الكاتب: مصطفى إبراهيم
في حمى الحديث الإيجابي عن الانتخابات وآمال وأحلام منسية، وقد تظل منسية حتى لو أجريت، وفي تنافس الوعود التحررية والاقتصادية والاجتماعية بحياة أفضل، كما تلك الوعود في بداية قيام السلطة الفلسطينية. تطرح الأسئلة حول قدرة المجلس التشريعي القادم والحكومة التي ستشكل على تغيير حياة الناس في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهل ستكون كالحكومات السابقة العاجزة والفاشلة، وادعائها بأنها انتهجت سياسات تقشفية لتعزيز صمود الناس، ولم نشعر أنها تقشفية ولم تحقق مبدأ عدالة التوزيع، أو حتى تحقيق العدالة واغتصاب مؤسساتها ومرافقها والتغول عليها. وما هي القدرة على تغيير التفكير في سياسات النظام الصحي والرعاية الصحية، والنظام التعليمي، والسياسة الإعلامية الفاشلة والاعتداء على الحريات العامة والقوانين المقيدة، لحرية الرأي والتعبير، ورعاية الأطفال وحمايتهم، وهل ستظل تلاحق الأطفال المتسولين بدل من الحد من ظاهرة التسول وزجهم في السجون. والخشية أن الذهاب إلى الحوار في القاهرة سيتركز على عض الأصابع ومصمصة الشفايف، في انتظار تجاوز العقبات والتحديات الداخلية، والدعاء على المعطل. وما دمنا نتحدث عن الانتخابات والوعود، فنحن نتحدث عن حركتين تحتكرا النظام السياسي، واحدة تحكم منذ نحو ثلاثة عقود، والأخرى تحكم منذ عقد ونصف، وما هي الوعود والسياسات، وهي سياسات متضاربة، وما عادت تتقاطع مع الهموم الوطنية لعموم الفلسطينيين. الأحلام المرجوة على هامش الانتخابات بلا نهاية ستفقد جاذبيتها مع بدء الدعاية الانتخابية، والانقطاع بين الواقع والأحلام وشؤون الناس وهمومهم التي باتت كارثية على الغالبية من الفلسطينيين ولم تنتهي. الحقيقة التي لم تقنع الناس برغم أحلامهم بالتغيير لم تكن السياسات السابقة بريئة، فكيف ستصبح بريئة وصادقة. فالفصائل خاصة طرفي المعادلة وهما الأقوى والأكثر قدرة على التظيم وامتلاك الموارد والإمكانات لم تعد تخاطب مصالح عموم الشعب الفلسطيني أو مخاوفه، بل هي تغذي مخاوف الفلسطينيين بالتوافق على إجراء انتخابات تصلح أن تكون انتخابات محلية تمثل جزء من الشعب الفلسطيني. فلنفكر في قدرة الفصائل في حوار القاهرة على التأثير في بحث القضايا العالقة والتحديات الداخلية والخارجية أمام الانتخابات، والخشية ماثلة من تفجير الانتخابات وخاصة ما يتعلق بالتعديل على قوانين القضاء، وتأثير ذلك على تشكيل محكمة قضايا الانتخابات، والمطالبة بإلغاء المحكمة الدستورية، وغيرها من القضايا التي قد تعتبرها الفصائل هامشية، كالكوتة النسائية مثلا، أو تخفيض سن الترشج للشباب من 28 عاماً الى 25 عاماً. وفي ضوء ذلك، وفي الحد الأدنى، بات يمكن القول إن تأثير ما حصل ويحصل منذ نحو عقد ونصف بين السلطتين الحاكمتين وعموم الفلسطينيين والتفرد بالسلطة والتنافس على السيطرة والاستحواذ عليها. والمؤشرات تدل على استمرار تفردهما على النظام الفلسطيني سيستمر. وأن ضجيج الآمال والأحلام ووعود التغيير قد يكون ثأريا انتقاميا، وسيشكل عبئا جديداً على القضية، ويعقد المشهد أكثر ومن سيكون ممثل للفلسطينيين على تجديد شرعية سلطة الحكم الذاتي وتعاقداتها. من يعيش الواقع برى فداحة المشهد، والذهاب بهذه الوجهة لانتخابات في غزة والضفة، قد تنتج واقع أفدح، مرات عديدة أعيد التفكير في هذه الوجهة وتكرار جلسات الحوار التي تشق طريقها بالرجوع للخلف والتضاد مع ما يجري على أرض الواقع، وملفات معلقة مع سبق الاصرار، ولا يعكس المصلحة الوطنية واشراك عموم الفلسطينيين بتقرير مستقبل النظام الفلسطيني ومصيرهم. الخشية في أن نتائج الانتخابات قد تكون عواقبها غير مامونة، وأن الحل قد لا يأتي، وإعادة ترديد الشعارات القديمة ووعود الأحلام، والعيش في النوستالجيا قد تكون نتائجها محزنة، وانتظار انتخابات إسرائيلية ستفرز حكومة أكثر استيطاناً وتطرفا وتعنتاً وتنكرا للحقوق الفلسطينية ولا يعرف كيف سيواجهها الفلسطينيين.