الخميس: 23/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

الفرص والمخاطر أمام القضية الفلسطينية

نشر بتاريخ: 29/01/2021 ( آخر تحديث: 29/01/2021 الساعة: 12:13 )

الكاتب: د. مصطفى البرغوثي



أشاع رحيل دونالد ترامب غير المأسوف عليه، شعوراً عالمياً بالارتياح.
وترافق ذلك، مع سلسلة من القرارات الرئاسية التي اتخذها بايدن، لإلغاء جزء من الدمار الذي سببه ترامب، بما في ذلك عودة الولايات المتحدة لاتفاقية المناخ العالمي، وإلى منظمة الصحة العالمية، وإلغاء بناء الجدار على حدود المكسيك وإلغاء التمييز والقيود على دخول مواطني دول ذات غالبية إسلامية.
وكما كان متوقعاً، لم تشمل القرارات الجديدة، تغييراً جوهريا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بل أكد وزير خارجية بايدن الجديد أنتوني بلينكن تمسك الولايات المتحدة بإبقاء سفارتها في القدس والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، دون أي ذكر لها كعاصمة لفلسطين، مع حديث عام عن تمسك بايدن بحل الدولتين، ودونما إشارة للتوسع الاستيطاني الذي استقبل به نتنياهو إدارة بايدن الجديدة في يومها الأول، ومع ترحيب مبالغ به في عمليات التطبيع بين دول عربية وإسرائيل.
ما هو المتوقـع بعد ذلك؟
حتى لو ألغت الإدارة الجديدة بعض القرارات المجحفة تجاه الفلسطينيين، كإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وأعادت المساعدات المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الانروا) والسلطة الفلسطينية، فإن الإدارة الأمريكية لن تتجاوز الصيغة العامة والمائعة في الحديث عن "مفاوضات" و "حل الدولتين".
وقد نشهد اجتماعات جديدة للرباعية، وحديثا عن بدء مفاوضات جديدة، ولكن الخطر سيبقى متجسداً في استمرار حكم اليمين الإسرائيلي الذي سيواصل في ظل "الحديث عن المفاوضات" تطبيق صفقة القرن والضم من خلال التوسع الاستيطاني، وعمليات التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني وخاصة في مناطق (ج).
وأسوأ ما يمكن أن يحدث أن نعود إلى سنوات أوباما - بايدن من مفاوضات عقيمة بلا نتيجة، تستعملها إسرائيل غطاء للتوسع الاستيطاني ولتغيير الأمر الواقع على الأرض، ولتصفية إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة وتكريس نظام الأبرتهايد العنصري الإسرائيلي على الأرض.
وبذلك يتكرر ما جرى على مدار حوالي ثلاثين عاماً منذ وقع اتفاق أوسلو باستخدام "عملية السلام" كبديل للسلام، و "المفاوضات" كبديل للحل...هذا هو التحدي الذي يواجه الشعب الفلسطيني في طل اختلال ميزان القوى لصالح إسرائيل.
خلاصة القول، لن يحقق الفلسطينيون شيئاً بالعودة للمراهنة على ما فشل سابقاً، أو على حسن نوايا إدارة بايدن، والاستمرار بالتمسك بأهداب المفاوضات.
وفي مقابل استمرار انغلاق الأبواب القديمة، هناك دونما شك فرص كبرى تنفتح أمم الشعب الفلسطيني.
أولها افتضاح منظومة الأبرتهايد العنصرية الإسرائيلية، وخاصة بعد انكشاف ما صار معروفاً "طب الأبرتهايد" في واحد من أسوأ أشكال التمييز العنصري الذي تمارسه إسرائيل في موضوع توفير اللقاحات ضد وباء الكورونا.
وتترافق فضيحة الأبرتهايد، مع عودة التركيز الشعبي في الولايات المتحدة وكثير من دول العالم على مكافحة "العنصرية" و "تفوق العرق الأبيض" وعلى مناصرة "حقوق الإنسان"، ومع التغييرات البنيوية التي يشهدها جيل الشباب في الحزب الديمقراطي ونشوء مجموعة لا تقل عن عشرين عضو كونجرس مناصرون لحقوق الشعب الفلسطيني.
الفرصة المتاحة فلسطينياً اليوم، تكمن في التركيز على ما قلناه على مدار عشرين عاماً، وما تجرأت أخيراً بعض منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية كمنظمة "بيتسيليم" على الاعتراف به، وهو أننا نواجه ليس فقط احتلالا بغيضاً، بل نظام أبرتهايد إسرائيلي كاملاً، يشمل كل مكونات المنظومة الإسرائيلية، ويمارس اضطهاداً عنصرياً ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، والداخل (أراضي 1948)، وضد اللاجئين الفلسطينيين المهجرين بالقوة والمحرومين من حقهم في العودة إلى وطنهم.
لن تستطيع إسرائيل مقاومة الهجوم على منظومة الأبرتهايد برمتها، كما استطاعت أن تفعل سابقاً تجاه نقد الاحتلال بحجة الأمن والاحتياجات الأمنية.
و يتطلب ذلك حواراً فلسطينياً جاداً ، لتحقيق إجماع وطني على هدف الحركة الوطنية الفلسطينية، الذي يجب أن يكون أوسع من مجرد إنهاء الاحتلال الأطول في التاريخ البشري ليشمل إسقاط كل منظومة الأبرتهايد الإسرائيلية، ما يمكن أن يفتح للنضال الوطني الفلسطيني وحركات التضامن العالمية معه آفاقاً بلا حدود.
لكن استثمارهذه الفرصة يرتبط كلياً، بضرورة معالجة الوضع الداخلي الفلسطيني، وتحقيق الوحدة المنشودة سياسياً وتنظيمياً وكفاحياً.
ومع التأكيد مجدداً على أن أحداً لن يعبأ بقضية فلسطين إن لم يضعها الفلسطينيون بأيديهم وبنضالهم على الساحة العالمية والمحلية "من منطلق أنه "ما حك جلدك مثل ظفرك".
لتحقيق ذلك، لا بد من معالجة فورية لحالة الانقسام بما يضمن إنجاز الانتخابات الديمقراطية التشريعية والرئاسية وللمجلس الوطني الفلسطيني في إطار إنهاء الانقسام وليس بمعزل عنه.
فإجراء انتخابات مع استمرار الانقسام سيهددها بالفشل ، وإن تمت فستكون نتيجتها تكريس الانقسام بدل إنهائه.
ولا يجوز النظر للانتخابات التي طال انتظار الشعب الفلسطيني لها بعد أن حرم منها لأربعة عشر عاماً، باعتبارها مجرد فعل لتجديد للشرعيات، بل يجب أن تكون أداة لتقوية البنيان الفلسطيني في مواجهة إسرائيل والاحتلال و نظام الابرتهايد والمؤامرات على القضية الفلسطينية.
هناك فرص كبيرة، وهناك مخاطر، وبإمكان الشعب فلسطيني أن يغلب الفرص على المخاطر إن توفرت النية والإرادة الصادقة لمن يحملون لواء المسؤولية.