الكاتب: الدكتور عماد البشتاوي
لم يكن ليخطر بالبال هكذا عنوان, لولا نتائج التصويت في الانتخابات الأمريكية 2020 الأخيرة , بمثل ما آلت إليه من تصويت و توجهات متباينة , تجاه كلا من ترامب و بايدن , فقد صوت 77% من يهود الولايات المتحدة الأمريكية , البالغ عددهم حوالي الستة ملايين لصالح بايدن , و بطريقة انتخاب مباشرة , و ليس من خلال البريد , مما يدل و بكل بوضوح انهم معنيون و حريصون على فوز بايدن و إسقاط ترامب .
وفي المقابل فان أغلبية يهود "إسرائيل" - بحسب استطلاعات الرأي العام التي أجرتها مراكز الدراسات و الأبحاث الإسرائيلية - كانوا يتمنون فوز ترامب . إن هذه الأرقام جديرة بالاهتمام , بل و تستحق الدراسة و التحليل و البناء عليها لاحقاً , كما تجعلنا نعيد النظر في فكرة الانسجام التام و التطابق الكامل ما بين يهود "إسرائيل" و يهود أمريكا , أو ما بين اللوبي اليهودي و الحكومات الإسرائيلية , نعم هناك تقاطع مصالح بين الطرفين, ولكن لم يصل إلى حد التطابق تماماً ,وهذا ما ينطبق بشكل عام على العلاقات الإسرائيلية الأمريكية .
إن الفكرة الشائعة و المتداولة , في عقلنا - الباطن و الظاهر- كعرب, أن هناك تماهياً تاماً ما بين يهود أمريكا و إسرائيل, ولكن كيف نستطيع تفسير ما جرى في الانتخابات الأمريكية الأخيرة ؟ ببساطة إن ما جرى يمكن فهمه و تفهمه من خلال الإقرار أولاً أن اليهود في أمريكا , هم مواطنون أمريكيون تحركهم مصالحهم و حساباتهم الداخلية, حيث ساءتهم سياسات ترامب الداخلية , و لاسيما على الصعيدين الصحي و الاقتصادي – بفعل جائحة كورونا – ومن الملاحظ أنهم لم ينجروا أو ينخدعوا بالسياسات التي أقدم عليها ترامب , و فريقه المتصهين : حيث ان ما يقوم به حالياً (بينس و كوشنير وفريدمان و بومبيو) , وهم في الرمق الأخير من حكم ترامب , لا يمكن تفسيره إلا في إطار" العشق المجنون " لإسرائيل , أو في إطار الإعداد و الاستعداد المبكر للانتخابات الأمريكية القادمة سواء لترامب , أو لأحد أفراد عائلته ,أو أحد أعضاء فريقه.
لقد قدم ترامب و فريقه لإسرائيل , ما لم يقدمه أو يقدم عليه أي رئيس أمريكي : صفقة القرن و القدس و الأغوار و المستوطنات و الجولان , والتطبيع العربي المجاني, والهيمنة الإسرائيلية , وكأننا الآن أمام "شرطي جديد " في المنطقة العربية بل و الشرق الأوسط .
إن ما قام به ترامب , كان مقنعاً ليهود "إسرائيل" , الذين تمنوا استمراره في البيت الأبيض لولاية ثانية , إلا انه لم يكن كافياً لإقناع أكثر من ربع ناخبي يهود أمريكا به و بسياساته تجاه إسرائيل.لا نستطيع تفهم ذلك إلا من خلال استعراض مجموعة من الأسباب لعل من أبرزها : ان يهود أمريكا تاريخياً يصوتون للحزب الديمقراطي ,بغض النظر عن هوية المرشح عن ذلك
الحزب , سواء أكان بايدن أم أوباما أم كلينتون (الزوج ) أو ( الزوجة ) أو غيرهم . فيهود أمريكا يجدون أنفسهم في الحزب الديمقراطي, و برامجه و طروحاته و سياساته. و السبب الثاني ان بايدن لا يقل تعاطفاً إن لم نقل صهيونية تجاه يهود امريكا و تجاه اسرائيل , و هذا واضح , و يمكن الاستدلال عليه من خلال تتبع سيرته و مسيرته السياسية الطويلة , منذ ما يقارب النصف قرن تقريباً . و السبب الثالث : ان شخصية ترامب و سياساته الداخلية المتخبطة و المترددة , تجعل منه حليفاً غير موثوق لهم على المدى البعيد, فهو المنقلب و المتقلب على أقرب مقربيه و حلفائه , فلم الرهان على هذه الشخصية المضطربة "نفسياً و سياسياً", و في المقابل يوجد هناك الشخص الثابت و المستقر ,والذي من الممكن الوثوق به , والرهان عليه .
أما فيما يتعلق بالمصوتين اليهود , فعلى الرغم من ان أغلبية يهود أمريكا صوتوا لصالح بايدن , إلا اننا في المقابل نجد ان أغنياء اليهود قدموا الدعم و التبرعات لكلا المرشحين , و هذه سياسة أغنياء اليهود الدائمة من حيث انقسامهم بين الحزبين الديمقراطي و الجمهوري , حيث أن لهؤلاء الأغنياء أيدلوجياتهم,و علاقاتهم, ومصالحهم, وحساباتهم , والتي ليست بالضرورة متفقة و منسجمة مع باقي اليهود سواء في أمريكا أو إسرائيل .
إن عملية تصويت يهود أمريكا بهذا الشكل, تجعلنا أيضاُ نفكر ملياً في مسألة أخرى , متعلقة بحجم التنسيق ما بين اللوبي اليهودي في أمريكا و إسرائيل , فلو كان اللوبي اليهودي يخضع تماماً للحكومة الإسرائيلية , لوجدنا انحيازاً تاماً لترامب و تصويتاً له و بالأغلبية , ولو كان العكس أي تبعية اسرائيل للوبي اليهودي, لوجدنا غالبية المجتمع الإسرائيلي مع بايدن , ولكن ما رأيناه شيئاً مختلفاً , فيهود أمريكا مع بايدن , ويهود "إسرائيل" مع ترامب .
*أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل – فلسطين