الكاتب: رمزي عودة
لم يكن مفاجئا أن تتصدر مقال دانيال كيرتزر وآرون ديفيد ميللر الموقع الإفتراضي لمعهد كارنيجي في الولايات المتحدة هذا الأسبوع، والكاتبان باحثان كبيران في المعهد، ولهما خبرة دبلوماسية رفيعة في منطقة الشرق الأوسط. وتدعو المقال المعنونة ب " تعددية الأطراف والسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط" إدارة بايدن الجديدة الى اتخاذ سياسات معاكسة، بل ومتناقضة، لسياسات ترامب التي أخفقت في تغيير الشرق الأوسط على حد تعبير المقال. ويعتبر الكاتبان بأن قدرة الولايات المتحدة منفردة على الحفاظ على مصالحها الحيوية والأمنية في منطقة معقدة مثل منطقة الشرق الأوسط محدودة جدا. وأنه تبعا لذلك، فان على إدارة بايدن أن تستخدم السياسات متعددة الأطراف لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط. وتقوم هذه السياسات أساسا على تجميع الدول الرئيسة في المنطقة وإقناعها بضرورة العمل المشترك من أجل تجاوز العقبات التي تعترض مصالحها. ووفقا لهذه الرؤية، ينحصر دور الولايات المتحدة بتشجيع التفاوض المتعدد وتوجيه هذا الحوار من أجل حل مشاكل الشرق الاوسط. وحسب المقال، فإن هذه السياسة المتعددة لا يمكن لها أن تجح دون إشراك روسيا وأوروبا ودول الشرق الأوسط الأساسية بما فيها إسرائيل والدول العربية. واللافت في هذه الإستراتيجية القديمة الجديدة هي إفتراضها بعدم جدوى فرض الحلول المؤقتة والسريعة على الأطراف، كما أنها إستراتيجية مرنة وتفترض قبول الأطراف والتفاوض الجمعي بدون شروط أو قيود، وانما بتوجيه من الإدارة الأمريكية وبتعاون مع القوى الكبرى.
وفي الواقع، فإن هذه السياسة الأمريكية التي تم تضمينها في المقال لا تختلف كثيرا عن مبادرة القيادة الفلسطينية التي أطلقها الرئيس محمود عباس منذ أكثر من عامين. وتتضمن المبادرة الدعوة الى عقد مؤتمر دولي لحل مشكلة القضية الفلسطينية دون إنفراد في الرعاية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وبمشاركة القوى الكبرى دوليا وإقليميا. ولأول مرة أستشعر من قراءة هذه المقال بأن هنالك تأييد صريح أمريكي لمبادرة القيادة الفلسطينية عن المؤتمر الدولي، وذلك اعتبارا لأهمية الكاتبان سياسيا وعلميا، ولأهمية معهد كارنيجي في رسم السياسة الخارجية الأمريكية؛ لاسيما للإدارات الديمقراطية. والفكرة من هذه المقال ليست دعما لمبادرة القيادة الفلسطينية بقدر ما هي وصفة مرنة وأقل كلفة لتحقيق والحفاظ على المصالح الحيوية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. كما أنها دعوة صريحة الى أهمية ترميم العلاقات الأمريكية العربية في منطقة لم تفلح إدارة ترامب السابقة في علاج مشاكلها المستعصية مثل الازمة الفلسطينية واليمن وسوريا وليبيا وغيرها. وفي السياق، فإن الحجج التي تضمنها المقال لتبرير دعوته ترتبط أساسا بأهمية السياسات تعددية الأطراف في تقليل التوترات الثنائية والإقليمية، كما أنها ترتبط بخبرة الولايات المتحدة في إدارة مثل هذه السياسات في السابق؛ سواء في أوروبا أو في منطقة الشرق الأوسط كما حدث سابقا في مؤتمر مدريد، اضافة الى ذلك، فان مثل هذه السياسات المتعددة الأطراف تكون أقل تكلفة في فترة ستركز فيها إدارة بادين الجديدة على ترشيد النفقات والتركيز على التعافي من الآثار الكارثية لإنتشار جائحة كورونا على الإقتصاد الأمريكي. وأخيرا، فإن قضايا الأمن والتعاون البيئي والطاقة والتكنولوجيا كلها قضايا أقرب الى المفاوضات متعددة الأطراف وليس الى المفاوضات الثنائية.
من الصعب التكهن بالنهج الذي ستستخدمه إدارة بايدن في إدارة مفاوضات الشرق الأوسط، ولكن يبدو أنها تتجه الى المفاوضات التعددية، حيث تتشابك مصالح الدول الإقليمية وتتعارض في نفس الوقت في مساحات متباينة المستويات من النزاع كفلسطين وسوريا والعراق، كما أنه لا يمكن تغييب الدور الروسي عن أي حل في المنطقة، فروسيا دولة كبرى لها مصالح مهمة في إيران وسوريا لايمكن تجاهلها. إضافة الى ذلك، فإن حل الأزمات في سوريا واليمن وفلسطين لا يمكن أن يتجاوز الدور الإيراني في المنطقة. وبالمحصلة، فإن على إدارة بادين أن تستمع باهتمام الى نصيحة كيرتزر و ميللر بأنها لوحدها لا يمكن أن تعيد المنطقة الى حالة الإستقرار، فعليها إذن أن تتتعاون مع الجميع.
وفي السياق ذاته، فإن على القيادة الفلسطينية أن تعزز النهج التعددي للسياسة الأمريكية المرتقبة في المنطقة وذلك لعدة أسباب أهمها؛ تخفيف الضغوط الأمريكية عليها، وتعزيز المحاور العربية الموالية للفلسطينيين، وتضييق الخناق على الحكومة الاسرائيلية اليمينية في أي عملية تفاوضية مقبلة. ويبدو أن فريق إدارة بايدن "الأوبامي النزعة" والذي له خبرة طويلة في التعامل مع دهاء رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وتنكره للسلام، سيكون أكثر إستعدادا من أي وقت مضى في هذا الظرف ليس فقط لادارة عملية تعددية للسلام، وإنما أيضا لممارسة الضغوط على إسرائيل من أجل تنحية نتنياهو أو على الأقل إسقاط الشرعية الأمريكية لحكومته، باعتباره لم يكن سابقا ولن يكون شريكا نزيها للسلام.