الكاتب: داوود كتاب
فوجئ المقدسيون، الأسبوع الماضي، بقرار المحكمة الإسرائيلية إجبار وزارة الداخلية على إعلان البند الـ 4 من قانون الجنسية الإسرائيلي، الذي يخص الشبان المقدسيين من عمر 19-21 عاماً، وذلك بعد أن رفع شاب مقدسي دعوة قضائية بسبب تباطؤ وزارة الداخلية الإسرائيلية في الرد على طلبه الحصول على الجنسية الإسرائيلية.
على الرغم من أن عدد المقدسيين العرب الذين يطالبون بجنسية إسرائيلية قليل جداً، إلا أن القضية لفتت الأنظار، لكونها المرة الأولى التي تقرّ فيها محكمة إسرائيلية حقيقة عدم أحقية وزير الداخلية الإسرائيلية والدوائر التابعة له في التدخل في حق الحصول على الجنسية، لمنع الشباب الذين وُلدوا في القدس، ولم يتركوا المدنية المقدسة آخر خمس سنوات، ولا توجد لديهم أي جنسية أخرى.
بدأت مشكلة المقدسيين الفلسطينيين الـ330 ألفاً يوم الاحتلال الإسرائيلي في يونيو/ حزيران عام 1967، وتبعه في الشهر نفسه قرار ضمّ القدس الشرقية المحتلة، وسريان القانون الإسرائيلي على القدس وسكانها، الأمر الذي وفّر للمقدسيين إقامة دائمة في القدس، والحق في الحصول على جنسيةٍ، ولكنه لم يكن حقاً أوتوماتيكياً. تعقّد الأمر عندما قرّر الأردن، عام 1988، فكّ الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية (كانت جزءاً من المملكة الأردنية قبل الاحتلال)، الأمر الذي حرم الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية الجنسيةَ الأردنية. وقد عولجَت مشكلة الجنسية وجواز السفر جزئياً للفلسطينين (غير المقدسيين) مع دخول اتفاق أوسلو حيّز التنفيذ، بصدور أرقام وطنية فلسطينية وهويات وجوازات سفر فلسطينية، إلا أنه، بسبب تأجيل حلّ خمس قضايا، ومنها القدس، إلى المرحلة الانتقالية (كان من المفروض ألا تستمر أكثر من خمس سنوات)، بقي موضوع المقدسيين غامضاً.
والآن، مع مرور ربع قرن على تلك المرحلة الانتقالية، بقي المقدسيون كأيتام سياسيين لا جنسية لهم، ويتنقلون إما بجواز سفر أردني مؤقت أو بوثيقة إسرائيلية مدوّن عليها أن جنسية حاملها أردنية. ولم تعالج اتفاقية السلام الأردني الإسرائيلي الموضوع، على الرغم من وجود بند فيها يعطي للأردن دوراً في تحديد مستقبل الأماكن الإسلامية في القدس. ويبدو أن المسؤولين في إسرائيل استوعبوا أنه، بعد قرار فك الارتباط، فإن من وُلد في القدس سيكون بلا جنسية، ولذلك أقرت حكومة الاحتلال قانوناً يسمح بالتجنّس، ولكنها أبقت الشروط مخفية، الأمر الذي وفّر للجهاز الإداري الإسرائيلي إمكانية رفض طلبات التجنس أو تأخيرها، من دون إبداء السبب، حيث يسمح القانون الإسرائيلي لوزير الداخلية بذلك. وقد انكشف الأمر الأسبوع الماضي، عندما أمر قاضي محكمة صلح القدس وزارة الداخلية الإسرائيلية بنشر البند الـ 4 من القانون، الذي يشمل شروط التقدّم للجنسية للمقدسيين من عمر 19-21، ولا تشمل تلك الشروط حق وزير الداخلية بتعطيل الأمر، ما يعني أنه يحق لعشرين ألف فلسطيني مقدسي التقدّم بطلب الجنسية، وإذا اكتملت لهم الشروط، فستكون إسرائيل مجبرةً على تقديم الجنسية لهم.
موضوع تجنيس المقدسيين في غاية الحساسية، لما قد يعنيه، من قبيل تقوية ادعاء إسرائيل أحقيتها في الاحتفاظ بالقسم الشرقي للمدينة المحتلة، إلا أن هناك من يقول غير ذلك، خصوصاً أن المقاطعة الفلسطينية لعملية التجنيس والانتخابات البلدية خمسة عقود أثبتت عكس ذلك. وحيث إن المقدسيين يدفعون الضرائب الباهظة، ثمة من يقول إن عملية الجنسية لا تغير أمراً، ولكنها قد تساعد الشباب وتحميهم من خطورة سحب الهوية، الأمر الذي أفقد 17 ألف فلسطيني مقدسي حقوقهم في مسقط رأسهم. ويقول آخرون إن النواب العرب في الكنيست أثبتوا وطنيتهم، على الرغم من حصولهم على الجنسية الإسرائيلية التي فرضت عليهم عندما أقيمت دولة إسرائيل.
هل الحصول على جنسية إسرائيلية خيانة أم ضرورة حياتية لتوفير حرية التنقل والحماية من سحب الإقامة والقدرة على التقدّم لوظائف مختلفة لا يحق للمقدسي غير المجنس التقدم إليها؟ من الصعب لأيٍّ كان المزايدة على المقدسيين الذين صمدوا خمسين عاماً أمام بطش الاحتلال، ويثبتون كل يوم وطنيتهم وتمسّكهم بالأرض والمقدسات والهوية، فيما ينساهم العرب والعالم، ولا توجد أي محاولة جادة لحل مشكلاتهم اليومية من التعليم والمسكن والعمل والتطور المجتمعي. نسبة الذين حصلوا على الجنسية الإسرائيلية لا تتجاوز أصابع اليد، وليس متوقعاً أن يغير القرار الصادر أخيراً ذلك كثيراً، ولكن من المهم التفكير استراتيجياً في مستقبل بيت المقدس وأهلها. هل هناك استراتيجية وطنية متفق عليها، وهل هناك آلية لمعرفة ماذا يريد المقدسيون ومن هم الذين سيمثلون المقدسيين في غياب أبسط الحقوق السياسية للمقدسيين في اختيار قادتهم المحليين؟