الكاتب: دوسلدورف / أحمد سليمان العمري
كان يا مكان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان حاكم باسم بهيّ الطلّة وبلكنة فصيح اللّسان، يجلس على عرش ممكلة الأبلكاش، محبوب عند شعبه الكريم المضياف؛ قهوتهم تراث وموسيقاهم دقات «المهباش».
جرت العادة في مملكة الأبلكاش تبديل أعمدة العرش والأركان في كلّ أربعة أعوام، حتى آل جلّها أعمدة وأركان، أمّا باقي المملكة رملٌ وحطامٌ وأعلافٌ لبهائم السلطان وأبواق تنعق بهيبة الأركان، وعسكرٌ جياعٌ ضَور تفتدي الحاشية والملك الشبعان، وكرماء القوم في مخمصة حرّاس حرملك الخليفة العريان لا يرون بالأمّة غير قطيع خرفان.
أمّا الأعمدة فهي مائة وثلاثون وعدد الأركان أربع وعشرون، يختارهم الملك من شعبه ويجعلهم خصاصته وبطانته شريطة إفقار الطائفة التي ينتقي منها قوائم مملكته. وهكذا استمرت سياسة المملكة المطمئنّة أهلها الراضين بفقرهم لبقاء العرش والملك الحكيم، حتى ضج شبيبة المملكة المتأثرين من شدّة الفقر والعوز بمملكة «الحريّات التسويقيّة» فعرفوا أنّ ما يروّج في دولتنا من حقوق ما هي إلّا انتهاكات بوجه خرافات وخزعبلات أزلية؛ فخالفوا كبارهم وانشقّوا عن الرأي الملتئم الملتحم، فأشار مستشار الملك بأن يترك الأمر لهم لإختيار الأعمدة والأركان ويكفّ عن نفسه سخطهم وشذوذهم السرمديّة.
نجحت فكرة مستشار الملك الوسيم، وانقسمت الشبيبة وانشقّت على بعضها واختلطت أطماعهم بثوابتهم، فشابه جشع بعض الشبيبة جهل كثير المشيب وقام عرش الملك من جديد بشراكة كبار العشيرة؛ صغارها ورشيدها وأرعنها، فزادت أركان الدولة أعمدة وأركان وآل جلّ الشعب إلى كلأ وتُراب، وعاد الفقر والعوز كما كان مؤطّراً بإقصاء الحُصفاء والعارفين.
تنافس أبناء العترة الواحدة وبينهم العقلاء والفطناء لتقديم ركن وعمود للملك ظنّهم أنّهم لهم رفعة وأنفة، وغاب عنهم بالحميّة الجاهلية تنفّذ واحدهم على تهميش ألاف منهم بين عائل مملق وعديم مدقع.
وتهافتت رايات المهنئين المنافقين وسُذّج وجهلاء وبينهم لبيب حاذق وحصيف سويّ الراية سديد، اعتلى الركب حياءً أو مخافة إقصاء أو من خاصّته المذمّة؛ انصاعوا لتمكين تجّار القضيّة بروابط شرفاء كوكبة عديّة.
سألني أخي، ونحن من تراب المملكة الأبلكاشية: ما الذي منعك من دعم الأركان العسكرية وأثرياء صناديق المالية؟ فقلت له يا ابن أمي وببساطة، مملكتنا لا تقيمها أعمدة أفقية أو عمودية، فهي بخط قصبة وقطرة حبر عفوية تهدم البرلمان وتقيل صاحب الشرطة والصولجان ومعها كل صروح الديمقراطية والحريّة، يا ابن أمي وأبي المملكة تبنيها ساسة وجعهم كوجعك ووجعي ومتمرّسين بألمعيّة، يا ابن أمي وأبي أبناء القبيلة نختارهم عصبيّة فيشدّوا من وطأة الحراميّة بعون الأكثريّة، يا ابن أمي تقفون لنصرة هيكل ليس له من العمود والركن غير نفسه وجوع البقيّة، ويمنوك بتجنيد عسكري وتوظيف حارس بلديّة، نصحوه أكل العدس فهو كاللّحمة البلدية وقالوا له خبز «الكراديش» مثل الأرغفة الألمانية والكعكة الفرنسيّة.
يا ابن أمي الدولة ليست مضافة صلح عشائريّة تُنهي الحد والقصاص بهزة فنجان قهوة زعبيّة أو عمريّة، الدولة حكم وتشريع وقرارت مخادعة يسمّونها حيناً دبلوماسيّة، الدولة قلم حرّ ورضيع أمن الحليب حتى شاخ فأمن العفّة والكرامة حتى حتفه، الدولة حقّ الفقير بعنق ابن الوزير الزير كحقّ الضعيف عند الأمير، الدولة حق دواء العليل كالحق في الداء بجسد الوالي والسفير.
يا ابن أبي وأمي أركان دولتنا وأعمدتها العتيّة ركيكة هشّة قائمة على اختيار الأغلبية، والأغلبية تقدّم القريب رغم جهله بالحكم والأمور السياسيّة، لكنّه ابن العم فهو الأولى بالأريكة الجلديّة تحت القبّة البرلمانيّة، وله الحق - فهو ابن العشيرة - بالتصويت على قرارات اللصوص العنجهيّة. كلّ أعمدة دولتنا الأردنيّة الوزاريّة والبرلمانيّة والمؤسّسيّة والفعليّة والأسميّة معروفة لهذا وسد جميل لذاك واحتواء معارض الأمس سليط اللسان لتقويض الحقيقة وتقديمها مرّة أخرى على شكلّ منسف و «مليحيّة». أركان دولتنا يا أبن أمي وأعمدتها كلّها من الأبلكاش الخشبيّة.