الجمعة: 24/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

التعويل على الشعوب الحرة

نشر بتاريخ: 29/12/2020 ( آخر تحديث: 29/12/2020 الساعة: 13:10 )

الكاتب: هبة بيضون

بما أن مسار التطبيع لم يتأثر بنتائج الانتخابات الأمريكية، ولن يتوقف عند الإمارات والبحرين والسودان والمغرب كما يؤكد نتنياهو وترامب، على أن دولاً أخرى ستلحق بالركب قريباً، كيف إذن يجب أن نتعامل كفلسطينيين مع هذا الأمر في ظل هذه الموجة التطبيعية الهائجة الممتدة ، والتي ليس من المفروض أن تكون فيها أي مفاجآت بالنسبة لنا، علينا أن نتوقع بأن أي دولة قد تقوم بالتطبيع بلا استثناء وبغض النظر عن التصريحات الرسمية هنا وهناك التي قد تؤكد التزامها بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني ومساندة القضية الفلسطينية والإلتزام بالمبادرة العربية، لا أشكك هنا بنوايا أي من الدول، وإنما أتحدث من منظور معرفتنا جميعاً أن المصالح ستغلب، وأنه لو تم الضغط على أي دولة للقيام بالتطبيع، سواء بالترغيب أو بالترهيب خاصة إذا كان هناك تهديداً وجودياً للدولة ولنظامها، عندها، من المرجح أنه لن يكون أمام أي دولة أي خيار سوى التطبيع الرسمي مع ثقتنا بأن الشعوب العربية التي نعول عليها لن تطبع ولن تكون راضية باستثناء بعض الأصوات هنا وهناك والمحسوبة على النظام ، والتي يكون مطلوباً منها دعم الخطوة.

إن أي جهود استباقية على المستويين السياسي والدبلوماسي الفلسطيني مع أي من الدول المرشحة للتطبيع لن يجدي نفعاً، وذلك لأن قوة الضغط التي ستمارس على أي من الدول أكبر بكثير من تأثيرنا عليها ، حيث أننا لا نستطيع ضمان الاستقرار لأي من الأنظمة الحاكمة في أي من الدول العربية، وبالتالي فإن أي جهود قد تؤدي إلى تأجيل الموضوع ولكن لن تلغيه لو كان هناك نية للتطبيع.

ماذا علينا أن نفعل لو أقدمت معظم الدول العربية على التطبيع، في الوقت الذي لا نستطيع الضغط المباشر على الأنظمة العربية المطبعة للتراجع عن قرارها كما ذكرت في الفقرة السابقة، قد يكون قطع العلاقات مع أنظمة الدول المطبعة هو الخيار الأول لنا كردة فعل، ولكن قد يضعنا هذا الخيار في عزلة سياسية، حيث لا يمكن لنا أن نعزل أنفسنا عن أمتنا العربية البائسة المحبطة والمخيبة للآمال، خاصة أن هناك جالية فلسطينية تقيم في كل من الدول العربية ولها مصالح معيشية ، آخذين بنظر الاعتبار أن العلاقة مع شعوب الدول العربية الحرة الأبية المناصرة للقضية الفلسطينية، والمعارضة لما أقدمت أو ما ستقدم عليه أنظمتها من تطبيع مع الكيان الصهيوني قبل أن ينال الفلسطينيون حقوقهم المشروعة وفق القانون الدولي والشرعية الدولية، هي علاقة تاريخية مستمرة ودائمة ولا تتغير بانحراف النظام عن الثوابت والأسس والأخلاقيات التي نشأت عليها تلك الشعوب ، لذا أجد أن الخيار الأمثل هو عدم اتخاذ أي خطوات كرد فعل حول ما أقدمت عليه أو ما ستقدم عليه تلك الأنظمة، وتجاهل ادعاءاتهم من أنهم لا يزالون يدعمون القضية الفلسطينية وحريصون عليها، لأن من يضع يده بيد بني صهيون قبل أن ينال الفلسطينيون حقوقهم المشروعة بإقامة دولتهم على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشريف، لن يتمكن من تقديم أي خير لفلسطين، لأن إرادته ستكون مسلوبة، وقراره السياسي مصادر، ولكن واجب علينا كفلسطينيين أصحاب حق أن نذكرهم أن هناك ثوابت وطنية وأخلاقية وعقائدية وقومية وإنسانية التزمت بها الدول العربية جميعها تاريخياً على مر السنين، وأنشأت شعوبها على هذه الثوابت تجاه القضية الفلسطينية، وأن موجة التطبيع هذه هي انحراف عن الثوابت وعن الأسس والمبادىء الأخلاقية، كما أنها لا تليق بالمواقف السابقة الداعمة للقضية الفلسطينية التي اتخذتها دولهم ولا تليق بمواقف شعوبها المناصرة لفلسطين والرافضة للتطبيع.

علينا أن نذكر الدول المطبعة بأن دولة الكيان عنصرية ، وأنها مارست وتمارس القمع والقهر والإرهاب والظلم والتمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني منذ ما يزيد عن سبعين عاماً، وأنها لا تفرق بين كبير وصغير، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين شاب وطفل ومسن، كما أنها لا تعترف ولا تتقبل الآخر.

علينا أن نحذرهم من الصهاينة بحكم تجربتنا وتعاملنا معهم، وأن ما سيحصلون عليه جرّاء التطبيع هو نقطة في بحر مما ستحصل عليه "إسرائيل" منهم، وأن بلادهم ستصبح مشاعاً للصهاينة يصولون فيها ويجولون، يتحكمون بمواردها وبأنظمتها بما يخدم مصالحهم، وبأن أرضهم ستصبح محطة استخبارية للموساد يخطط وينفذ من خلالها جرائمه ضد العرب والإنسانية جمعاء.

بالنسبة لدولة الكيان، هي تدرك تماماً أن أمنها لن يتحقق بالتطبيع مع أي من الدول العربية وأن من يمنحها ويوفر لها الأمن هم الفلسطينيون، أصحاب الأرض المسلوبة واصحاب الحق، وأن رد جزء من الحق لأصحابه وفق قرارات الشرعية الدولية هو الذي سيضمن له أمنهم وأمن مواطنيهم إن التزموا بما يتم الاتفاق عليه.

ما أقدمت عليه الدول المطبعة هو خطأ جسيم بحق الشعب الفلسطيني، فهي تشجع دولة الكيان على التمادي والاستمرار في احتلالها لفلسطين، ولكن لايزال هناك مجال أمام تلك الدول أن تتراجع عن هذا الخطأ الذي ارتكبته تجاه الشعب الفلسطيني، وهذا لن يحدث إلا إذا كان هناك حالة استنهاض من قبل شعوب تلك الدول، وهذا ما يجب التعويل عليه، الحراك الداخلي لهذه الشعوب الأبية، الحراك الرافض للتطبيع بحيث يطالب النظام بالتراجع تحت ضغط برلماني وشعبي .