الكاتب: عبد الناصر عوني فروانة
تتسارع الأحداث وتتسع دائرة الخطورة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، مع تفشي وباء فايروس كورونا بين صفوف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وتنقله دون معيقات أو عقبات من سجن الى آخر، فيقتحم الجدران ويتجاوز أبواب الأقسام ويدخل الغرف ويداهم الأجساد، فيصيب ويؤذي الانسان الأسير، وبات زائراً ثقيلاً ودائم الحضور بين أوساط الأسرى، ليزداد القلق على من يقبعون هناك، مع الارتفاع المتسارع في أعداد المصابين بين الأسرى في سجني ريمون والنقب، خلال الأيام القليلة الماضية، حتى وصل اجمالي عدد الأسرى المصابين بالفايروس منذ انتشار الجائحة في المنطقة إلى قرابة (250) أسير، وفقا للرواية الإسرائيلية، فيما الوقائع تُشير والأسرى يؤكدون بأن الأعداد قد تكون أكثر من ذلك وهي مرشحة للارتفاع، وهذا ما يفاقم من مأساتهم ويزيد من توترنا وخشيتنا عليهم.
وفي ظل تواتر الأنباء عن تزايد أعداد الأسرى المصابين بفايروس كورونا، يُطلعنا الاعلام العبري مساء يوم الخميس على تصريح لوزير الصحة الإسرائيلي، يولي إدلشتاين، يفيد بأنه سيتم تسليم اللقاحات المضادة لفيروس كورونا إلى مصلحة السجون اعتبارًا من الأسبوع المقبل لتطعيم الأسرى الفلسطينيين.
ويأتي هذا الإعلان بعد التصريحات العنصرية لوزير الأمن الداخلي "أمير أوحانا" والذي رفض جهاراً إعطاء الأسرى الفلسطينيين اللقاح المضاد، والاكتفاء بتطعيم السجانين والعاملين في إدارة السجون.
تلك التصريحات التي قُوبلت برفض فلسطيني وتحرك قانوني، وبالمقابل أحدثت جدلا على الساحة الإسرائيلية. كما وأن التصريحات الجديدة لوزير الصحة الإسرائيلي لا تعني أنه يتمتع بإنسانية في التعامل مع القضايا الأكثر إنسانية، حيث غيابه المتعمد وصمته المطبق أمام سوء الأوضاع الصحية في السجون وتردي اجراءات الوقاية والسلامة والخدمات الطبية المقدمة للأسرى منذ انتشار الجائحة.
وبغض النظر عن ما دار في أروقة السياسة والأمن والقانون والإعلام في دولة الاحتلال، فانا شخصيا كنت على يقين بصدور قرار كهذا، عاجلا أم آجلا، وقد عبّرت عن ذلك خلال لقاء عبر شاشة تلفزيون فلسطين قبل أكثر من أسبوع، وكتبت على صفحتي من قَبِل حول الموضوع، واستندت في ذلك إلى ما يكفله القانون الدولي للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في مثل هكذا حالة، وما تؤكده نصوص اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة والمسؤولية التي تقع على دولة الاحتلال في توفير اللقاحات اللازمة للأسرى والمعتقلين في سجونها، والجهود المبذولة في هذا الصدد.
هذا من جانب، ومن جانب آخر اعتمدت على معرفتنا بالاحتلال والذي اعتاد على الرفض المطلق بداية، ومن ثم الموافقة مع التجزئة والمماطلة والمراوغة ..الخ. لذا فمن الأهمية بمكان التأكيد على أن الموافقة الإسرائيلية لا تعني نهاية المطاف، ويجب أن لا تكون كذلك، وذلك للأسباب التالية:
- إن صدور قرار إسرائيلي بإعطاء الأسرى اللقاحات المضادة، هو ثمرة جهود قانونية وسياسية، ويعني انتزاعا للحق وانتصارا نظريا ومعنويا وأخلاقيا وانسانيا وقانونيا لحقوقهم المشروعة، لكنه من الناحية العملية لا يعني إعطاء كافة الأسرى اللقاحات اللازمة، فإدارة السجون ستعمل على تقسيمهم وتجزئتهم إلى فئات ومراحل، ومن الممكن أن تلجأ إلى المماطلة أو الضغط والمساومة.
- إن غياب الرقابة الدولية على طبيعة اللقاح وفعاليته، وآلية إعطائه للأسرى، في ظل انعدام ثقة الفلسطينيين بإدارة السجون، يدفعنا إلى التشكيك بنواياها العنصرية استنادا إلى التجربة المريرة والقاسية معها ونضع كافة الاحتمالات. لذا وفي الوقت الذي نؤكد فيه على أهمية تصريح وزير الصحة الإسرائيلي بالموافقة على إعطاء الأسرى اللقاح المضاد لفايروس كورونا، فإننا نخشى استخدامها من قبل دولة الاحتلال للتحايل على القانون الدولي والالتفاف على مطالبات المؤسسات الحقوقية والقانونية، لذا فإننا مطالبون ببذل مزيد من الجهود القانونية والسياسية من أجل ضمان وجود وفد طبي دولي محايد للإشراف على طبيعة اللقاحات وفاعليتها، وضمان توفيرها، ومراقبة إعطائها لكافة الأسرى والأسيرات، دون قيد أو شرط أو تمييز، وفي أقصر فترة ممكنة.