الجمعة: 24/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

من المفيد المعرفة أن هناك فرقاً كبيراً بين كلمتي "الغيث" و "المطر"

نشر بتاريخ: 19/12/2020 ( آخر تحديث: 19/12/2020 الساعة: 13:58 )

الكاتب: ناصر دمج

ثمة فرق كبير بين كلمتي الغيث والمطر، والهدف من إنزالهما على الناس، فلا يمكن اعتبار كل مطر مفيد أو فيه الخير للناس، وذلك بعكس الغيث، لهذا عندما ينقطع ما السماء فالناس تخرج لطلب الغيث وليس المطر.

لكن استخدام الكلمتين، وفي كثير من الأحيان الواحدة مكان الأخرى، فإنه يرقى لمستوى الخطأ الشائع، ما يوجب تصويبه وهذه المقالة تهدف الإسهام في هذا الجهد لأهميته الفقهية والمعرفية والثقافية.

فكثيراً ما تستخدم كلمة الغيث كرديف لكلمة المطر، وإنّ معنى كلمة المطر هو ذاته معنى كلمة الغيث، ما ينفي المعنى الأصلي للجملة التي اسُتخدمت فيها كلمة الغيث أو المطر، حيث إن لكل منهما دلالاتها ومعناها وتوصيفها الخاص بها، وهو ما لا يمكن إغفاله خلال عملية الكتابة.

فكلمة "الغيْث" التي وردت في القرآن الكريم ثلاث مرات فقط، يقصد بها حلول الفرج محل الضيق واليسر محل العسر؛ بدلالة قوله تعالي: "وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وينشر رحمته" [الشورى:28]، وتفسير الآية إنه ينزل الغيث: أي يُنزل الماء من السماء من بعد ما قنطوا، أي من بعد طول انتظار وصل مشارف اليأس.

فكلمة "الغيث" في القرآن لا تذكر إلا في مواطن الرحمة والنعمة، ويأتي ذلك مقرونًا بالخير الوفير، بدلالة قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ" [لقمان: 34]، "ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ" [يوسف: 49].

أما كلمة "مطر" التي ورد ذكرها عشر مرات في القرآن، فيقصد بها دوماً استخدام الماء كوسيلة من وسائل العذاب وإيقاع الجزاء بمن يستحقونه من البشر، بدلالة ما قصده المولى عز وجل في الآيات التي ورد فيها ذكر المطر، وهي:

1- وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ [٨٤ الأعراف]

2- وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ [٨٢ هود]

3- وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [٧٤ الحجر]

4- وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ [١٧٣ الشعراء]

5- وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ [٥٨ النمل]

6- وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ [١٠٢ النساء]

7- فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ [٣٢ الأنفال]

8- وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ [٤٠ الفرقان]

9- فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [٢٤ الأحقاف]

10- وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ [النساء:102]

استنتاج

يستنتج من هذا العرض، بأن الهدف الرئيس من إرسال المطر هو محاسبة من يجب محاسبتهم من بين الناس وإلحاق الأذى بهم، ولا خير في ذلك إلا ما قدره الله، كما كان عليه الحال مع قوم نوح، بدلالة قوله تعالى : "وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ" [٨٤ الأعراف]

بينما سنجد أن الغاية من إنزال الغيث هو إنقاذ الناس من الموت وإغاثتهم، والغيث هو نفسه الماء الموجود في المطر لكن الغاية من إنزاله، استدراك العباد بالرحمة، والرحمه تعني هنا إمداد الإنسان والحيوان والنبات والجماد، وإمداد باطن الأرض بالمياه العذبة الصالحة للشرب والري والتخزين، لأن الحياة البشرية معتمدة اعتماد كلي على المياه لقوله تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ" [30 الأنبياء]، لمساهمته الفاصلة في ديمومة الزراعة والصناعة والنظافة والصحّة العامّة وتوليد الطاقة الكهربائيّة في العديد من البلدان.

المعنى اللُغَويّ للكلمتين

يُعرّف المطر لغوياً بأنّه:

الماء النازل من السحاب وجمعه أمطار، والمطر يأتي بالخير والنفع أو بالضرر في وقته أو غير وقته.

أمّا معنى الغَيْث لُغوياً فهو:

المطر الغزير الذي يأتي بالخير، ويُغيث من الجدب وجمعه غُيُوث وأغْياث، ويُطلق اسم الغيث مجازاً على السَّماء والسَّحاب والكلأ بعض علماء اللغة العربية كابن منظور في كتابه "لسان العرب" يؤكد على أنّه لا يوجد فرق دلالي بين الغيث والمطر، بينّما أكّد الثعالبي أنّ لفظ المطر لم يَردْ في القرآن الكريم إلا بدلالة العذاب.

أمّا الزمخشري فقال: في هذه النقطة أنّ لفظ مطَرت تأتي بالخير أو مع فعل ودلالة الخير، فنقول مطَرت بالخير في حين أنّ كلمة أمطرت تُصاحب الشر والعذاب فنقول أمطرت بالعذاب؛ فيما جاء في فتح الباري لابن حجر: "مطرت السماء وأمطرت، يُقال: مطرت في الرحمة، وأمطرت في العذاب".

وقال: ابن عينية "ما سمّى الله مطراً في القرآن إلا عذاباً أي ما أورد لفظ المطر في القرآن إلا على العذاب، ويقول بعض العلماء وأصحاب الاجتهاد أنّ الفرق بين الغيث والمطر يأتي بسبب النزول، فيأتي الغيث من وراء حاجة؛ لأنّه يغوث ويُنجد الناس من المحل، والمرض، والهلاك، فيما يأتي المطر على غير حاجة.

وإلى ذلك ذهب "ابن سرين" في تأويله لرؤية المطر في المنام، حيث قال: "رؤية المطر بشكل عام يدل على رحمة الله تعالى ودنو فرجه وعونه، وربما دل على العلل والأسقام كالجدري والأمراض الأخرى إن كان في غير وقته من منتصف الصيف مثلا، وفي حين ضرره لبرده وكانت قطراته حسنة، وكذلك وكل ما أضر المطر بالأرض ونباتها منه فهو ضار للأجسام الذين أيضاً خلقوا من طين هذه الأرض ونبتوا فيها، وربما دل على ما نزل السلطان من البلاء والعذاب مثل المغارم والأوامر خصوصا إن كان المطر بالحيات أو الثعابين وغير ذلك من أدلة العذاب، وربما دلت على الأدواء والعقلة والمنع والعطلة للمسافرين بعيدا والصناع من أصحاب الحرف والتجارة وكل من يعمل عملاً تحت الهواء المكشوف لقوله تعالى: "ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذاباً مهينا".