الكاتب: العميد أحمد عيسى
درجت إسرائيل منذ قيامها لأسباب سياسية على تعريف الفلسطينيين بسكان الضفة الغربية وقطاع غزة التي إحتلتهما في حرب العام 1967، وكذلك فعل التقدير الإستراتيجي للعام 2020-2021 الصادر في مطلع الشهر الجاري عن معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي (INSS)، الأمر الذي يضعف من موضوعية المعهد ومهنيته، لا سيما وأن نصف الشعب الفلسطيني يعيش بفعل النكبة خارج فلسطين الإنتدابية كلاجئين طبقاً للوثائق الرسمية للأمم المتحدة، ما يحعل منهم حكماً أحد مصادر تهديدات الأمن القومي الإسرائيلي.
وفي تقديمه للنظام السياسي الفلسطيني فقد أبرزه التقدير أنه نظام منقسم إلى نظامين متصارعين، الأول تسيطر عليه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، والثاني تهيمن عليه حماس في قطاع غزة، وتوقع التقدير للعام الجاري أن لا تنجح محاولات تحقيق المصالحة بين هذين النظامين، وأضاف أنه إذا ما نجحت المحاولة الجارية للمصالحة فستبقى الوحدة الفلسطينية وحدة ظاهرية لا أكثر، إذ أن أولوية الطرفين هي المحافظة على ما بحوزتهم من إنجازات، كما أضاف أن الإنتخابات الفلسطينية إذا ما جرت ستكون خشبة لقفز حركة حماس على النظام السياسي الفلسطيني برمته، الأمر الذي سيقود إلى قطيعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
وفي الشأن ذاته كان تقدير العام 2020 قد أشار أنه من غير المتوقع أن تحدث مصالحة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس في عهد الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يصر على تجريد حماس من سلاحها كشرط من شروط تحقيق المصالحة من خلال تمسكه بشعار وطن واحد وقانون واحد وسلاح واحد، الأمر الذي ربما يشير الى خطأ في التقدير الإسرائيلي، لا سيما بعد صدور مراسيم رئاسية تحدد موعد أجراء الإنتخابات التشريعية والرئاسية.
أما حول الوضع الفلسطيني العام فقد لخصه التقدير للعام الجاري في أربع نقاط كما يلي: 1- النظام السياسي الفلسطيني في وضع سيئ وينتظر إدارة بايدن. 2- محاولات فاشلة للمصالحة. 3- الخيارات الإسرائيلية تدور بين المحافظة على الوضع القائم في الضفة الغربية، والتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار طويل المدى مع حماس. 4-توقع فلسطيني لتحسن في العلاقات مع إدارة بايدن.
مقابل ذلك لخص تقدير العام 2020 الوضع الفلسطيني بثلاث نقاط كما يلي: 1- النظام السياسي الفلسطيني المنقسم يواجه مزيد من التحديات. 2- الفلسطينيون في حالة إنتظار لليوم التالي لرحيل الرئيس عباس، والبوم التالي للكشف عن خطةصفقة القرن. 3- مخاطر التصعيد مع غزة تستدعي التوصل لترتيب مع حركة حماس.
وفي تفصيله للوضع الفلسطيني أشار التقدير أن الفلسطينيين قد بدأوا العام الجديد 2021، وقد إنهارت إستراتيجيتم السياسية التي تقوم على دفع المجتمع الدولي الى فرض حل قسري على إسرائيل، نتيجة لعاملين إثنين، الأول موضوعي (خارجي) والثاني ذاتي (داخلي).
ويدور العامل الأول حول أربعة أحداث مركزية تضمنها العام المنصرم 2020، كان أولها رؤية الرئيس ترامب المعروفة بصفقة القرن. وتمثل الثاني في خطة الحكومة الإسرائيلية وإعلان عزمها على ضم 30% من مساحة الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية وفقاً لرؤية الرئيس ترامب. ويتعلق ثالث هذه العوامل بالتطبيع العربي (الإمارات، والبحرين، والسودان، والمغرب) مع إسرائيل. وآخر هذه العوامل يدور حول جائحة الكورونا وتداعياتها الصحية والإقصادية والإجتماعية.
ويتعلق المعيار الثاني بمحدودية قدرة الفلسطينيين على تطوير وسائل لمواجهة التحديات التي انتجتها الأحداث الأربعة المشار اليها سابقاً وما تضمنته من تهديدات، إذ تراوحت هذه الوسائل بين خطاب الدعوة للصمود، ومقاطعة الإدارة الأمريكية، ووقف التنسيق الأمني والمدني مع إسرائيل، ورفض تسلم أموال المقاصة، وتفعيل مسار المصالحة، والدعوة للمقاومة الشعبية السلمية.
وحول المقاومة الشعبية السلمية أشار النقدير إلى أن ضعف إستجابة الجماهير الفلسطينية لدعوات القيادة المتكررة للمشاركة في مواجهة شعبية واسعة، يظهر أن الشعب غير متحمس أو لا يرغب في مواجهة واسعة مع إسرائيل في اللحظة الراهنة، وقد دلل التقدير على ذلك من خلال الإحصاءات الإسرائيلية التي تبين أن أعمال المقاومة في الضفة الغربية قد إنخفضت خلال العام المنصرم بواقع 18,6%، إذ بلغ عدد العمليات ذات المغزي التي نفذت في الضفة الغربية خلال العام 2020 ما مجموعه 35 عملية مقابل 43 عملية في العام 2019، وكذلك الحال بالنسبة لإطلاق الصواريخ من قطاع غزة الذي انخفض بواقع 86,3%، حيث أطلق من غزة خلال العام الماضي 195 صاروخ مقابل 1430 صاروخ كانت قد أطلقت خلال العام 2019.
وحول الفلسطينيين كمصدر للتهديد فأشار التقدير أن الفلسطينيين هم المصدر الأضعف في مصادر تهديد الأمن القومي الإسرائيلي، ففي قائمة التهدايدات للعام الجاري إحتل إحتمال إندلاع مواجهة عسكرية بين إسرائيل وقطاع غزة المرتبة رقم (6)، فيما إحتل إحتمال إندلاع مواجهات واسعة في الضفة الغربية المرتبة رقم (10) اي المرتبة الأخيرة في القائمة.
وعلاوة على ذلك يظهر مؤشر مقياس الأمن القومي للعام الجاري كذلك أن هناك إنخفاض ملموس في رؤية سكان الدولة اليهود لدرجة خطورة الصراع مع الفلسطينيين بما في ذلك الصراع مع حركة حماس في قطاع غزة على إسرائيل، إذ أظهرت نتائج إستطلاع الرأي الخاص بمؤشرات مقياس الأمن القومي للعام الجاري أن ما نسبته (12%) من سكان الدولة اليهود يرون أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو التهديد الخارجي الأكثر تأثيرا على إسرائيل مقابل (8%) يرون أن حماس هي الأكثر تهديداً، فيما كانت هذه النسب في العام 2017-2018 (21%، 13%)، وفي العام 2018-2019 (21%، 14%) وفي العام 2019-2020 (14%،12%).
أما حول خيارات الفلسطينيين في علاقتهم مع إسرائيل فيرى التقدير أن التصعيد قد يكون الخيار الأمثل المتاح للفلسطينيين هذا العام في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك نتيجة لشروط مختلفة في الضفة عنها في غزة.
ففي الضفة الغربية قد تدفع أسباب مثل: (إتساع دائرة التطبيع الإسرائيلي مع الدول العربية، والجمود السياسي، ومواصلة إسرائيل للضم الزاحف في الضفة الغربية، وميل وريث الرئيس عباس إذا ما غادر المشهد الفلسطيني إلى التشدد مع إسرائيل لكسب الشرعية)، الفلسطينيين الى التصعيد لجر إسرائيل إلى رد عسكري عنيف يثير ردة فعل حادة في الأوساط العربية والدولية، الأمر الذي سيكون له تداعياته على اندفاع الحكومات العربية للتطبيع مع إسرائيل ويسرع في نفس الوقت الدعاوي ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية.
أما في قطاع غزة فهناك سيناريوهين إثنين يدور الأول حول التصعيد العسكري نتيجة لتدهور الوضع الإنساني، مما يدفع حماس للمبادرة بتنقيذ عمل عسكري ضد إسرائيل لا ترغب به، أو نتيجة لمبادرة أحد الأطراف المسلحة لعمل عسكري ضد إسرائيل، الأمر الذي سيدفع إسرائيل الى رد عسكري محدود ربما يتطور لرد واسع، ويدعو السيناريو الثاني الى تهدئة طويلة المدي مع حماس.
وفي الختام قدم التقدير ثلاث توصيات للقيادة السياسية في إسرائيل كما يلي:
المحافظة على السلطة الفلسطينية فاعلة وقوية في الضفة الغربية من خلال دعمها صحياً وإقتصادياً.
تطوير أفق سياسي أمام الفلسطينيين وبلورة تفاهم مع إدارة بايدن، يقوم على أساس أن الخيار القابل للتنفيذ في الوقت الراهن هو الإنفصال السياسي والجغرافي والديمغرافي والمحافظة في نفس الوقت على بقاء فرصة لتسوية سياسية مستقبلية تؤدي لحل الدولتين، الأمر الذي يتطلب تقليص الإستيطان شرق جدار الفصل وعدم المساس بالسيطرة الأمنية الإسرائيلية على غور الأردن وحرية عمل الجيش في أرجاء الضفة الغربية، (أي حل مرحلي طويل المدي طبقا للخطة التي قمها المعهد العام 2018)
مبادرة إسرائيل بمساعدة عربية الى إتفاق تهدئة طويلة المدى مع حماس تشمل تبادل للأسرى.
وكان من اللافت أن فرصة التوصل لإتفاق تهدئة طويلة المدى في قطاع غزة قد إحتلت المرتبة الرابعة في قائمة الفرص التي تضمنها التقدير لهذا العام، فيما إحتلت فرصة التوصل لإتفاق مرحلي مع السلطة الفلسطينية المرتبة السادسة.
ملاحظة: الجزء الثاني من المقالة سيدرس الوضع الفلسطيني في ميزان الأمن القومي في سياق الصورة الأوسع التي تتضمن البيئة الدولية والإقليمية والمحلية.