الكاتب: جميل السلحوت
بات في حكم المؤكّد أنّ الرّئيس الأمريكيّ ترامب لم يخسر الإنتخابات الرّئاسّية الأخيرة فقط، بل خسر مستقبله السّياسيّ، وربّما سيقضي بقيّة أيّام حياته في السّجن بسبب حماقاته وجرائمه التي يصعب تعدادها، ومن ضمنها على النّطاق الدّاخليّ تحريضه لأتباعه لاقتحام الكونغرس وقتل أربعة أشخاص، فالرّجل يحمل عقليّة فاشيّة بامتياز، والجريمة مغروسة في عقله ووجدانه، ففي علاقاته الخارجيّة أضرّ ببلاده وبالبلدان والشّعوب الأخرى، كما خلق صراعات ستستمرّ لأجيال، وستحصد أرواح ملايين البشر، ولن يكون من السّهل على إدارة خليفته بايدن الخروج منها بسهولة. ومن هذه الصّراعات ما يسمّى "صفقة القرن" التي أملاها عليه نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيليّة، والتي على المدى البعيد ستضرّ بإسرائيل وشعبها وبالمصالح الأمريكيّة أكثر من ضررها بالشّعب الفلسطيني وقضيّته العادلة.
وترامب سيغادر البيت الأبيض مدحورا ملعونا يوم 20 يناير الحالي، ولن تنتهي جرائمه بهذا التّاريخ، فقد زرع انشقاقات داخل المجتمع الأمريكي ستمتدّ لسنوات، وستخلق نزاعات داخليّة ستضرّ بالفدراليّة الأمريكيّة، وبالإقتصاد وبوحدة الشّعب الأمريكي. عدا عن الأضرار طويلة المدى التي لحقت بدول وشعوب أخرى، وفي مقدّمتها دول وشعوب الشّرق الأوسط. كما سيلحق الأذى بأتباعه وكنوزه الإستراتيجيّة في المنطقة.
ويبدو أنّ اقتحام الكونغرس الأمريكي بتحريض من ترامب يوم 6 يناير الحالي جاء من باب "ربّ ضارّة نافعة"، فهذه الحماقة وضعت حدّا لحماقات أكبر منها بكثير لو لم تحصل، ومنها خلق نزاعات مسلّحة داخل أمريكا نفسها التي رسّخ فيها ترامب سياسة التّمييز العنصريّ، ومنها منعه من شنّ حروب خارجيّة لخلط الأوراق في أيّامه الأخيرة، وهذا ما أشارت إليه السّيّدة بيلوريسي رئيسة الكونغرس الأمريكي، التي استنجدت بالقائد العامّ للجيش الأمريكي لمنع الإستجابة لطلبات ترامب بشنّ الحروب.
صحيح أنّ وصول ترامب للحكم عام 2016 في انتخابات ديموقراطيّة! يأتي كنتاج لأزمة الأنظمة الرّأسماليّة، وهو لا يختلف عن وصول هتلر للحكم في المانيا عام 1933 وما تبع ذلك من حربه على العالم جميعه، ممّا أدّى إلى تدمير أوروبا وقتل أكثر من 70 مليون إنسان. لكن ترامب الذي وصل لرئاسة أكبر وأقوى وأغنى امبراطوريّة في العالم، فاستغلّ هذا المنصب لتدمير القانون الدّوليّ، وداس على قرارات الشّرعيّة الدّوليّة، وانسحب من منظّمات دوليّة لإضعاف الأمم المتّحدة، حتى وصلت حماقاته إلى اعتبار المدّعي العام لمحكمة الجنايات الدّولية كشخصيّة ارهابيّة لأنّها قرّرت التّحقيق بجرائم الحرب الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينيّة، وترامب اليمينيّ المتطرّف المتصهين جيّر أمريكا الدّولة الأعظم لتكون تابعا لإسرائيل، ممّا جعل أمريكا تتعارض حتى مع حلفائها الأوروبّيين، فالرّجل تجاهل الشّعب الفلسطينيّ وحقوقه العادلة في وطنه، وحقّه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف، ووهب فلسطين التّاريخية لإسرائيل، وأضاف إليها مرتفعات الجولان السّوريّة المحتلّة. وسمح لسفيره في اسرائيل فريدمان أن يكون مستوطنا في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة عام 1967. كما ألغى الإتّفاق النّووي مع إيران الذي وقّعته إدارة سلفه باراك أوباما، وفرض حصارا جائرا على إيران، وجنّد حلفاءه في الخليج الذي كان عربيّا للتّحالف مع اسرائيل لمحاربة ايران.
إنّ مرحلة ترامب ستترك بصماتها طويلة المدى على الأوضاع الدّاخليّة في أمريكا نفسها، وستتعدّاها إلى السّياسات الخارجيّة مع دول أخرى، وسقوط ترامب لن يقتصر عليه وحده، بل سيصل أيضا لأتباعه في دول أخرى ومنها دول عربيّة باع قادتها أنفسهم لترامب بأبخس الأثمان.
وستكشف الأيّام والسنّون القادمة الكثير من حماقات ترامب وحماقات من انجرّوا خلفه بغضّ النّظر عن أسبابهم.