الجمعة: 24/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

أجوبة في ذرائع التطبيع.. "اسرائيل" حاجة للأنظمة لا الشعوب

نشر بتاريخ: 19/12/2020 ( آخر تحديث: 19/12/2020 الساعة: 16:18 )

الكاتب: الدكتور عماد البشتاوي

يبدو ان السلطة الوطنية الفلسطينية ليست في أحسن حالاتها في هذه الأيام , و هي ترقب و تراقب انفراط العقد العربي من حولها , و تنهمر صوبها التساؤلات من كل الاتجاهات لاستكشاف موقفها و رد فعلها تجاه كل ما يجري و سيجري في قادم الأيام . و سنحاول أن نقرأ ذلك موضوعياً و ذاتياً .

فمن الجانب العربي, نجد أننا الآن أمام دول عربية مطبعة أو مباركة أو منتظرة للتطبيع باستثناء قلة قليلة , إذن نحن الآن أمام زحف تطبيعي عربي غير مبرر و لا بأي شكل من الأشكال, لا من حيث الطبيعة و لا من حيث التوقيت , فمن ناحية لم تستطع هذه الدول أن تقنع أو على الأقل أن تستفتي شعوبها أو تستطلع آراءهم حول ذلك , و بما أن التطبيع – كما أشارت الدول المطبعة هو في مصلحة شعوبها لماذا لم تقم باستشارتهم واستفتائهم ؟

كيف ستنجح هذه الأنظمة في إقناع شعوبها أن التطبيع مصلحة اقتصادية فيما اقتصاديات هذه الدول أكبر و أعظم من الاقتصاد الإسرائيلي ؟ و إذا كانت هناك حاجة للاستفادة من خبرات "إسرائيل" المتقدمة تكنولوجياً , فهناك عشرات الدول الأوربية و الآسيوية الأكثر تقدماً من "إسرائيل" فلماذا لا تلجأ إليها و الاستفادة من خبراتها ؟ إن لم نقل بناء تجارب على غرارها أو جديدة كلياً ,لاسيما أن هذه الدول تملك من الإمكانيات ما يؤهلها لذلك. و هذا ليس بالأمر الصعب إن ملكت هذه الدول الرغبة والقدرة على ذلك , إذا كان قرارها السياسي و السيادي مستقلاً .

ومن ناحية أخرى , ادعت الدول المطبعة و المتجهة نحو التطبيع أن التحالف مع "إسرائيل" هو ضرورة وجودية لدول المنطقة و شعوبها , و أنا أقول أنها ضرورة لهذه الأنظمة , فقط من باب شعورها أن هذه الاتفاقيات ستطيل عمرها . ومن المؤكد ان هذه الأنظمة ستدفع الثمن عاجلاً أم اجلاً , ف "إسرائيل" و الولايات المتحدة ضربت لنا عشرات الأمثلة في تخليها عن حلفائها "الافتراضيين" لأنها تنظر لهم كأدوات و ليس كحلفاء , و حتى الحلفاء فان علاقتهم تزول بزوال المصلحة فما بالنا بالأدوات و التابعين و تابعي التابعين .

إن الذريعة المتداولة للهرولة باتجاه التطبيع هي المخاوف الأمنية , و السؤال هو مم ستحميكم "إسرائيل" ؟ و ممن ؟ والسؤال الأكثر أهمية, ما الثمن ؟ ستكون إجابتهم إننا أمام خطر إيراني محدق وجودياً في الخليج العربي و في الدول العربية . وهل ستكون مجابهة "الخطر" الإيراني بالتحالف مع "إسرائيل" التي بدورها تبحث عن حماية نفسها من خلال التحالف مع الولايات المتحدة ؟ هل إيران هي الخطر المهدد للأمن الإقليمي العربي ؟ فماذا نسمي إذن السطوة الإثيوبية في منطقة النيل و البحر الأحمر؟ و ماذا نسمي التمدد التركي في المنطقة العربية – بشكل مباشر أو غير مباشر - من شمال العراق و سوريا و ليبيا و صولاً إلى قطر؟ لماذا تغيب تركيا كلياً عن الإعلام الإسرائيلي كخطر ولا تدرج كعدو ل "إسرائيل "؟

و فيما يتعلق بالسلطة الوطنية الفلسطينية, نرى أن اتفاقية "أوسلو" أوجدت الذريعة و الحجة للدول المتلهفة أصلاً للتطبيع, لأن غالبية هذه الدول كانت تربطها بإسرائيل علاقات سرية , و مصالح متبادلة , فجاءتها "أوسلو" كهدية منتظرة من السماء . كما يجب ألا يغيب عن بالنا أيضاً أن مصر أقامت علاقات مع "إسرائيل" قبل اتفاقية "أوسلو" , أسفرت عن قطع علاقات الدول العربية بها , و إخراج جامعة الدول العربية من مصر و إخراج مصر منها .

و لكن المفاجأة كانت عودة العرب إلى مصر بعد اغتيال السادات , أي بضع سنين بعد اتفاقية كامب ديفيد , و كأن مشكلتنا كانت مع السادات شخصياً و ليس مع الاتفاقية والسياسة التي اتبعها و التي سار عليه خلفه حسني مبارك , و لم يعاقب بل أوكلت له الصدارة و تزعم المشهد العربي .

و بالنسبة لموقف السلطة الفلسطينية بشأن موجة التطبيع العربي الجديدة , فمن الملاحظ أولاً أن وتيرة الاعتراض و الانتقاد تجاه الدول المطبعة بدأت حادة جداً ثم خفت وتيرتها وصولاً إلى حالة اللامبالاة أو التعامل مع ما يجري كأن شيئاً لم يكن .

لن نحمل السلطة الفلسطينية أكثر من طاقتها , ولكن من حقنا أن نتساءل كيف ستتعاطى مع هذه الموجة الجارفة من التطبيع العربي , هل بالإمكان توظيف ما يجري لصالحها و لصالح الشعب الفلسطيني ؟ ستكون الإجابة قطعاً لا , و يمكننا استقراء و استشراف ذلك من خلال قراءتنا لسلوك الدول المطبعة و كذلك من خلال ردة الفعل الفلسطينية , فإذا كان قطع العلاقات مع هذه الدول متفهماً , فمن الصعوبة بمكان فهم و تفهم عودة و إعادة العلاقات معها وبهذه السرعة .

لا يمكن تفسير ذلك إلا ضمن سياسة ارتجالية انفعالية غير مؤسساتية , ولو كان الأمر عكس ذلك لشهدنا حراكاً و تحركاً فلسطينياً داخلياً و خارجياً منذ أشهر طويلة لاحتواء ما قد يجري , لاسيما منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض, و رغبته الجامحة بجر الدول العربية إلى التطبيع .

وعليه فان المستقبل الفلسطيني - و لا أقول السلطة الفلسطينية – أمام خيارين لا ثالث لهما , إما إعادة ترتيب البيت الداخلي و بناء استراتيجية حقيقية للبناء و المقاومة من خلال تقديم تنازلات داخلية بين التنظيمات و الفصائل الفلسطينية , أو بقاء الوضع على ما هو عليه و بالتالي سنجد أنفسنا مضطرين لتقديم تنازلات خارجية .

* أستاذ العلوم السياسية/ جامعة الخليل-فلسطين