاجلاءهم وتهجيرهم والاستيلاء على منازلهم منزلا تلو المنزل لصالح المستوطنين ولتفريغ المدينة المقدسة وتغيير معالمها ، فها هو السيد نبيل الكرد صاحب أحد المنازل المهددة بالاخلاء يوجه نداءه وهو على يقين أن جلالة الملك عبد الله الثاني سيلبي النداء فهو من عرف عنه حبه للقدس ومقدساتها . فقصة هذا الحي تعود لما يزيد عن ستين عاما ، وكتعويض عن التهجير القصري الذي تعرض له من كان يعيش بأمن وأمان في يافا وحيفا وما حولهما ، ومقابل استبدال كرت اللاجىء وباقي الامتيازات التي حصلوا عليها كلاجئين ، حصلت 28 اسرة فلسطينية على مسكن في حي الشيخ جراح في مدينة القدس ، وباتفاق بين حكومة المملكة الاردنية الهاشمية ووكالة الأمم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى - الأونروا ، تعهدت المملكة الأردنية بايجاد قطعة أرض مقابل أن تقوم وكالة الغوث ببناء المساكن ، وبالنسبة لللاجئين في ذلك الوقت لم يطلبوا أي تعويض عن منازلهم وأرضهم في يافا وحيفا ومناطق متفرقة من أراضي العام 48 ولكنهم أرادوا منزلا يأويهم وأطفالهم لحين عودتهم الميمونة لمنازلهم التي هجروا منها قصرا .
لم يكن يخطر على بال أي من هذه الأسر أن ما تعرضوا له قبل أكثر من 72 عاما سيعود مرة اخرى ليتكرر وأن المنزل الذي حصلوا عليه بعد رحلة عناء شديده وبعد انتظار وتشرد سيخسروه لمن هجرهم أول مرة ، وهل يعقل أن ننتظر العدل والحق من المحتل ، وهل يعقل أن ينصفنا من سرق بيتنا وأرضنا ورزقنا ، فهذا حال اسر الشيخ جراح وهذا بات تساؤلهم اليومي ؟؟
منذ العام 1972 وقضية أهالي حي الشيخ جراح تتصدر مأسي المدينة المقدسة ، فخلال اعوام وأعوام وجيلا بعد جيل ، ومن المحاكم لمؤسسات حقوق الانسان وللسياسين وزعماء العالم ، لمن يقف دوما داعما لنا ، ولمن ينادي بانصافنا واحقاق الحق ، ولمن يؤمن باننا أصحاب حق وقضية عادله ولمن انضم لنا باعتصاماتنا ومسيراتنا ومظاهراتنا لا نطلب من خلالها سوى احقاق الحق وانصافنا وانصاف اسرنا وحماية أطفالنا من رحلة تشريد ومعاناة قضت على أمال وأحلام أبائهم وامهاتهم وها هي القصة تعود من جديد ليعيش أطفال حي الشيخ جراح كما عاش ذويهم رحلة تهجير وطرد وابعاد واعتقال وضرب ومعاناه .
" لن نفقد الأمل ولن نترك منزلنا ولا حينا ، فلا مكان لنا سواه ولن نرضى ما فرض على ذوينا بعد رحلة معاناتهم وتهجيرهم في العام 1948 ، سنبقى في المنزل الذي ولدنا به والذي يحمل ذكرياتنا وأفراحنا وأحزاننا ، توفيت والدتي أمال القاسم وهي تشرح قصة الحي ومعاناتنا لكل من يأتي زائرا أو سائحا أو صحفيا أو سياسيا تعلمنا وحفظنا عن ظهر قلب قصة حينا وقصة تهجير جدي وجدتي في العام 1948 " تقول أصالة أبو حسنة التي ولدت وترعرعت في أحد منازل حي الشيخ جراح ، فهي من الجيل الثالث حيث أن جدها وجدتها لوالدتها اجبروا على ترك منزلهم في العام 1948 ومعهم بعض أطفالهم وانتقلوا للعيش في البلدة القديمة من مدينة القدس وكانوا من الأسر المحظوظة التي حصلت على منزل من المنازل ال 28 التي تم بناؤها لبعض الأسر، وتضيف أصاله : عاشت والدتي أمال وتزوجت وأنجبتنا وهي تعيش في نفس المنزل ، فالذكريات تعود لعشرات السنين ، وتوفيت والدتي قبل أكثر من عام وهي تحمل قضية الشيخ جراح مثلها مثل باقي الأسر التي تربت وربت أبناءها جميعهم على حب هذا الحي وحفظ قصتهم لترويها الأجيال تلو الأجيال لنحفظ بعض ما تبقى لنا من تاريخ حافل بقصص الصمود والتحدي والمعاناة وتحديدا في مدينة القدس والتي باتت القضية المركزية لنا كفلسطينيين فجرافات الاحتلال وقراراتهم وقوانينهم الجائرة التي طالت الأرض والحجر والشجر والانسان لم تتوقف يوما منذ العام 1968 عن ملاحقتنا والبطش بنا وتهجيرنا وفرض الغرامات والقرارت التي تهدف لافراغ المدينة المقدسة من أهلها الأصليين .
على مدار سنوات طويلة يواصل أهل حي الشيخ جراح تصديهم للمحتل وقوانينه ومستوطنيه ، صمدوا واعتصموا وتحدوا القرارات الجائرة وشرحوا قصتهم وقصة حيهم في كل وسائل الاعلام وفي المحافل الدولية ولكل مؤسسات حقوق الانسان والمنظمات الدولية ولكن أحدا لم ينصفهم بعد ، فهم بحاجة لمن يثبتهم في منازلهم وفي حيهم ومن يدعم صمودهم ويدافع عنهم ويضم صوته لصوت الحق ولكل من أمن بقضيتهم وحقهم وساندهم ، وهم يتوجهوا لجلالة الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهامشية التي وقفت الى جانبهم وأمنت لهم قطعة الأرض في العام 1956 فندائهم لجلالة الملك عبد الله الثاني أن ينصفهم ويحميهم ويساندهم ويثبتهم في منازلهم .
ان قضية حي الشيخ جراح هي قضية واحده من عشرات القضايا التي تحاول اسرائيل بحكومتها وقوانينها ومستوطنيها أن تنهيها لصالح المستوطنين ولتفريغ هذا الحي من سكانه الأصليين واستبدالهم بمستوطنين ، فها هم قد نجحوا قبل سنوات قليلة بطرد 3 اسر فلسطينية من الحي وشجعهم هذا على بدء المرحلة الثانية والتي تتضمن طرد 5 عائلات جديدة لتفاجىء أربع اسر جديدة وقبل حوالي الشهر باستلامهم قرارات اخلاء جديدة ، وما زالت الأسر في هذا الحي تستلم قرارات اخلاء في سياسة ممنهجة تهدف لتفريغ الحي بالكامل من الفلسطينيين وتسليمه بالكامل للمجموعات الاستيطانية ليتحول الحي بالكامل لحي يهودي .
صرخات ونداءات أهل الحي متواصلة منذ سنوات ، وقضاياهم في المحاكم منذ سنوات وحلمهم أن يزول هذا الكابوس ويعودوا للحياة بأمن وأمان ، وحلمهم أن يبقوا على تواصل مع أهلهم وذويهم من أبناء مدينة القدس الذين يشاطرونهم هذا الهم ، فهنا الهم واحد والاحتلال لا يفوت أي فرصة للانقضاض على الأحياء الفلسطينية المقدسية فالخطط واحدة والهدف واحد والاحتلال وأساليبه وان تعددت واحدة ، فهذه رسالتنا بوحدتنا ننتصر وبايماننا بعدالة قضيتنا وحقنا في أرضنا وترابنا وهوائنا سننتصر .
الكاتبه : الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا . والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير ، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن فيروس كورونا والحياة في زمن كورونا وتأثيره على المجتمع الفلسطيني .