السفير حكمت عجوري
الترحيب الدولي والعربي بالمراسيم التي اصدرها الرئيس الفلسطيني ابو مازن ، ايفائا منه لما وعد به لتحديد مواعيد للانتخابات وما تبع ذلك من تصريح لرئيس لجنة الانتخابات الدكتور حنا ناصر في مؤتمره الصحفي بوصفه للقانون الانتخابي الفلسطيني بأنه عصري كل ذلك يعتبر مبشرا بخير كونه يعيد للنظام السياسي الفلسطيني رونقه بعد ان كاد يذبل بسبب شح مياه التجديد في عروقه بسبب عدم اجراء الانتخابات في مواعيدها بحسب الدستور وتاخيرها لمدة زادت عن عشرة سنوات بالرغم من التجديد الذي شهده الجهاز التنفيذي لهذا النظام وتحديدا في الحكومات ورئاساتها خلال تلك الفتره.
ومع ان الانتخابات اخيرا وصلت ولو متاخره وهذا افضل بكثير من ان لا تاتي الا انه وعلى الرغم من ذلك نرى بان ترحيب الشارع الفلسطيني فيها ما زال دون المأمول علما بان التاخير كان له ما يبرره ويكفي ان نذكر الانقسام الذي مضى عليه اكثر من ثلاثة عشر عاما اوشك خلالها على ان يقسم ظهر النظام السياسي الفلسطيني وظهر المشروع الوطني ، الانقسام الذي وللاسف ما زال قائم وهو ما يبعث على القلق بالرغم من رسالة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، اسماعيل هنية الحاكم الفعلي لغزه في نهاية شهر ديسمبر للرئيس الفلسطيني يخبره فيها بموافقة حركته على اجراء هذه الانتخابات التي يعول عليها انهاء هذا الانقسام.
الانقسام وتداعياته التي تسببت بقلب الاولويات كان سببا رئيسا في حالة الاحباط التي حلت على الشارع الفلسطيني في الوطن وفي الشتات وتسببت ايضا في شجون الحديث الانتخابي الذي اصبح مسموعا وله صدى يتماهى مع وضع العصي في دواليب هذه الانتخابات بتمحوره حول ما اذا سيقبل القطبين فتح وحماس بنتائج الانتخابات وما هو ضمان ذلك لو كانت الاجابه بنعم وما زاد طين هذا الحديث بله في الاعتقاد بان القرار الانتخابي ياتي استجابة لضغوط غير فلسطينيه وهو ما يفقد هذا القرار او هذه الانتخابات قيمة استحقاقها الدستوري والوطني وبالتالي يجعل من الانخراط فيها وكأنه مضيعه للوقت على اعتبار ان النتائج ستكون مجرد استجابة لتلك الضغوط الخارجيه وبالتالي لن تغير في واقع الحال شيء.
ولكن هل نملك ونحن في خضم كل هذه المعاناة الناتجة عن الاحتلال والانقسام والكورونا والتطبيع العربي الرسمي ، هل نملك غير استغلال هذه الانتخابات علنا نصنع منها فرصة للخروج او على الاقل للتخفيف من هذه المعاناة بان نشعل شمعه بدل من ان نسب الظلام وذلك من خلال ضخ دماء قياديه جديدة بافكار جديدة وخصوصا ضمن الفئه العمرية التي تشكل دينامو الفعل في المجتمع الفلسطيني وهي الفئه تحت سن الاربعين والتي ما زالت لم تاخذ حظها لا في صناعة القرار ولا في تنفيذه وعليه وحتى وان كان القلق شر لا بد منه ولن اقول ضروري ونحن تعودنا على ذلك فلا يجب ان نُدخل قلقنا في دائرة الفعل باي شكل من الاشكال وذلك بان يتم تركيزنا حول كيفية تحويل الفرصه الانتخابية الى انجاز ملموس ليعيد هذه الفئه الى قلب الحدث فهم وقود المقاومة وحماتها كما هم وقود البناء وحراس المستقبل واداة انهاء الانقسام الذي يعتبر التهديد الاكبر للمشروع الوطني .
الانتخابات وسيله وليست غاية ولكنها واحده من روافع الديمقراطيه التي تعني حكم الشعب وبدون انحياز الا للافضل وعليه فان في نجاح الانتخابات يعتبر ترسيخ للديمقراطيه كنهج وممارسة، الديمقراطيه التي بسببها نهضت وتقدمت شعوب اكثر من اخرى لانها نظام مبني على اختيار الافضل لمن يرى فيه الناخبون الاكفأ والاقدر على تحقيق طمومحاتهم واساسها العيش الكريم . وحتى لا يكون ما نقوله مجرد اضغاث احلام لا بد من انخراط الكل في عمل جاد خدمة لهذه الغاية .
التغيير بحاجه الى فعل وارادة وهذا يستدعي ان نعطي الانتخابات حقها ترشيحا واقتراعا خصوصا وانها لن تكون انتخابات غير نزيهه بدليل نزاهة القائمين عليها ولنا في سابقتها مثلا وهي التي فاجئت الجميع بنتائجها ولتكن هذه فرصة لمن اطلقت عليهم دينامو الفعل في المجتمع من خلال فرض أنفسهم على الاحزاب /الفصائل القائمه او تاسيس حزب وطني شبابي جديد خصوصا وان هذه الفئه التي تشكل اكثر من اربعين في المائه من المجتمع تمثلت في المجلس السابق باقل من 14% من عدد المنتخبين البالغ 132 عضو.
خمس عشرة سنة تقريبا مرت على اخر انتخابات تشريعيه في فلسطين حصل خلالها ما يجعل من الناخب الفلسطيني اكثر دراية ومعرفة وادراك للتمييز ما بين الغث والسمين عندما يحين موعد الاختيار في الثاني والعشرين من مايو لمن هو الاقدر والاجدر على تحقيق الافضل وذلك ضمن الممكن وهذا مهم جدا لان عصر المعجزات انتهى واننا ما زلنا نعيش عصر انحطاط الاحتلال المجرد من كل القيم الانسانيه كونه يجسد نظام الفصل العنصري بابشع صوره وهو اي الاحتلال والقئمين عليه وعملائه من الفاسدين اخلاقيا ووطنيا الذين لا يألوا جهدا من اجل ابقاء الحال الراهن على ما هو عليه احتلالا وانقسام .
من ما سبق يتضح بان اهم المؤشرات لنجاح هذه الانتخابات هي في كم الانخراط الشعبي في العمليه الانتخابيه من خلال الاقبال على التسجيل في السجل الانتخابي من اجل ان ياخذ كل فلسطيني حظه بممارسة حقه في المشاركه في صنع القرار من اجل تغيير الامر الواقع الذي هو السبب في كل ما نحن فيه ومن اجل ان يتم كل ذلك لا بد من الاختيار الصحيح في ان نبقي على من نعتقد انهم حراس اوفياء وحماة للمشروع الوطني ونغير من نظن في انهم طعنوا هذا المشروع خدمة لمصالحهم الخاصه .
المنتخبين من الاوفياء للمشروع الوطني سيكونون اوفياء ايضا للناخبين بان يعملوا بصفتهم ممثلين لهم على تحقيق طموحاتهم المعيشية والوطنية من خلال مراقبتهم ومحاسبتهم للسلطة التنفيذية المكلفة لفعل ذلك كما سيكونوا اوفياء للدستور حماية وولاء وان يعودوا للناخبين بعد اربع سنوات من اجل ان يعفونهم ويختارون غيرهم او ان يعطونهم فرصة اخرى.
نجاح انتخابات المجلس التشريعي سيكون بحد ذاته مؤشر ومبشر لنجاح ما سيليها من الانتخابات الر ئاسيه وانتخابات المجلس الوطني من اجل ان نحافظ بهذه النجاحات
على شعلة التحرير متوقدة حتى لحظة كنس الاحتلال وقيام الدولة الديموقراطيه ذات السيادة وعاصمتها القدس.