الكاتب: د.علي الأعور
بعد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 شعرت القيادة العسكرية الإسرائيلية والحكومة الإسرائيلية انها تواجه إشكالية دولية تتعلق بالقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الرابعة عام 1949 حيث أصبحت دولة احتلال لإقليم محتل يمثل القدس الشرقة والضفة الغربية وقطاع غزة وبالتالي اصبح السؤال المطروح في الكنيست الإسرائيلي والقيادة السياسية الإسرائيلية :
ما هو مصير الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ و ما هو مصير السكان الفلسطينيين الذين يعيشون على تلك الأرض وقد توارثوها جيل بعد جيل عن اباءهم واجدادهم ؟ وربما كان حزب العمل اكثر وضوحا في الإجابة على تلك الأسئلة حتى اكد في برنامجه السياسي ضرورة الانفصال والقبول بحل الدولتين وعبر نضال الشعب الفلسطيني وتضحياته والشهداء الذين ضحوا بحياتهم من اجل القضية الفلسطينية والحقوق السياسية للشعب الفلسطيني وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وتقرير مصيره وانهاء الاحتلال كانت اتفاقية أوسلو التي اعترفت من خلالها حكومة إسرائيل بقيادة إسحاق رابين بالشعب الفلسطيني وأقرت بضرورة حل الدولتين حتى تم قتل رابين وعاد اليمين الإسرائيلي في طرح الأيديولوجية التي جسدها واقرها جابوتنسكي ومناحيم بيغن في ادبياتهم " لا دولة فلسطينية غرب نهر الأردن "
وجاء نتنياهو ومع فترة ترمب السوداء في تاريخ الشرق الأوسط اعلن نتنياهو لا يوجد هناك صراع فلسطيني إسرائيلي هناك اقلية تعيش في أراضي لا بد من توفير التنمية الاقتصادية ورفع مستوى دخل الفرد فيها وتحسين وضعه الاقتصادي وانكار حقوقه السياسية وذهب بعيدا الى التطبيع مع عدد من دول الخليج والسودان والمغرب واكد هذا سلام القوة يفرض بالقوة ولا بديل عن سلام القوة على الحكام العرب حتى ولو كانوا يمارسون الديكتاتورية بحق شعوبهم والمهم هو ان السلام مع العرب لا يمر عبر القدس والدولة الفلسطينية.
ولكن مع قضايا الفساد المتهم بها نتنياهو رسميا وتحويل ملفاته الى المحكمة المركزية في القدس والمظاهرات الضخمة التي خرج بها الاف الإسرائيليين ضد نتنياهو والمطالبة بإقالته ورحيله ، الا انه اصر نتنياهو على موقفه واكد انه لن يغادر الحلبة السياسية والمشهد السياسي الإسرائيلي .
ولكن الدراما السياسية في إسرائيل تحولت بشكل كبير ومفاجيء واعلن عدد من القيادات السياسية في إسرائيل التحدي ضد نتنياهو وحكومته بالشراكة مع غانتس زعيم ازرق ابيض، جدعون ساعر اعلن انشقاقه عن حزب الليكود وشكل حزب جديد اسمه" الامل الجديد" وانضم اليه عدد من الوزراء والشخصيات السياسية في إسرائيل ولكنه اعلن ان برنامجه السياسي نحو الضم والتوسع وعدم الاعتراف بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني ، ومن بعده اعلن رئيس بلدية تل ابيب " رون حولدائي" مع وزير العدل السابق" أفي نيسانكورون" من حزب ازرق ابيض " عن تشكيل حزب جديد اسمه" الإسرائيليون" ولكنه اكد على ضمان اغلبية يهودية والحفاظ على التفوق الأمني لإسرائيل في الشرق الأوسط.
تحول كبير في الخارطة الحزبية الإسرائيلية حيث تم حل الكنيست مساء الثلاثاء الأسبوع الماضي وحسب القانون الإسرائيلي يجب اجراء انتخابات رابعة خلال 90 يوما من تاريخ حل الكنيست الإسرائيلي ، وهنا يبرز السؤال الأهم:
ما هو مصير نتنياهو من خلال تشكيل تلك الأحزاب الجديدة وبرامجها التي تشبه برنامج نتنياهو السياسي في الضم والتوسع؟ ما هو تأثير تلك الأحزاب الجديدة على شعبية نتنياهو خلال الانتخابات الرابعة القادمة؟ وما هو مصير منصور عباس في الإسلامية الجنوبية بعد انشقاق جدعون ساعر عن نتنياهو؟ وهل يتحالف منصور عباس مع نتنياهو ليضمن له الفوز بالانتخابات القادمة؟
من خلال استطلاعات الرأي الأخيرة بعد تشكيل خزب جدعون ساعر وانشقاقه عن نتنياهو وانضمام تسفيكا هاوزر ويوعاز هندل الى حزب ساعر حصول ساعر على 20 مقعد في الكنيست القادمة فيما لوجرت الانتخابات هذه الأيام. وحصول حزب رون حولدائي على 7 مقاعد اما حزب عوفر شيلح المنشق عن حزب " يوجد مستقبل " فله عدد من المقاعد في الكنيست القادمة ولكن الاهم هو تمكن حزب الليكود بزعامة نتنياهو حسب استطلاعات الراي الأخيرة حصوله على 30 مقعد لو جرت الانتخابات هده الأيام.
وهنا لا بد من الوقوف عند قدرة نتنياهو في الحفاظ على قوته وشعبيته رغم ملفات الفساد المتهم بها رسميا : ربما الثقافة التي يتمسك بها اليهود الشرقيون وايمانهم بالحاكم المطلق التي ورثوها عن اجدادهم ممن هاجروا الى فلسطين من الدول العربية هو تمسكهم بنتنياهو .
والسبب الثاني مازال الحقد والكراهية التي ورثها الجيل الثالث والثاني من اليهود الشرقيون عن اباءهم تجاه اليهود الاشكنازيم هو تمسكهم بنتنياهو للانتقام من الاشكنازيم الدين يمثلون اليسار في نظر الشرقيين " السفراديم او المزراحيم" حيث ان الاشكنازيم في نظر المزراحيم قد سيطروا على كل مكتسبات الدولة ومرافقها الاقتصادية والبنى التحتية والشركات العملاقة بينما لم يتمكن المزراحيم من الحصول على بيت امن مقارنة مع الاشكنازيم في التفوق الطبقي الاجتماعي والاقتصادي في الفلل في هرتسيليا ورامت ابيب و قيسارية وغيرها من الاحياء الغنية التي يمتلكها اليهود الاشكنازيم.
والسبب الثالث في التمسك بنتنياهو رغم ملفات الفساد المتهم بها رسميا هو الانقسام الاجتماعي الذي برز مؤخرا في المجتمع الإسرائيلي من خلال المظاهرات التي تطالب باستقالة نتنياهو ويقودها اليسار الإسرائيلي بزعامة الاشكنازيم و رفض المزراحيم لكل المظاهرات ضد نتنياهو والتمسك به دون النظر الى سياسته في إدارة ازمة كورونا وهذا التوجه السياسي المؤيد لنتنياهو يقوده الجالية المغربية في إسرائيل " وهو ما دفع نتنياهو الى بدل الجهود لدى ترمب لتوقيع اتفاق التطبيع مع المغرب حيث يبلغ تعداد الجالية المغربية مليون يهودي مغربي يعيش في إسرائيل .
والسبب الأخير هو ان الخارطة السياسية الجديدة في إسرائيل والتغير الذي جرى من خلال تشكيل أحزاب جديدة هي محسوبة على اليسار الإسرائيلي وبالتالي تغيير أسماء الأحزاب فقط على حساب الأحزاب القديمة وسوف يكون مؤيدو الأحزاب الجديدة على حساب حزب " ازرق ابيض " الذي كشف عن الأيديولوجية اليمينة التي يؤمن بها غانتس وممن سرقوا أصوات اليسار الإسرائيلي وقدموها هدية لنتنياهو على طبق من ذهب مثل يوعاز هندل وتسفيكا هاوزر و اورلي ليفي اباكسيس وعمير بيرتس زعيم حزب العمل الدي تحالف مع نتنياهو غانتس واعن عن وفاة حزب العمل مؤسس الدولة ومن المعروف ان رون حولدائي رئيس بلدية تل ابيب عشرون عاما يمثل حزب العمل اما جدعون ساعر فلم يتمكن من الفوز على نتنياهو في الانتخابات التمهيدية لحزب الليكود ولم يحصل سوى 27 في المائة بينما حصل نتنياهو على اكثر من 70 في المائة .
اما نتنياهو يضمن أحزاب الحريديم الدين يؤمنون بنتنياهو لتوفير راتب شهري لطلاب المدارس الدينية واعفائهم من الخدمة العسكرية ويبقى التنافس بين احزب اليسار دون التأثير على شعبية نتنياهو واليمين الإسرائيلي وقد يتلاشى حزب ازرق ابيض ويظهر حزب رون حولدائي ويبقى حزب ميرتس ولكن بعدد قليل من المقاعد وربما يكون لديه مشكلة في تجاوز نسبة الحسم.
وأخيرا هناك من يوفر غطاء سياسي قانوني لنتنياهو ليضمن له تشكيل الحكومة الإسرائيلية السادسة الجديدة حيث منصور عباس الذي يحمل فلسفة جديدة لدعم نتنياهو من اجل وعود فارغة ولكن تبقى المشتركة بدون منصور عباس ولو بعشرة مقاعد ولكن المهم انها ترفض الاحتلال وترفض التطبيع وتحافظ على الهوية الوطنية الفلسطينية للجماهير العربية وتعلن انتمائها الوطني والقومي للشعب الفلسطيني والقدس الشريف.