الأحد: 17/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مُؤاخذات على القرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية

نشر بتاريخ: 17/01/2021 ( آخر تحديث: 17/01/2021 الساعة: 10:16 )

الكاتب: الدكتور أشرف صيام

وقع إمضاء ثلاثة قرارات بقوانين متصلة بالقضاء من قبل رئيس دولة فلسطين رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير يوم 30 كانون الأول 2020، وهي: القرار بقانون رقم (39) لسنة 2020 بشأن تشكيل المحاكم النظامية، والقرار بقانون رقم (40) لسنة 2020 بشأن تعديل قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، والقرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية. ووقع العلم بالقرارات بقوانين المذكورة عند نشرها في الوقائع الفلسطينية في العدد الممتاز رقم 22، المؤرخ في 11/1/2021.

يقتصر إبداء المؤاخذات والإصلاحات المقترحة على القرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية؛ بحيث يَنتقي هذا العمل مسائل معينة، سوف تكون مَوضعاً للملاحظة والإصلاح المقترح: وهي:

المسألة الأولى: تقفي القرار بقانون بشأن المحاكم الإدارية أثر قانون القضاء الإداري الأردني

تستند الجهة المشرعة للقرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية بصفة أساسية على المادة (102) من القانون الأساسي المعدل الفلسطيني لسنة 2003، والتي تنص على أنه: "يجوز بقانون إنشاء محاكم إدارية للنظر في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى، والإجراءات التي تتبع أمامها". فتصرح المادة المذكورة بجواز "إنشاء محاكم إدارية" بصيغة الجمع للدلالة على تعدد هذه المحاكم، وبصورة ضمنية تعدد درجاتها. ويُلاحظ أن المشرع الدستوري يفوض المشرع العادي بإنشاء المحاكم الإدارية بمَكنة "القانون العادي"، وليس بمَكنة "القرار بقانون"، وإن كان هذا القرار له قوة القانون، ولكن بصفة مؤقتة وبتوافر الضوابط والشروط الواردة في المادة (43) من القانون الأساسي المعدل الفلسطيني لسنة 2003.

وقد تَقفى مشرع القرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية، أثر المشرع الأردني في قانون القضاء الإداري رقم (27) لسنة 2014،[1] حيث ثَبت بالمقارنة اقتداء المشرع الفلسطيني بالمشرع الأردني في جُل مواد القرار بقانون المذكور.

وعليه، وقع المشرع الفلسطيني في النقائص والثغرات ذاتها التي وقع فيها المشرع الأردني، فمثلاً خَلط في المادة (8/23) والمنقولة عن المادة (8/ز) من القانون الأردني بين حالات وقف ميعاد الطعن القضائي وحالات قطع ميعاد الطعن القضائي لدى القضاء الإداري؛ فحالة رفع الدعوى إلى محكمة غير مختصة هي من حالات قطع ميعاد الطعن وليس وقفه.[2] وفي الفلك ذاته، لم يَتفَطن المشرعان الأردني والفلسطيني لتنظيم مسألة التظلم الإداري باعتباره سبباً لقطع ميعاد الطعن القضائي.[3]

ومن قبيل الثغرات ما رَدده المشرع الفلسطيني عن المشرع الأردني في المادة (22) من القرار بقانون المذكور باشتراطه أن يكون أحد أسباب إقامة الدعوى الإدارية "مخالفة الدستور أو القوانين أو الأنظمة أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها". لقد تمثلت الثغرة في النص على بسط رقابة المحكمة الإدارية على الأعمال التي تخالف الدستور، وإن كان هذا الفرض متصور في حالة خرق القرارات الإدارية الفردية للدستور/ القانون الأساسي، إلا أن هذا الفرض غير متصور في حالة خرق القرارات الإدارية اللائحية للدستور/القانون الأساسي، على اعتبار أن النظر في مسألة دستورية اللوائح هو اختصاص حصري للمحكمة الدستورية العليا.[4] وعليه، من شأن ذلك أن يَخلق في المستقبل تنازع اختصاص بين المحكمة الإدارية والمحكمة الدستورية العليا، ومن شأنه أن يجعل الاختصاص مضطرباً.

وفي مَواضع أخرى، لم يُحسن المشرع الفلسطيني في نقل ما جاء في قانون القضاء الإداري الأـردني من قبيل مسألة أسباب إقامة الدعوى الإدارية؛ حيث نص المشرع الأردني في المادة (7/أ) من قانون القضاء الإداري على خمسة أسباب، هي: عدم الاختصاص، ومخالفة الدستور أو القوانين أو الأنظمة أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها، واقتران القرار أو إجراءات إصداره بعيب في الشكل، وإساءة استعمال السلطة، وعيب السبب. وفي الفقرة (ب) من المادة ذاتها بيّن المشرع الأردني أنه يعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض الجهة المختصة اتخاذ القرار أو امتناعها عن اتخاذه طالما كانت ملزمة باتخاذه بمقتضى التشريعات المعمول بها، ولم يعتبرها المشرع الأردني سببا لإقامة الدعوى أمام المحكمة الإدارية. وبالتالي، لم يُحسن المشرع الفلسطيني في صياغة المادة (22) من القرار بقانون والمنقولة عن المادة (7/أ+ب) من القانون الأردني؛ حيث دمج المشرع الفلسطيني فقرتي المادة (7) المذكورة في فقرة واحدة، معتبراً أن امتناع الجهة المختصة عن إصدار قرار ألزمها به القانون هي من أسباب إقامة الدعوى أمام المحكمة الإدارية. وفي الواقع امتناع الجهة المختصة عن إصدار قرار يلزمها القانون بإصداره هي نقطة تدخل في اختصاصات المحكمة الإدارية، وليست من أسباب إقامة الدعوى أمامها.

المسألة الثانية: استحداث مبدأ التقاضي على درجتين

يُعتبر النص في المادة (6) من القرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية على تكوين المحاكم الإدارية من درجتين، هما: المحكمة الإدارية كمحكمة درجة أولى، والمحكمة الإدارية العليا كمحكمة درجة ثانية، بمثابة استجابة للسلطة الجوازية المنصوص عليها في المادة (102) من القانون الأساسي المعدّل لسنة 2003، التي فوضت المشرع العادي إنشاء محاكم إدارية للنظر في المنازعات الإدارية والدعاوي التأديبية.

مما لا مِراء فيه أن حسنات التكريس التشريعي والواقعي لمبدأ التقاضي على درجتين، تفوق سلبياته،[5] إلا أنه يَشتد عَضده بفكرة أخرى، هي فكرة قرب المحاكم الإدارية جغرافيا (مكانياً) من المواطنين المتقاضيين؛[6] حيث يحثّهم ذلك على اللجوء إلى المحكمة لقربها من مكان إقامتهم دون تكبُد عناء التنقل والسفر وظروف الاحتلال الإسرائيلي من محافظة إلى أخرى.

وعليه، فمن المستحسن عدم قصر محكمة الدرجة الأولى (المحكمة الإدارية) على محكمة واحدة تنعقد في مدنية رام الله بصفة مؤقتة، بل توظيف هذا القرار بقانون المُستجِد لإحداث محكمة إدارية (باعتبارها محكمة الدرجة الأولى) في كل محافظة من محافظات الضفة الغربية، أو على الأقل إحداث محكمة إدارية كمحكمة درجة أولى في كل من وسط الضفة الغربية وجنوبها وشمالها، أسوة بتشكيل محاكم استئناف في كل من القدس ونابلس والخليل.[7]

المسألة الثالثة: تعيين رؤساء المحاكم الإدارية ونوابهم وقضاتها

قدّم مشرع القرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية، درجتي التقاضي المُنتظر بَثّهما على مستوى المحاكم الإدارية على أنهما جسمين منفصلين عن بعضها البعض؛ فمثلاً تَخُص المادة (7) من القرار بقانون المذكور رئيس المحكمة الإدارية العليا بآلية تعيين مختلفة عن آلية تعيين رئيس المحكمة الإدارية ونائبه وقضاتها، ونائب رئيس المحكمة الإدارية العليا وقضاتها، بحيث يُعين هؤلاء بقرار من الرئيس الفلسطيني بناء على تنسيب من الجمعية العامة للمحاكم الإدارية، باستثناء أول تعيين لهم، والذي سوف يقع بقرار من الرئيس الفلسطيني بعد التشاور مع رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل.[8] في حين وقع إقصاء الجمعية العامة للمحاكم الإدارية، ورئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل العليا من المشاركة في تعيين رئيس المحكمة الإدارية العليا، والذي ينفرد الرئيس الفلسطيني بتعيينه، وقبول استقالته.

وبالحوصلة، يُمكّن هذا الحل وغيره من الحلول[9] السلطة التنفيذية من السيطرة الشاملة على المحاكم الإدارية، والإحاطة بها.

المسألة الرابعة: تهميش تكوين وتأهيل قضاة المحاكم الإدارية

فَرض مشرّع القرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية، شروط محددة بعينها ينبغي توافرها في الشخص المرشح لتولي منصب قاضي في المحاكم الإدارية،[10] مُميزاً في هذا الفَلك بين شروط تعيين رئيس المحكمة الإدارية ونائبها وقضاتها، وشروط تعيين رئيس المحكمة الإدارية العليا ونائبه وقضاتها من جهة، ومن جهة أخرى يُميّز القرار بقانون المذكور بين رئيس المحكمة الإدارية ونائبه وقضاتها من حيث شروط التعيين، وفعل الأمر ذاته بالنسبة لرئيس المحكمة الإدارية العليا ونائبه وقضاتها.

يُؤخذ على مُشرع القرار بقانون المذكور في هذه المسألة، أنه لم يعتني بفكرة تكوين وتأهيل رؤساء المحاكم الإدارية ونوابهم وقضاتها؛ فيظهر من شروط التعيين في المحاكم الإدارية أنه يمكن للعاملين في سلك القضاء النظامي وأعضاء النيابة العامة وغيرهم الولوج إلى سلك القضاء الإداري، وعدم انحسار قضاة المحاكم الإدارية على المختصين أو المُكونين أو المؤهلين في القانون الإداري والمنازعات الإدارية وعلم الإدارة العامة أو في القانون العام. وللمضي قدماً في مسألة تكوين عناصر مؤهلة للعمل في المحاكم الإدارية، يمكن استثمار وجود مؤسسة لدينا، هي المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة،[11] والتي يكون أحد أبرز مهام هذه المدرسة في البلدان التي تأخذ بها، هو السهر على تكوين كادر قانوني مؤهل للعمل في سلك القضاء الإداري.[12]

المسألة الخامسة: النطاق الموضوعي لاختصاص المحاكم الإدارية

وسّع مشرع القرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية من النطاق الموضوعي لاختصاص محاكم القضاء الإداري في جوانب معينة خلافاً لما كان منصوصاً عليه أو معمولاً به فيما سلف؛ فباتت المحكمة الإدارية، بمقتضى المادة (20) من القرار بقانون المذكور المُتأثرة بنص المادة (5) من قانون القضاء الإداري الأردني لسنة 2014، تبسط رقابتها على منازعات العقود الإدارية، وهنا لابد من التوضيح أن هذا الاختصاص ينبغي أن يكون كلياً؛ فيشمل المنازعات المحتملة في مرحلة تكوين العقد الإداري أو تنفيذه أو إنهائه، وعدم قصره على مرحلة تكوين العقد.

إلى جوار ما سلف، غَدت المحكمة الإدارية تملك النظر في طلبات التعويض عن الأضرار المترتبة نتيجة القرارات والإجراءات الداخلة في اختصاص المحكمة، وهذا أمر حسن، ومع ذلك وقع إقصاء طلبات التعويض الناجمة عن الأضرار التي تتسبب بها الأعمال الأخرى للإدارة العامة مثل الأضرار التي تتسب بها مركبات الإدارة الناجمة عن حوادث السير، والأضرار المبنية على الخطأ المرفقي وغيرها. وبالتالي، لا تَثريب على المحكمة الإدارية لو كان اختصاصها في دعاوي المسؤولية الإدارية اختصاصاً كلياً،[13] فينبغي التكريس العملي للولاية العامة وليست الحصرية للمحاكم الإدارية في نظر كافة المنازعات الإدارية، وهذا ما يؤيده نص المادة (20/1-ح) من القرار بقانون المذكور، والتي أعطت المحكمة الإدارية الاختصاص بنظر "سائر المنازعات الإدارية".

وقد ضيّق المشرع من اختصاص المحكمة الإدارية بعد كان واسعاً في جوانب أخرى، فمثلاً قصر اختصاص المحكمة الإدارية على نظر الطعون الخاصة "بنتائج الانتخابات" ما لم تكن داخلة في اختصاص محكمة أخرى بموجب القانون، في حين كان اختصاصها في مادة الطعون الانتخابية اختصاصاً كلياَ، يشمل كافة الانتخابات وكافة مراحلها ما لم تكن داخلة في اختصاص محكمة أخرى، وليس مرحلة إعلان نتائج الانتخابات فقط كما أصبح. لذا، ينبغي العودة إلى الولاية العامة لمحكمة القضاء الإداري في مادة الطعون الانتخابية.

يُلاحظ استمرار النص في المادة (20/1-ب) على اختصاص المحكمة الإدارية بـ: "الطعون التي يقدمها ذو الشأن بإلغاء اللوائح أو الأنظمة أو القرارات الإدارية النهائية الصادرة عن أشخاص القانون العام...". فمن جهة اللوائح (الأنظمة) هي قرارات إدارية عامة، فكان من الممكن اختزال كل هذه المفردات بعبارة "القرارات الإدارية"، لتشمل الفردية والعامة. ومن جهة أخرى أبقى المشرع الفلسطيني على احتمالية نشوب تنازع على الاختصاص بين المحكمة الإدارية والمحكمة الدستورية العليا لجهة النظر في اللوائح (الأنظمة)؛ حيث تختص المحكمة الدستورية العليا دون غيرها برقابة دستورية اللوائح (الأنظمة).[14] فكان ينبغي لدرء ذلك، أن يقصر المشرع اختصاص المحكمة الإدارية على نظر اللوائح (الأنظمة) في حال خَرقت قانون عادي، دون يطال اختصاصها النظر في اللوائح (الأنظمة) التي تخرق الدستور/القانون الأساسي، وهذا الحل تبناه المشرع الأردني في المادة (5) من قانون القضاء الإداري لسنة 2014.[15]

وأخيراً، يُلاحظ استمرارية افتقار المحاكم الإدارية في فلسطين للوظيفة الاستشارية، حيث بقيت وظيفتها قاصرة على الوظيفة القضائية، بينما تُقر عديد الدول التي تبنت النموذج القضائي الفرنسي القائم على الإزدواجية القضائية، وظيفتين لفائدة القضاء الإداري، هما: الوظيفة القضائية، والوظيفة الاستشارية.[16]

وعليه، من الأهمية تدعيم اختصاص المحاكم الإدارية في فلسطين، بمدّها بالوظيفة الاستشارية إلى جوار الوظيفة القضائية الموجودة أصلاً، بحيث يقتصر الدور الاستشاري في المرحلة الأولى - على الأقل- على عرض مشاريع اللوائح الإدارية على المحكمة؛ كي تبدي رأيها وتسدي النصح القانوني بشأنها للحكومة قبل إصدارها. لما لذلك من أثر إيجابي على صياغة اللوائح، والتقليل من المنازعات بشأنها؛ باعتبار أن الرقابة الاستشارية هي رقابة وقائية، تستهدف التخلص المسبق من أية عيوب قد تمس اللائحة الإدارية.

ولحين بثّ المحاكم الإدارية بدرجتيها، وتعيين رؤسائها ونوابهم وقضاتها، تبقى الفرصة قائمة لإدخال التنقيحات اللازمة على القرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية، بل توحيد التشريعات الناظمة للقضاء الإداري في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، سيما وأن قطاع غزة تطبق قانون مختلف هو "قانون الفصل في المنازعات الإدارية" لسنة 2016.

وحتى ذلك الحين سوف تتولى المحكمة العليا/النقض في الضفة الغربية القيام بكافة اختصاصات المحكمة الإدارية مطبقة أحكام القرار بقانون المذكور، باستثناء إمكانية التقاضي على درجتين.