الكاتب: دكتور ناجى صادق شراب
لا بايدن هو نفس بايدن ولا الشرق الوسط هو نفس الشرق الأوسط.نحن أمام مقاربه سياسية جديده ،بايدن الرئيس الجديد وليس عضو الشيوخ أو نائب الرئيس، وشرق أوسط جديد. متغيرات وتحولات سياسية تراوحت ما بين الإستراتيجية والبنيوية لحقت ببيئة السياسة الأمريكية الكونية وفى بيئة السياسة في منطقة الشرق ألأوسط. هذه المعادلة هي التى ستفرز لنا تفاعلات السياسة ألأمريكية في المنطقة وتحدد أولوياتها والقضايا الرئيسة التي ستحظى بالإهتمام والقرارات السريعة. وللتذكير الرئيس أوباما بدأ حملته في الشرق الأوسط بخطاب تفاؤل كبير القاه في جامعة القاهره 2009، وتعهد فيه بسياسة جديده وبحل للصراع العربى الإسرائيل وتأييد حل الدولتين، وأنتهت إدارته بالتخلى عن كل وعوده.وعلاقات توتر مع حكام دول المنطقة لموقفه المؤيد لجماعة الأخوان المسلمين وما عرف بالتحولات الرباعية.وإتفاقه النووي الإيراني على حساب تخوفات المنطقة. وإمتناعه عن مهاجمة الجيش السورى بعد أن ثبت إستخدامه للكيماوى ضد المعارضين.وحتى مع إسرائيل إتسمت علاقاته بالتوتر رغم الدعم الغير مسبوق لها وبلغ أكثر من 38 مليار دولار على مدار عشر سنوات.ولا خلاف أن بايدن سياسى وصاحب خبره كبيره بسياسات المنطقة ويعرف دهاليزها ، ويعرف قادتها لكنه يأتى للحكم في حال الإقرار دستوريا بعد إرث كبير تركته إدارة ترمب داخليا وخارجيا.وتحديات تهدد روح أمريكا الواحده ، وحالة الإنقسام المجتمعى ووباء الكورونا ، وأزمة إقتصاديه تذكربأزمة الثلاثينات من القرن الماضى. ستكون لهذه لتحديات ألأولويات القصوى ،علما أن الأربع سنوات قد لا تكفى لإيجاد حلول جذريه،وستبقى القضايا الخارجية مرهونة بها. ولا شك أن الشرق الأوسط ورغم التراجع في أهميته الإستراتيجية العليا للسياسه ألأمريكية ، لكن لا يمكن تصور تخلى الولايات المتحده في إدارة بايدن عن هذه المنطقة . وإن تفاوتت ملفاته بالنسبة لإدارته. وقد يحتل الملف النووي الإيراني أولويه كبرى والعمل على المحافظة على العودة للملف النووي ، ولكن بلا شك سيكون بشروط تفاوضيه جديده، وأكثر شموليه بإشتماله على تجارب الصواريخ البالستيه، وتوسع النفوذ الإيراني في العديد من المناطق العربيه كالعراق وسوريا ولبنان واليمن. وهذا الملف يحقق للولايات المتحده أكثر من هداف من ناحية طمأنة إسرائيل وقلقها المتزايد من تنامى القوة النووية الإيرانية ,وطمأنة دول الخليج العربى كالسعودية ، والعمل على إستعادة العلاقات التقليدية مع أوروبا في هذا الملف.والسؤال المهم في الملف النووي الإيراني هل تعتبر إيران هي التهديد ألأكبر في المنطقة كما ترى إسرائيل ودول المنطقة؟وكما في لقاء له مع توماس فريدمان 2015 قال بايدن إن التهديد ألأكبر على الدول العربية ليس غزو إيران، بل عدم رضى الجمهور فيها. وقالت هاريس أن ترمب عرض للخطر أمن الولايات المتحده عندما إنسحب من ألإتفاق النووي الذي سيكون الهدف الأبرز لبايدن تحطيم إرث ترمب الإيراني. أما غير ذلك فلا يعنيه كثيرا.وكما أشرنا أن العودة للإتفاق قد تؤدى لمشكلة مزدوجه مع الدول العربية والخليجية والسعودية خصوصا, لكن من ناحية أخرى يدعم علاقاته التقليدية مع أوربا.وبايدن يدرك ذلك ، ولذلك كما قال الوزير الإسرائيلي تساحى هنغبى إذا تمسك بايدن بهذه السياسة وأعطاها ألأولوية عن دونها، فإن ذلك سيؤدى إلى زيادة إحتمالات الحرب بين إسرائيل وإيران وقد تتسع إقليميا مما يشكل تهديدا لأمن الولايات المتحده.و من الملفات المهمة في المنطقة والتي كانت احد أسباب التوتر في العلاقات مع دول المنطقة الموقف الداعم من الأخوان، ولا أعتقد أن بايدن قد يمارس نفس السياسة بعد التحولات الكثيرة التي لحقت بالحركة وإعتبارها مصنفه إرهابيا كالقرار الأخير من السعودية ، ونجاح دول المنطقة في تحقيق درجة أكبر من ألإستقرار وزيادة النشاطات ألإرهابية في أوروبا ، ولذلك هذا الملف سيتراجع بشكل كبير لحرص إدارة بايدن ألا يكون سببا في توتر العلاقات بدول المنطقة التي ستكون حريصة عليها.ومن اكثر الملفات التي قد تلقى التأييد المضي قدما في ملف السلام العربى الإسرائيلي ، بل من مصلحته ومما قد يدعم موقف إدراته تشجيع الدول العربية على المضي قدما والتركيز على تحقيق إنجاز كبير في هذا الملف بتطبيع العلاقات مع السعودية.ويبقى الملف ألأكثر إلحاحا ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومستقبل صفقة القرن، وهل سيحظى بإهتمام إدارة بايدن علما أنه لن يحقق إختراقا كبيرا فيه، واقصى ما يمكن تصوره في هذا الملف تقديم مبادرات طمأنة للفلسطينيين مثل إستئناف المساعدات المالية وفتح مكتب منظمة التحرير وإستئناف المساعدات لوكالة الغوث وفتح القنصلية ألأمريكية في القدس الشرقية من باب تقديم المساعدات للفلسطينين, مقابل أن يبادر الفلسطينيون بإستئناف التنسيق الأمني والمدنى وهو ما حدث فهلا بقرار السلطه للعمل بها والعودة لطاولة المفاوضات، وكعادة سياسة بايدن معالجة الخلافات في غرف خاصه فقد لا يعلن على إلغاء صفقة القرن والتخلى عنها رسميا ، بل قد يسترشد بها نظرا لتسمك إسرائيل بها وسيترك ألأمر للطرفين الفلسطيني والإسرائيلى ، ومع تعيين ممثل جديد في المنطقة.وحيث المنطقة تزدحم بالعديد من الملفات المتشابكة وأبرزها أيضا ملف العلاقات مع تركيا وفى هذا الملف قد تلجأ إدارة بايدن لسياسة أكثر تشددا وتصلبا مع تركيا ، وقد لا تسمح لتركيا بممارسة سياتها التوسعية بدون قيد أو كابح ولكنه لن يتجاهل دورها، وهذا سيساعد في تحسين العلاقات مع الدول العربية والخليجية ، إلى جانب ملفات المتعلقة بالحرب في اليمن وقد تعمل إدارة بايدن على ممارسة دور اكبر للتوصل لحل لهذه الحرب.إلى جانب ملفات الحقوق والديموقراطية وقد تحظى بنفس ألأهمية لإدارة أوباما نظرا لأن كل التحديات الداخلية لم تكن في عهد اإدارة أوباما، وهذا قد يكون سببا لإيلائها أهمية كبيره ،اما اليوم فقد أختلف التحديات وألأولويات، اضف إلى قدرة أنظمة الحكم العربية لتتخذ قرارتها بدرجة أكبر من الإستقلالية والتأثير.وستبقى منطقة الشرق الأوسط منطقة إهتمام ولا تسقط ابدا من إهتمامات أي إدارة أمريكية نظرا لأنها أصبحت اليوم كما نرى منطقة صراع وتنافس بين القوى الكبرى كالصين وروسيا وسعى كل منها لتثبيت نفوذها في المنطقة وسيكون هذا على حساب المصالح الأمريكية العليا وتراجع الدور الأمريكي عالميا، فلا شك تبقى منطقة الشرق الأوسط أحد محددات قوة الولايات المتحدة وعودة دورها الريادى. لكن يبقى شكل العلاقات والسياسة رهنا بقدرة دول المنطقة على التعامل مع السياسة ألأمريكية الجديده.