الكاتب: نبيل عمرو
لن أتطرق للدروس المستخلصة من الانتخابات العامة الأولى والتي قاطعتها حماس تحت عنوان لأنها من افرازات أوسلو التي قالت فيها الحركة الإسلامية آنذاك وحلفاؤها أكثر مما قال مالك في الخمر.
الأولى بالتحليل واستخلاص الدروس المستفادة هي الانتخابات الثانية، التي فازت فيها حماس أي خسرتها فتح، والتي اجهضت نتائجها من خلال الاعتقالات الواسعة التي شنتها إسرائيل، وشملت العشرات من أعضاء المجلس إضافة الى عوامل أخرى ستظهر في السياق.
هنالك شيء مشترك بين فتح وحماس ذو صلة بكيفية التعامل مع النتائج ذلك ان الحركتين القطبين فشلتا في قراءتها بصورة موضوعية ... فتح وقعت تحت تاثير صدمة الفشل وحماس وقعت تحت تأثير صدمة الفوز، فحدث الارتباك وسوء التعامل من جانب القطبين.
حين استخدمت مصطلح صدمة الفشل فهو من وجهة نظري التعبير الادق لتوصيف رد فعل فتح على صعيد الموقف والسلوك، لقد وقع الفشل على فتح وانصارها وحلفائها وقوع صخرة ضخمة على سطح ماء راكد والماء الراكد هو مصطلح يرمز الى النوم طويل الأمد تحت لحاف الفوز المضمون دائما في أي انتخابات فلسطينية حتى صارت كلمة انتخابات في وعي الحركة الكبرى وسلوكها مرادفة للنجاح المضمون وغالبا لقلة او انعدام المنافسين المقتدرين، ومع مرور وقت لم يكن بالطويل تقبلت فتح ولكن على مضض النتائج وأخذ رئيسها محمود عباس الحركة المنافسة الى المجلس التشريعي وحصلت على الثقة، وشكلت اول حكومة لها في زمن أوسلو بعد ان تلاشت اللغة القديمة لمصلحة لغة براغماتية جديدة ان لم تقال بحماسة فقد مورست بحماسة اشد.
لم تعالج فتح أسباب هزيمتها بل توغلت في سلوك يؤدي الى مزيد من التدهور في وضعها الداخلي فقد عقدت مؤتمرين عامين خرجت منهما مثخنة بالجراح وعقدت مجلسا وطنيا مر في حياة الفلسطينيين دون ان يترك أثراً باتجاه معالجة شؤون المنظمة وتطوير ادائها، ومضت في رحلة التراجع دون توقف ودون مصارحة للذات، والجميع يعلم الجهد الكبير المبذول في الصراع الداخلي والجهد الأقل في الصراع مع المنافسين والخصوم، وما الحديث الان عن قائمة مشتركة مع حماس وكل الفصائل الا تعبيرا عن ابتعاد الرهان التاريخي لفتح في حسم أي انتخابات بمفردها.
اما حماس فإن صدمة الفوز الذي لم يكن حجمه متوقعا ادار رأس الحركة الإسلامية واصابها بحالة من النشوة التي تفسد التحليل الموضوعي الذي يلزم في وضع كهذا.
كثيرون من قادتها وكوادرها وصناع الرأي فيها ومن حولها ذهبوا الى يقين بأن نتائج الانتخابات جسدت تحولا استراتيجيا في ميزان القوى على الساحة الفلسطينية، ومثلما بالغت في قراءة فوزها وتركيب معادلات عليه فقد فشلت في قراءة وزن فتح في أوساط الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه، كما ان حماس لم تقم وزنا جديا لعلاقات فتح العربية والدولية والتي تحسب لمصلحتها في ميزان تقويم القوى والفاعلية، كما لم تحسن قراءة الحضور البيروقراطي شبه الشامل في مؤسسات السلطة والذي يفوق التسعين بالمائة من المواقع، ما جعل من فوز حماس في الانتخابات العامة امرا غير كاف عمليا لاحتلال نصف المواقع الوظيفية في مؤسسة بلغ عديد موظفيها ما يربو آنذاك عن مائة وستين الف موظف مدني وعسكري.
لقد ذهبت حماس بعيدا في اعتصار نتائج الانتخابات واعتبارها بيعة شعبية مطلقة ودائمة لها في سعيها لاحتلال مكانة فتح من كل النواحي بما في ذلك منظمة التحرير، وقد جانبها الصواب حين لم تعمل بإخلاص لقيادة اول حكومة شكلتها في زمن أوسلو مفضلة ان تكون الحكومة كخلية حمساوية صرفة، كان عليها ان تعمل بجد وإخلاص لتشكيل حكومة ائتلافية تضم كافة او معظم الاطياف السياسية في البلد.
والان ونحن نحاول اجراء انتخابات ثالثة لعلها تساهم في انهاء الانقسام وتأسيس حكومة ائتلافية نموذجية دون ان يكون ممرها قائمة مشتركة قليلة الصدقية، بين يدي الانتخابات الثالثة لا مناص من ان ننتبه الى ما يلي.
أولا.. ينبغي وقف السجال التعبوي حول من المسؤول عن فشل تجربة الانتخابات الثانية مع الاتفاق على فكرة ان الطرفين يتحملان المسؤولية دون التدقيق في النسب
ثانيا.. ان فلسطين الكيان المكتظ بالصعوبات والذي يعاني من احتلال استيطاني عنيد، تحتاج لمن يخلص اكثر مما تحتاج لمن يحكم واذا كان لابد من الحكم فليكن ديموقراطيا في الأساس وممثلا لكل شرائح المجتمع دون قطبية الزامية تفرض على الحالة الفلسطينية بعد كل هذا الجمود.
وأخيرا... لابد من ايجاد وسيلة مضمونة فلسطينيا أولا وعربيا بالرعاية ودوليا كذلك في ان تحترم نتائج الانتخابات مهما كانت، فصدقية النتائج تكون من صدقية نزاهة الانتخابات وفي هذه الحالة لابد وان تحترم.
ما زال لدينا الوقت الكافي للتحضير لانتخابات ليس هدفها تثبيت مصالح احتكارية للقوى النافذة بل الانتقال بالحالة الفلسطينية من وضع التدهور المتلاحق الى وضع افضل يؤهل هذا الشعب بكل قواه وامكاناته لأن يقيم دولة حقيقية.