الجمعة: 24/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

التحصين المجتمعي بين الخطاب والدور

نشر بتاريخ: 26/12/2020 ( آخر تحديث: 26/12/2020 الساعة: 16:50 )

الكاتب: د. محمود عبد المجيد عساف

أظهرت العديد من الدراسات الإحصائية والاستدلالية التي قامت بها منظمة الأمم المتحدة حول التغيرات التي طرأت على الظواهر الإجرامية تصاعداً غير مسبوق في أسباب ومعدلات الجريمة، وتنوع أنواعها وأساليبها حيث ارتفعت نسبتها في مختلف مناطق العالم بمتوسط يصل إلى 5% كل عام، وهذا المتوسط يفوق الزيادة التي يمكن إرجاعها إلى النمو السكاني. فقد ساهمت العديد من العوامل السياسية والتكنولوجية والاقتصادية في ابتداع أساليب غير مألوفة للمتربصين بالمجتمع والنيل من قيمه ومقومات تماسه، وبصورة تفوق إمكانات الأجهزة الأمنية، الأمر الذي يحتم ضرورة وجود حلول بديلة ومساندة للحفاظ على النسيج المجتمعي، وإحقاق الحق، وحفظ النفس والمال، والمساهمة في التنمية وتعزيز مقومات الأمن القومي.

إن التحول الواضح الذي طرأ على أساليب الجريمة والانحراف سواء على المستوى الدولي أو المحلي دفع إلى ضرورة التفكير في أساليب جديدة تشرك الناس في إرساء دعائم الأمن، والضبط الاجتماعي، خاصة بعدما أثبت الواقع الأمني المحلي، ومحاولات النيل من مقومات الجبهة الداخلية، أن قضايا الأمن الشامل لم تعد مسؤولية الأجهزة الأمنية الحكومية أو التقليدية وحدها. وعليه، كان تحصين المجتمع قوة ضابطة لسلوك الأفراد، وهو عملية تهدف في النهاية إلى تحقيق تكيف الفرد مع بيئته الاجتماعية، وعدم الخروج عن المعايير والقيم السائدة، وخدمة الدين والوطن استناداً إلىالوازع الديني والوطني.

وبذلك فرضت خصوصية المجتمع الفلسطيني جهوداً تختلف عن أي مجتمع آخر للحفاظ على النسيج الاجتماعي والجبهة الداخلية فلا يخفى على أحد حجم انعكاسات الحصار، ومستوى الاستهداف الأمني للاحتلال للنيل من مصادر الصمود الشعبي، والذي لم يأل جهدا في سبيل زعزعة اللحمة الداخلية من خلال أساليب الاسقاط والفساد الأخلاقي، والترغيب بالمال والعمل والعلاج، علاوة على الإسقاط عن طريق الجنس، وإسقاط الفتيات عبر سرقة صورهن من أجهزة الحاسوب، إضافة إلى تجنيد أصحاب السوءلتشويه هوية الشخصيات الوطنية والثقافية (الاغتيال المعنوي)،والتي ساعد على انتشارها الاستخدام غير الواعي واللامسؤول لمواقع التواصل الاجتماعي، والأجهزة الخلوية.

وعليه، كان من الضروري لأي عملية تحصين مجتمعي ضد الجريمة أو التخابر أن تنطق من المرجعية الشرعية بما يتضمنه من قواعد ومبادئ أخلاقية ومثالية سامية، ومن فكرة مفادها أن تجاهل دور الأجهزة الأمنية كأجهزة اجتماعية وقانونية بالدرجة ذاتها لمن يحدث أي تغيير على مستوى المسؤولية الوطنية.

وحيث إن دور الأمن والأمان لم يعد منحصراً في فكرة الردع التقليدي ضد أي فعل يخالف القانون بل امتد إلى مجالات الخدمات الرعاية المجتمعية والوقاية من الجرائم وحدوثها، كان من اللازم التركيز على التحصين المجتمعي من عدة زوايا، أهمها: التوعية والإرشاد، والتربية، والتركيز الإعلامي على القضايا ذات التأثير على قيم المجتمع وتقاليده، وتوجيه الأجيال إلى مفاهيم المواطنة الرقمية، وعدم الخوف من الأجهزة الأمنية التقليدية، واعتبارها الدرع الحامي للمواطن الذي غرر به أو وقع دون قصد في شرك التخابر.

ولضمان الجهود المجتمعية والتربوية الأمنية في التحصين المجتمعي، فإن الأمر يتطلب بجانب الدعوة،والتوجيه والإرشاد، التحفيز والتقدير للنماذج التي ساهمت في الحد من الجريمة ، أو قدمت خدمات ميدانية تطوعية عالجت تشوهاً ما في النسيج المجتمعي، وتحسين الصورة الذهنية السلبية المتبادلة بين المجتمع والأجهزة الأمنية، أو ساهمت في انقاذ ضحايا التخابر، باعتبار أنه – التخابر- ظاهرة قديمة وأسلوبًا رخيصًا تستخدمه سلطات الاحتلال مخالفةٌ فيه القوانين الدولية، حيث إن اتفاقية جنيف الرابعة نصَّت على حماية المدنيين، والاحتلال يقومبالنقيض من ذلك؛ عندما يبتز المرضى والمحتاجين وأصحاب النفوس الهشة من أجل التعامل والتخابر معه.

وانطلاقاً من أن الجريمة بأنواعها، بدءاً من الخيانة العظمى (السقوط في وحل العمالة)، انتهاءاً بالابتزاز الالكتروني سلوكاً معادياً للمجتمع كأي نوع من أنواع السلوك الشاذ (غير السوي)، وإشباع لغريزة بطريقة غير شرعية اختارها الفرد على أساس الموازنة بين مقدار ما يحقق له هذا السلوك من المتعة محتملة من جهة، وبين مقدار ما يلحقه من ضرر أو ألم نتيجة القيام بالفعل، كانت التربية على الإخلاص للوطن، والتحمل والصمود من أجله، والدفاع عنه، وتعزيز اللاعنف من لا عنف التربية، ولكم حرية التأويل.

*عضو اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين