الكاتب: د. رمزي عودة
لم يكن مفاجئاً إصدار بطريركية الروم الارثوذكس المقدسية بيانا تدعو فيه الرعايا المسيحيين الفلسطينيين الى سرعة التسجيل في السجل الإنتخابي، والإنخراط في الواجب الوطني المفضي الى الإقتراع بإعتباره حقاً أساسياً من حقوق المواطنة لا يجب التخلي عنه. وقد أكدت البطريركية في دعوتهاإنطلاقاً من الحرص الوطني والأخلاقي على أهمية ممارسة المسيحيين الفلسطينيين لحقوقهم السياسية تسجيلاً وانتخاباً،بإعتبارهم أفراداً كاملي العضوية في المجتمع الفلسطيني، وجزءاً لا يتجزأ من هذا المجتمع العظيم على حد وصف البيان. من جانب آخر، فقد حثت هذه الكنائس في موعظة الأحد رعاياها على الإسراع في التسجيل الإلكتروني في السجل الانتخابي، والتأكيد على المواقف الوطنية للكنائس المسيحية في النضال ضد الإحتلال الصهيوني إنطلاقا من أن المشاركة في الإنتخابات مدخلآ للوحدة الوطنية وأداة للتأكيد على الهوية الفلسطينية النضالية الإسلامية المسيحية الموحدة.
إن المسيحيين الفلسطينيين يتوزعون في المناطق الفلسطينية بنسب متباينة في عدة مدن فلسطينية من بينهابيت لحم ورام الله ونابلس وأريحا، وقطاع غزة ، حيث يعيش45 ألف مسيحي في الأراضي المحتلة منذ عام1967، موزعين بين الضفة الغربية التي يقطنها 40 ألفاً، وقطاع غزة الذي يقطنه850 مسيحياً، والقدس التي تضم أقل من 4000 منهم"
في الواقع، لا يعتبر المسيحيين الفلسطينيين أقلية في المجتمع الفلسطيني، لأنهم شكلوا تاريخياً نسقاً ثابتاً وراسخاً من مكونات الهوية الفلسطينية العربية، ولم يعتبروا أنفسهم قط بأنهم مختلفون أو متمايزون عن النسق الفلسطينيي الذي يعيشون فيه منذ أزل التاريخ. وفي السياق، فإن المسيحيين الفلسطينيين إنصهروا على مر التاريخ الفلسطيني القديم والحديث في حماية المشروع الوطني الفلسطيني، وباتوا يمثلون مكوناً رئيساً من مكونات الهوية الفلسطينية النضالية. في الإطار السابق،فقد قاد المسيحيون العرب الفلسطينيين تاريخياًجانباً مهماً من أعمال المقاومة ضد المشروع الصهيوني، ولعل أعمال الأديب المناضل خليل السكاكيني خير شاهد على بداية نشر الوعي الجمعي بخطورة المشروع الصهيوني على فلسطين منذ بواكير القرن العشرين. كما أن ثلاثة من أهم مساعدي الحاج أمين الحسيني كانوا مسيحيين هم: إميل الغوري وعزت طنوس وعيسى نخلة. ولا يمكن في هذا الإطار أن ننسى التاريخ النضالي الكبير للمطران غوريوس الحجار مطران الملكيين في عكا والجليل والذي لقب بمطران العرب، وقد تم اغتياله بحادث مفتعل بسبب أعماله النضالية ضد قرار التقسيم وضد المشروع الكولينالي الصهيوني.والأسماء والأرقام لا تحصى عن أهمية الدور المسيحي العربي في مقاومة المشروع الصهيوني حتى هذه اللحظات، وما جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ورفيقه وديع حداد، ونايف حواتمة، الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وكمال بطرس ناصر شاعر حركة فتح، الا أمثلة حية عن عروبية المسيحيين الفلسطينيين ونضالهم المستمر لصالح تحرير الأرض الفلسطينية وبناء الدولة المستقلة. وبالضرورة، وكما أخبرني الأب عبدالله يوليو رئيس دير الروم الملكيين الكاثوليك في رام الله، فإن المسيحيين الفلسطينيين هم مسيحيين عرب؛ كانوا ولا يزالون جزءاً من الشعب العربي الفلسطيني يمتزجون به ويدافعون عن قضاياه، وكنتيجة لذلك، يتابع الأب يوليو، فإن إنخراطهم في العملية الإنتخابية يعتبر واجباً وحقاً من حقوقهم كمواطنين تماماً كعموم الفلسطينيين.
من جانب آخر، لا توجد بيانات دقيقة حول نسب التسجيل والإقتراع للمسيحيين الفلسطينيين في الإنتخابات التشريعية السابقة. الا أنه يمكن توقع أن نحو 33 ألف منهم سيقترعون في الإنتخابات التشريعية في أيار القادم (نحو 71%)، حيث يشير الباحث علاء لحلول بأن نسب المشاركة للمسيحيين الفلسطينيين في التسجيل والإقتراع لا تختلف عموما عن مثيلتها عند عموم الشعب الفلسطيني. وفي السياق، فإننا نتوقع إقبالاً واسعاً لمشاركة المسيحيين الفلسطينيين لاسيما في مدينة القدس المحتلة، حيث سيكون لتسجيلهم وإقتراعهم لاحقاً أهمية كبيرة في إبراز الهوية المسيحية الفلسطينية في هذه المدينة. هذا من جانب، ومن جانب ثاني، فإن تزايد التسجيل والإقتراع للمقدسيين بشكل عام في المدينة المقدسة يعني فيما يعنيه رفض إجراءات التهويد والتأكيد على أن القدس ستبقى مدينة عربية عاصمةًلدولة فلسطين. ومن جانب ثالث، فإن تصويت المسيحيين الفلسطينيين في الإنتخابات القادمة لصالح المشروع الوطني الفلسطيني سيمثل خطوة في الطريق الصحيح نحو إطلاق الحريات وحماية حرية الإعتقاد وبناء دولة المواطنة. وكخلاصة، فإنه الى الآن لم يصدر السيد الرئيس محمود عباس مرسوماً يحدد الكوتا المسيحية في الإنتخابات التشريعية القادمة. وبالضرورة، فإن إصدار هذا المرسوم سيساعد في إرتفاع نسب التسجيل والإقتراع للمسيحيين الفلسطينيين، كما أنه سيساعد الأحزاب السياسية على وضع آليات مناسبة لتضمين مرشحين مسيحيين في قوائهم الإنتخابية وفقاً للحد الادني الذي يحدده المرسوم المتوقع لحماية التمثيل المسيحي في البرلمان المقبل.