الكاتب:
بقلم: د. اسماعيل أبو عمرو
عضو فريق يوميات فيروس
هل وقعت البشرية ضحية حرب اللقاحات دون أن تتحقق شروط الأمان اللازمة؟ كم هي عدد السنوات العلمية المطلوبة للتحقق من كامل أوجه الصلاحية لأي لقاح؟ وماذا عن مراحل فحص صلاحيته؟ وهل يسارع المستفيدون إنتاجها وتسويقها لغايات اقتصادية وسياسية؟ وما هي تقنياتها المستخدمة وإيجابياتها وسلبياتها؟ وأي منها ينصح أن تشتريه الدول لرعاياها؟
المقدمة:
تواجه جميع اللقاحات التي تسمعون وتقرأون عنها اتهاماً بأنها تتخذ طابعاً من التسابق التجاري من ناحية، وأن إجراءات الجهات المسؤولة في بعض الدول تتسم بالتخبط وتلفيق الحقائق المتعلقة بهذه اللقاحات من ناحية أخرى. وأنه حتى اللحظة لا يوجد أي لقاح اكتملت تجاربه العلمية، ولم تنشىر معطيات أي منها لتؤكد فعاليتها وسلامتها لأن ذلك يتطلب سنوات طويلة من الناحية العلمية والتجارب السابقة.
فعلى سبيل المثال؛ استغرق تطوير لقاح الجدري 25 عاماً، ولقاح فيروس الورم الحليمي المسبب لسرطان الرحم 15 عاماً، ولقاح فيروس الروتا عند الأطفال والمسبب للإسهال والإقياء والحرارة 15 عاماً. ونادراً ما يتم الحصول على لقاح في أقل من خمس سنوات، ما عدا لقاح النكاف، الذي نسمية بالعامية، أبو كعب، الذي استغرق بحثه حوالي عامين، حيث تصادف أن يكون والد الطفل المصاب باحثاً أكاديمياً، وحصل على الفيروس من حلق طفله.
وفيما يلي تلخيص لمراحل إيجاد اللقاح التي توقعها ووضعها العلماء، والتي تتضمن ما يلي:
المرحلة الأولى: مرحلة اكتشاف الفيروس، وتتطلب من 2 إلى 5 سنوات لإتمامها. وقد قامت الصين باكتشاف كود فيروس كورونا، وأعطته مجانا لكل دول العالم. وبالتالي فقد اختصرت هذه الفترة الزمنية الطويلة على الباحثين أينما كانوا.
المرحلة الثانية: المرحلة ما قبل السريرية، وتتطلب عامين لإتمامها.
المرحلة الثالثة: المرحلة السريرية، وهذه تنقسم إلى 3 مراحل:
*هل اللقاح آمن؟ وتتطلب من عام إلى عامين.
*هل سيحفز اللقاح جهاز المناعة؟ وتتطلب من عامين إلى ثلاثة أعوام.
*هل سيمنع اللقاح انتشار العدوى؟ وتتطلب من عامين إلى أربعة أعوام.
المرحلة الرابعة: وهي الأهم، والمتعلقة بمراجعة ودراسة اللقاح المقترح من قبل اللجان المسئولة عن دراسة فعالية اللقاح وسلامته، وتتطلب من عام إلى عامين للقاح الواحد.
المرحلة الخامسة: مرحلة البدء بإنتاج اللقاح وتسويقه. ويظهر في نهاية كل مرحلة عدد اللقاحات التي وصلت لهذه المرحلة. والملاحظ أنها بدأت في حال لقاح كورونا قبل البدء بأي مرحلة من مراحل التجارب.
وبالتالي، فإن معدل الفترة الزمنية لإيجاد لقاح هو عشر سنوات بتكاليف 500 مليون دولار.
ويدعي بعض السياسيين أن التكنولوجيا مكنت العلماء من اختصار المدة الزمنية اللازمة لإيجاد اللقاح. لكنه من السهل الرد على هذا الادعاء والذي يتعلق باستعمال تكنولوجيا الـ (mRNA)، ولكن العديد لا يستعمل هذه التكنولوجيا، مثل اللقاح الصيني واللقاح الروسي ولقاح أكسفورد. ولكن من اللقاحات التي اعتمدت على هذه التكنولوجيا هما لقاح بايونتيك الألماني والذي سمي فايزر ولقاح موديرنا، مع العلم أن العلماء لم يتمكنوا من إيجاد لقاح أبداً مبني على طريقة الـ (mRNA). ولكن إذا ما سلمنا بهذه الإمكانية، ماذا عن المرحلة الرابعة التي تتطلب عاماً أو عامين؟ إنها تستوجب مرور فترة زمنية بعد اكتشاف اللقاح لدراسة ومراجعة كل جوانبه والتي يتطلب كل منها مراقبة المتطوع لشهور وسنوات طويلة للتأكد من فعالية اللقاح من حيث مقدرته منع العدوى وانتقالها، وسلامة اللقاح من أعراض جانبية والتي قد تظهر بعد فترات زمنية طويلة. كما يجب ألا تنسى البشرية احتمالية حدوث ذلك! ومن أشهر أمثلتها: دواء الثالومايد.
إذاً، كل ما نسمعه عن ترخيص سريع وطارئ، لا يتعدى دائرة التهريج وغياب المصداقية، ودوافعها الاقتصادية والتجارية، وأن ذلك يعتبر ضرباً بسلامة المواطن عرض الحائط.
وأحدث مثال على نتائج التسرع والسباق لإيجاد لقاح لكورونا هي فضائح وتخبط تجارب لقاح أكسفورد، التي طفت على السطح في اليومين الماضين، كمثال لما يجري نتيجة الضغط على الأكاديمين لإيجاد هذا اللقاح بأسرع ما يمكن. وبدأت تفاصيل الفضيحة تعم كل أجهزة الإعلام البريطانية. وقد وضحت صحيفة الفاينشيال تايمز ذلك.
لقد أجريت التجربة على مجموعتين: الأولى أخذت جرعتين كاملتين متساويتين بفاصل شهر، والثانية أخذت نصف جرعة ثم جرعة كاملة بعد الشهر. وما يثير الاستغراب أنهم وجدوا أن الجرعة الثانية حققت النسبة 90٪ مقارنة مع الأولى ذات الجرعة الكاملة التي حققت 60٪. وبعد محاولة كشف الأسباب، تكشف سيل من الأخطاء، مثل أن المجموعة الثانية شملت 2500 متطوع فقط جميعهم تحت سن 55 عاماً وهم الأقل عرضة لكورونا ممن هم أكبر منهم عمراً. هناك أخطاء في صناعة الجرعات. هناك فروق في إعطاء المتطوعين اللقاح المزيف الـ (placebo)، وفي بريطانيا أعطوا لقاح التهاب أغشية الدماغ، وفي البرازيل أعطوا محلول ملحي. وقد حاولت إحدى الأكاديميات شرح ما حصل بأنه قد يكون ناجماً عن تحفيز جهاز المناعة بعد إعطاء نصف الجرعة. بالطبع هذا تحليل لا أساس علمي له. لاحظوا أن أحد المتطوعين تم اخباره في شهر تموز بأن هناك بعض الأخطاء في إعطاء اللقاح. لماذا السكوت على ذلك طيلة هذه الفترة؟! في النهاية سلم القائمون على التجربة بأنهم لا يعرفون ما حصل وبحاجة للقيام بتجارب جديدة. والشئ الأخطر؛ هو ما قارن به أحدهم بالأسلوب الإنجليزي المؤدب المعهود قائلاً إن تجارب لقاح فايزر وموديرنا هي تجارب تسير للأمام على خطى الطريقة، يقصد أن التجربة الفردية (Single Trial) المعروفة علمياً هي أقل اعتماداً من التجارب المزدوجة (Double Trial) لأنها عرضة للإنحياز (Bias)، يعني باللغة الشعبية محفوفة بمخاطر المخاوزة بأرقام يريد أن يسمعها القلقون على الاقتصاد، أصحاب رأس المال.
والآن، وبعد هذا العرض، سأسرد لكم إيجابيات وسلبيات تقنيات لقاحات كورونا المختلفة، والتي تتسابق الدول الآن بطرحها في الأسواق. فهناك حوالي 180 لقاحاً ضد عدوى فيروس كورونا، يتم تطويرها حول العالم؛ العديد منها يختلف عن الآخر في النهج الذي يسلكه من أجل تحقيق هدف تحفيز جهاز المناعة لدى الفرد للتعرف على الفيروس ومكافحته. بعض هذه المناهج تم استخدامها في السابق وبعضها لم يتم استخدامها في تاريخ إيجاد أي لقاح للبشر. كما أن لكل منها تقنية ذات مزايا وذات عيوب:
لقاحات الحمض النووي (DNA/RNA)
مثل لقاح شركة بايونتيك الذي اشتهر هذه الأيام بلقاح فايزر، ولقاح موديرنا والتي تسستخدم لقاحات الحمض النووي جزيئات من صفات الفيروس الوراثية (الإنتجين) المصنعة في المختبر، وبعد حقن اللقاح يقوم الجسم باستغلال التعليمات الموجودة في الحمض النووي لعمل نسخ من انتيجين الفيروس. ويتعرف الجسم على هذا الإنتجين ويقوم باستجابة مناعية تكون جاهزة لحماية الشخص في المرة القادمة التي يواجه فيها الفيروس.
الإيجابيات:
يمكن تصميم هذه اللقاحات بسرعة بناءً على التسلسل الجيني وحده، ما يعني أنه يمكن إنتاجها بسعر رخيص.
لا يسبب هذا النوع من اللقاحات الإصابة بعدوى كورونا.
تعتبر اللقاحات القائمة على الحمض النووي أملاً منشوداً نظراً لإمكانية تصنيعها بتكلفة منخفضة وملامح سلامة جيدة في الدراسات على (الحيوانات). ومع ذلك، فإن اللقاحات القائمة على الحمض النووي لديها مجموعة من التحديات الخاصة بها.
السلبيات: يمكن أن يعاني كلا اللقاحين من عيب انخفاض المناعة، حيث يساور العلماء قلق أن تندمج لقاحات الحمض النووي في الجينوم البشري، في حين أنه لا توجد لقاحات DNA / RNA معتمدة للاستخدام الطبي في البشر. لذلك من المحتمل أن تواجه عقبات كبيرة قبل الموافقة على استخدامها نظراً لأنها تستخدم فقط جزءاً من الفيروس، فقد تؤدي إلى استجابة مناعية وقائية ضعيفة، مما يعني أنه قد تكون هناك حاجة إلى إعادة اللقاح مرات متعددة.
والجينوم هو مجموعة من الأحماض النووية التي تشكل الكرموزومات التي تحمل الموروثات المسئولة عن توريثنا كل صفاتنا الجسدية والجنسية. وهذه الاحتمالية يرفضها مصنعو اللقاح، قائلين أن الـ RNA للقاح لا يتكاثر، ولن يؤثر على الـ DNA للفرد. لكن لا زال هناك العديد من الخبراء يرفضون هذه التطمينات النظرية. في حين أن السرعة التي يمكن بها تصميم هذه اللقاحات، والتي لا تتطلب سوى التسلسل الجيني للفيروس، الذي زودت به الصين كل دول العالم، هي السبب في أن هذه اللقاحات كانت من بين أول اللقاحات التي دخلت التجارب السريرية والتي لم تكتمل بعد، إذ تم تطوير لقاح الحمض النووي (mRNA)، وبدأ الاختبار السريري عليه بعد شهرين فقط من اكتشاف الفيروس. ومع ذلك، فإن كل اللقاحات القائمة على الحمض النووي، لديها مجموعة من التحديات الخاصة بها كما أسلفت أعلاه. ومن المؤكد تقريباً أن تقدمها خلال عملية الترخيص، سيستغرق وقتاً أطول بكثير من تقنيات اللقاحات التقليدية.
(Virus Vector) مثل لقاح أكسفورد
تعني أن اللقاحات التي يستعمل فيها الفيروس الميت أو المضعّف. وتستخدم هذه اللقاحات فيروساً غالباً ما يكون ضعيفاً وغير قادر على التسبب بالمرض نفسه، لإيصال انتجين الفيروس إلى الجسم. إن قدرة الفيروس على إصابة الخلايا، والتعبير عن كمية كبيرة من الانتيجين، وبالتالي تنشيط الجهاز المناعي للاستجابة، ينتج عنها مناعة قوية، تجعل هذه اللقاحات من اللقاحات المفضلة. من الأمثلة على استعمال هذه الفيروسات، اللقاح المستخدم ضد الجدري، وفيروس الرشح.
الإيجابيات: تعطي مناعة عالية النوعية، وغالباً ما تكون جرعة واحدة كافية لتحفيز الحماية طويلة الأمد.
السلبيات: قد يكون لدى الأشخاص وقت إعطاء اللقاح درجة من الحماية المناعية لهذا الفيروس، مما يقلل من فعالية اللقاح. وبمعنى آخر، يثير الجسم استجابة مناعية للفيروس الناقل بدلاً من انتجين الفيروس، وهذا يعني، الإنتاج المنخفض النطاق لبعض اللقاحات المنقولة بالفيروس وأنها أقل فعالية من حيث التكلفة.
أحد الأمثلة البارزة هو لقاح جامعة أكسفورد / أسترازينيكا AZD1222 (المعروف سابقاً باسم ChAdOx1)، وهو اللقاح الذي ضجت وسائل الإعلام بالحديث عنه. وفي انتظار استخدامه في حالة نجاح المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، والذي يعتد على فيروس شمبانزي معدل، ولكنه لم يثبت نجاحه بالكامل بعد. وأعلنت الشركة المصنعة يوم الخميس 26.11.2020 أنها بحاجة لإجراء المزيد من التجارب.
اللقاحات الغير نشطة (Inactivated)
وهي طريقة مجربة وموثوق بها للتطعيم، وهي التقنية المستخدمة في لقاح فيروس شلل الأطفال وفي بعض أنواع لقاحات الإنفلونزا. وتحتوي اللقاحات المعطلة على فيروسات تمت معالجتها بالحرارة أو المواد الكيميائية أو الإشعاع بحيث لا يمكنها التكاثر، ولكن لا يزال بإمكانها تحفيز استجابة مناعية.
الإيجابيات: تقنية معروفة، تعتبر آمنة بشكل عام، ويمكن استخدامها للأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة.
السلبيات: مناعة منخفضة، لذلك يتطلب لقاحات متعددة.
اللقاحات الحية الموهنة (Live Attenuated Vaccine)
اللقاحات الحية الموهنة هي من بين أنجح اللقاحات الموجودة، والمستخدمة بالفعل للوقاية من الحصبة وشلل الأطفال. هذه تحتوي على فيروس ضعيف في المختبر. ولا يزال الفيروس قابلاً للحياة، ولكنه لا يمكن أن يسبب المرض. بعد التطعيم، تنمو الفيروسات الموجودة في هذه اللقاحات وتتضاعف، مما يحفز استجابة مناعية ممتازة.
الإيجابيات:
حماية قوية، لأن اللقاح يحاكي عملية العدوى الطبيعية.
فعالة من حيث التكلفة للتصنيع على نطاق واسع.
لقاح واحد دون الحاجة إلى جزيئات إضافية (مواد مساعدة) لتحفيز جهاز المناعة.
السلبيات
احتمال نادر جداً للعودة إلى حالة مسببة للمرض.
استخدام محدود في الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، بسبب مخاوف السلامة المحتملة.
قد يتطلب تخزيناً في أماكن مبردة ، مما قد يحد من إمكانية التوزيع.
يخضع العديد من لقاح COVID-19 الموهن الحي حالياً للتجارب قبل السريرية.
اللقاح البروتيني (Protein Subunit)
لا تحتوي اللقاحات البروتينية على مكونات حية للفيروس، ولكنها مصنوعة من قطع نقية منه، مشتقات بروتينية، التي تثير استجابة مناعية. مرة أخرى، هذه تقنية موجودة، وتُستخدم على سبيل المثال في لقاحات التهاب الكبد B.
الايجابيات:
مع عدم وجود مكونات حية، يدفع للاعتقاد عموماً أنها اللقاحات الوحيدة الآمنة.
يمكن استخدامها في الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة وغيرهم من الفئات الضعيفة من السكان.
السلبيات:
يجب فحص وإيجاد البروتين في الفيروس الذي سيسبب استجابة مناعية.
يمكن أن يحفز استجابة مناعية غير كافية مما يعني أن الحماية من المحتمل أن تتطلب لقاحات متعددة.
لن تنجح جميع اللقاحات التي يتم تطويرها حالياً للوقاية من COVID-19 لأن قضايا السلامة أو نقص الفعالية، ستوقف التقدم في إجراء التجارب.
لذا، فإن مجموعة واسعة من أساليب وتقنيات اللقاحات تتقدم من خلال التجارب البشرية لأمر مطمئن. وفي النهاية، من المحتمل أننا سنحتاج إلى العديد من لقاحات COVID-19 لتوفير حماية واسعة النطاق. ستضمن تركيبات اللقاحات المختلفة، والوصول إلى تطعيم آمن وفعال لجميع أفراد المجتمع، بما في ذلك الرضع وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة.
أخيراً، أتمنى على المسئولين وضع هذه الدراسة قيد الاعتبار عند الشر