الكاتب: عوني المشني
يتساءل البعض - والبعض قليل هنا - لماذا كتلة وطنية مستقلة في الانتخابات التشريعية العتيدة ، والسؤال ليس مشروع فقط فقط ولكنه ضروري ، فمصير الشعب الفلسطيني لا يمكن ان العبث به او التعاطي معه بمسلمات . وانطلاقا من المسلمات بان الشعب الفلسطيني هو مصدر الشرعية في اختيار قياداته فان الانتخابات هي التعبير الارقى لممارسة هذا الشعب حقه وواجبه باختيار قيادة بشكل ديمقراطي نزيه وشفاف .
ولو اعتبرنا ان الثابت في الحالة الوطنية هي الحقوق الوطنية الفلسطينية والتي عبر عنها الميثاق الوطني الفلسطيني فانه ودون هذا الثابت وتحت سقفه فكل شيئ قابل للتغيير بما في ذلك البنى السياسية والشخوص والنخب . والانتخابات هي الالية الديمقراطية المتفق عليها لهذا التغيير .
تأتي الانتخابات هذه المرة في ظل معطيات فلسطينية واقليمية في غاية من الاهمية ، الانقسام الفلسطيني السياسي والذي بات يأخذ منحى اكثر خطورة وهو الانقسام الجغرافي هو احد اهم تلك المعطيات ، هذا الانقسام والذي شكل خطرا ماثلا على الكينونة السياسية الفلسطينية وساهم في تعميق الانقسام السياسي وتمثله في صورة في انقسام جغرافي . وغير الانقسام فان وصول خيار الدولتين الى طريق مسدود ايضا احدى المعطيات المهة والتي ترجمت فشل خيار التسوية التي قدمتها اتفاقية اوسلو . نحن الان امام مشهد يتعاظم فيه الاستيطان والتهويد والحصار وتتراجع فرص الوصول الى دولة فلسطينية مستقلة بطريقة تشكل خطرا جديا على مشروعنا الوطني .
من جانب اخر فان تعاظم دور الاحتكارات الاقتصادية في فلسطين وتغولها على حياة الشعب الفلسطيني يهدد صمود شعبنا على أرض وطنه ، هذا الصمود الذي يشكل الركيزة الاساسية في الكفاح الوطني . الاخطر هنا ان هناك تحالف بات مفضوحا بين نخب سياسية متنفذة مع تلك الاحتكارات مما يساهم في تردي حالة شعبنا الاقتصادية ويهدد صموده على تراب وطنه .
الاخطر من كل هذا انه وامام تلك المعطيات فان الفصائل الفلسطينية لا تمتلك اجابات واضحة على تلك التحديات وتعيش حالة غياب الافق ، وبدل ان تتقدم لتقود الكفاح الفلسطيني فانها تتراجع وتطالب الجماهير باخذ دورها !!!! وايضا فانها تصمت عن تغول الاحتكارات وتتطئ الرأس امامها وكان الاحتكارات قد اشترت صمتها .
تاتي الانتخابات في ظل هذا الوضع الفلسطيني المحتقن والمأزوم ، وهذا يضعنا على مفترق طرق لاتخاذ الخيارات الضرورية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا . والانتخابات تشكل الناقل الطبيعي من مرحلة انعدام الوزن هذه الى مرحلة كفاحية تتجدد فيها الرؤى وتتوحد الجهود لنصنع مستقبل شعبنا . صحيح ان الانتخابات ليست الحل ولكنها قد تصبح اذا ما كانت في سياق سليم مدخلا الى الحل ، كون الانتخابات تشكل بترافقها مع انتخابات الرئاسة والمجلس الوطني اعادة لترتيب اوضاع منظمة التحرير الفلسطينية على اسس ديمقراطية جامعة .
وحتى لا تعيد الانتخابات انتاج نفس الوضع الحالي فان هناك ضرورة ملحة لخيارات جديدة مختلفة توضع امام الشعب الفلسطيني ، فالخيارات التقليدية والتي جربت على مدار السنوات الماضية تكاد تكون قد استنفذت ما لديها عبر وجودها في الحكم لفترة طويلة تزيد عن مجموع ثلاث دورات انتخابية طبيعية متتالية ، وابقاء الشعب الفلسطيني امام ذات الخيارات بدون اي تجديد يصبح شكلا من اشكال اجبار شعبنا على اشياء قد لا يرغب باستمرارها ، ان بروز خيارات جديدة ليس بالضرورة مناكفة للخيارات التقليدية او اقصاء لها بل هي الطريقة الامثل لممارسة الديمقراطية الحقيقية وعدم اجبار الجمهور على خيارات محددة .
الخيار الثالث والذي كان يفترض ان يشغله اليسار الفلسطيني بقي شاغرا حتى الان ، اليسار الفلسطيني تخلى عن برنامجه الخاص به طواعية واصبح بطريقة او باخرى ملحقا ذيليا ببرامج الفصيلين الكبيرين ، بعضهم وظف ذاته لدى برنامج السلطة في الفلسطينية في رام الله والبعض الاخر لدى سلطة غزة ، وهامش الاختلاف الضيق الذي يحاول ان يتركه لبرنامجه الخاص هو اكثر ضيقا من ان يتسع لبرنامج متكامل واضح ومتميز ، لذلك فشل هذا اليسار - للاسف - في تشكيل خيار ثالث يوضع امام الجمهور الفلسطيني .
هنا نصل لاهمية ان يكون خيارا ثالثا له موصفات مختلفة عما هو متوفر في القوى التقليدية ..... هذا الخيار اصبح ضروريا الى حد ان انتخابات بدونه ستكون مجرد اعادة انتاج لما هو موجود ، واكثر من ذلك اعادة شرعنة الفشل وسوء الادارة والفساد والتحالف الغير مقدس بين الاحتكارات والسياسة .
الشيئ البديهي والحيوي ان الخيار الجديد يفترض فيه ان يكون وطنيا وتحت سقف الميثاق الوطني الفلسطيني كعنوان لا اختلاف عليه للثوابت الوطنية الفلسطينية ، هذا امر محسوم وغير قابل للنقاش ، فاي خيار يخرج عن ذلك بالتاكيد لن يكون مقبولا لشعبنا ولا يمثل تطلعاته ولا ينحاز لمستقبل هذا الشعب ، وتحت هذا السقف يلتقي هذا الخيار مع كثير بل مع اغلب القوى الفلسطينية .
لكن هناك ضرورة لان يكون هناك تميز مختلف جذريا عما هو قائم ، فالخيار هذا يمثل كتلة وطنية مستقلة كما هو قائم....
كتلة وطنية مستقلة كخيار جديد لكسر احتكار القوى التقليدية فلسطينيا للقرار والاداء الفلسطيني ، ربع قرن من احتكار تلك القوى للوضع الفلسطيني فترة اكثر من كافية للجزم بان هذا الاحتكار لم يؤدي لخير او منفعة لشعبنا ، فالانقسام والفشل السياسي وغياب مشروع تنموي وتغول الاحتكارات كلها مظاهر ارتبطت عضويا بهذا الاحتكار وخلقت وتطورت في كنفه ، وبالتالي لا يمكن اعادة الكرة مرة اخرى لتلك القوى التي اوصلت شعبنا لهذا المستوى الغير مسبوق من الفشل والتردي .
هناك ضرورة لكتلة وطنية مستقلة لاعطاء الفرصة . لقد اعطيت هذه القوى الفرصة تلو الفرصة للاصلاح والتغيير ولكنها عن سبق اصرار وترصد اهدرت تلك الفرص واستمرت بمنهجها الكارثي واكثر من هذا صمت اذنها عن كل الاراء والتوصيات والمطالب التي تمحورت جميعها حول الاصلاح .القطاع العريض من شعبنا ممن هم خارج دائرة الولاء الشخصي والاستزلام يفترض ان يكون لهم صوت مسموع ومؤثر في صناعة القرار الفلسطيني ، فلسطين وشعبها وقضيتها ومستقبل ابناءها ملك شعبها اولا وبالتحديد القطاعات العريضة الواسعة المعطاءة والتي غيبت لربع قرن عن القرار والتأثير وتحولت بفعل تحالف النخب المتنفذة مع نخب الاحتكارات الاقتصادية الجشعة الى مجرد ارقام للربح الجشع في حسابات تلك الاحتكارات .
هناك ضرورة لكتلة ثالثة لادخال عنصر تنافس يؤدي لزيادة الجودة ، تقديم نفس القوى المختلفة على كل شيئ والمتفقة على تقاسم النفوذ سيعطي نفس النتائج التي نعيشها ، التنافس هنا ايجابي ولا يعني التناقض وانما تقديم الافضل لشعبنا وفي النهاية شعبنا يمتلك القدرة والحكمة والمعرفة في اختيار ما يناسبه ، لا احد يفرض عليه قيادته ولا احد يسلب هذا الحق منه ، هو مصدر الشرعية وهو الذي يحميها بدمه .
هناك ضرورة لكتلة ثالثة للتغيير ، نخب مارست الحكم لعشرات السنوات يفترض انها قدمت افضل ما عندها وكل ما عندها ، لم يعد لديها جديد ، قد يكون ما قدمته جيدا او غير جيد ، مطلوب كتلة ثالثة لتكون خيارا مختلفا ومن نوع اخر امام الجمهور
هناك ضرورة لكتلة ثالثة لفتح المجال امام اجيال شابة ، غير منضوية في اطار ، وطنية بطبيعتها ، هذا الجيل الذي يمتلك طاقات ابداعية وقدرات متميزة وطاقة كبيرة يستحق ان يكون في موقع القرار ، ليس معقولا ان يبقى جيل ما فوق السبعون والثمانون عاما هو الجيل الذي ينفرد بالقرار والدور وتحرم الاجيال الشابة من المشاركة .
هناك ضرورة لكتلة ثالثة لان هناك من لا يرى ذاته في فكر وممارسة من يمتلكون القرار منذ ربع قرن ، نعم هناك اكاديميون ، مثقفين ، شخصيات عامة لا ترى ذاتها في القوى والحركات السياسية او ان هذه القوى والحركات كانت طاردة لها وتستحق ان تجد لها مكانا في القرار والتاثير لانها تمتلك رؤيا ومفهوم مختلف .
هناك ضرورة لكتلة ثالثة ليست بالضرورة في فلك المحاور الاقليمية ولا تخضع للمال السياسي ولا لدكتاتورية الجغرافيا ، مستقلة وطنيا وملتزمة وطنيا ، بوصلتها الوطن ولا شيئ غير الوطن ، لا تحتمي بتحالفات تستخدم فلسطين ورقة ولا تخضع للمال السياسي .
هناك ضرورة لكتلة ثالثة غير منغمسة بالفساد الاداري او السياسي ولم تشكل غطاء او حماية له ولم تتعاطى معه او تشرعه ، كتلة همها مصلحة شعبها قبل كل شيئ ، وقد خضعت للتجربة ولم تفسد .
ان محاولات البعض لوضع معوقات امام كتل انتخابية جديدة هي في احسن الاحوال محاولات لاغلاق الطريق امام المستقبل بما يمثله من تطلعات واحلام وافاق واعدة ، وهي في ذات الوقت لي لعنق الديمقراطية وتشويه لها . شعبنا بطبعه خلاق مبدع وقادر بحسه الاصيل على اختيار الافضل ، والانتخابات الحرة لن تكون كذلك في التصويت فقط بل وبحرية الترشح والتشكيل السياسي الانتخابي .
◦