الكاتب: راسم عبيدات
صباحات المقدسيين تختلف عن أي صباحات أخرى،فهم يواجهون الإحتلال بكل تمظهراته الأمنية والعسكرية والإجتماعية والإقتصادية والتعليمية،وهذا الإحتلال الذي يحاول أن يتمدد على جغرافيتهم ويحتل حيزهم المكاني ويلغي وجودهم في مدينتهم ويقصيه،في حرب تدور على السيادة والوجود يستخدم فيها المحتل كل أجهزته الأمنية والمدنية...ويحارب المقدسيين في أدق تفاصيل حياتهم اقتصادية واجتماعية ويضخ الأموال بالملايين والمليارات ل " صهر " و" تطويع" و" تجريف" وعيهم .....المقدسيين يقفون وحيدين في ساحة المواجهة بعيداً عن التنظير والشعارات الكبرى فلسطينية وعربية،المقدسيون متسلحين بالإرادة والأمل ولكن هذا لا يكفي،بل عليهم اجتراح طرق وآليات تمكنهم من الصمود ومواجهة مخططات طردهم وتهجيرهم ونفي وجودهم،فالمبادرات الشعبية بجمع التبرعات لمساعدة المتضررين من عمليات هدم منازلهم بواسطة جرافات وبلدوزرات الإحتلال خطوة جيده بحاجة للتعميم وكذلك التكافل والتضامن الإجتماعي يجب تعميقه وتفعيله بشكل اوسع وأشمل.
الإحتلال يعمل على تنفيذ خطة تسير في مسارين متوازيين،هدم منازل المقدسيين،وتكثيف الإستيطان و" تسمين" المستوطنات القائمة،وعلينا فقط ان نذكر بأن شهر شباط على الرغم من قصرة،لكنه شهد تكثيف في عمليات القمع والتنكيل بحق المقدسيين،حيث بلغ عدد المقتحمين للمسجد الأقصى من الجماعات التلمودية والتوراتية 2122 مقتحم،ما يقارب ثلاثة أضعاف المقتحمين في كانون ثاني الماضي،وسجلت 134 حالة إعتقال في القدس وعملية إبعاد واحدة عن القدس و21 عملية إبعاد عن الأقصى والبلدة القديمة.وكذلك جرى هدم 15 بيت ومنشأة في مدينة القدس وضواحيها.
عمليات الهدم والإخطارات بالهدم لا تتوقف وعلى مدار الساعة،مترافقة مع الإستيطان.
فهناك مخططات تسريع المشاريع لتوسعة المستوطنات في شمال المدينة وجنوبها،والترويج لخطة استراتيجية لتعزيز مستوطنات،"بسجات زئيف" و"رمات شلومو" في شمال المدينة،و"جيلو" و"جفعات همتوس" في جنوب المدينة.
وتقدر تكلفة تنفيذ الخطة بنحو 400 مليون شيكل في مستوطنة بسغات زئيف.
وحسب لجنة التخطيط والبناء في بلدية الإحتلال أنه سيتم بناء نحو ٩٣٠ وحدة سكنية إضافية في المستوطنة، كجزء من الخطة على أن يبنى فيها 680 وحدة سكنية، وحوالي 250 وحدة سكنية فاخرة.
وأشارت إلى أنه سيتم تطوير نظام المواصلات بتكلفة تزيد عن ٢٧٧ مليون شيكل، للتخفيف من حركة المرور بين مستوطنة "بنيامين" خلف جدار الفصل، و"بسغات زئيف".
ويشمل المخطط إنشاء كورنيش وتطوير الشوارع، بحوالي ٥٢ مليون شيكل، وإنشاء حديقة طبيعية حضرية، لمستوطنة بسغات زئيف، ومدينة القدس.
إضافة لبناء مكتبة مجتمعية ومتنزه للمشاة على طول شارع القوات الجوية، وبناء Sportek في قطعة أرض رقم ٧٠ وملاعب، وملاعب لكرة السلة، ومجمع مرافق للياقة البدنية والنينجا.
وحسب الخطة فإنه سيتم أيضًا إنشاء أطر غير رسمية في مجالات مختلفة مثل: فنون الأداء، والاستوديو والصوت، جنبًا إلى جنب مع التكنولوجيا وريادة الأعمال للشباب.
وتحت مسمى "أنشطة للشباب" رصدت البلدية الإسرائيلية مليون شيكل، لإنشاء قريتين طلابيتين أخريين "لخلق تجربة طلابية ولجذب الشباب".
والمسألة ليست وقفاً على هدم المنازل والإستيطان،بل نشهد عمليات تطهير عرقي ترتقي الى جرائم حرب في حي بطن الهوى في سلوان وكرم المفتي في الشيخ جراح،حيث مخاطر الطرد والتهجير تهدد اكثر من 80 عائلة مقدسية هناك ،و19 عائلة في "كرم الجاعوني" بحي الشيخ جراح ،والتي جرى إمهال اصحابها حتى الثاني من شهر أيار القادم،لكي تُخلي بيوتها لصالح المستوطنين،تحت حجج وذرائع بأن الأرض هي ملك لليهود.
ولعل المقدسيين،لا تكفيهم مشاريع الطرد والتهجير،وخاصة في منطقة الشيخ جراح،والمستهدفة ليس فقط تهويد المنطقة،بل خلق حزام إستيطاني يعزل شمال المدينة عن مركزها،فبالسيطرة على كرم المفتي ،ومنطقة ما يسمى بقبر الصديق شمعون يتواصل الإستيطان مع الوحدات الإستيطانية المقامة على أنقاض بيت المفتي السابق الحاج أمين الحسيني،وقصره الذي سيجري تحويله الى كنيس يهودي،ويتجه الإستيطان نحو مبنى ما يسمى بداخلية الإحتلال في واد الجوز،المستهدف بمشروع " وادي السيلكون" الذي يضمن هدم وترحيل أكثر من 200 ورشة صناعية وتجارية وإقامة فنادق بدلاً منها وصناعات دقيقة ومتطورة في " الهايتك" وغيرها...وهذا يضرب ويكون بديل للحركة السياحية والتجارية والإقتصادية في مركز مدينة القدس وبالذات بلدتها القديمة،ومن الجهة الغربية سيمتد الحزام الإستيطاني نحو معسكر حرس الحدود وكبانية ام هارون المستهدفة سكانها بالطرد والإخلاء والتهجير القصري ومن ثم يربط الحزام مع شارع رقم واحد وغربي المدينة.
وعلى الجبهة الأخرى الموازية لجبهة هدم المنازل وتكثيف الإستيطان والتهويد،يعمل المحتل على تحطيم واختراق جدار الوعي لأبناء مدينة القدس وبالذات الفئات الحية منهم،الفئات الشابة،عبر مؤسسات متخصصة بذلك ،تغسل أدمغتهم وتغيير قناعاتهم وتسيطر على ذاكرتهم الجمعية،وتغرس في أذهانهم روايتها التلمودية والتوراتية بدل الرواية العربية الفلسطينية،فالتعليم يجري أسرلته عبر إحلال المنهاج التعليمي الإسرائيلي بدل المنهاج الفلسطيني،وإحلال المراكز الجماهيرية بدل الأندية والمؤسسات الشبابية الفلسطينية،وبما يضمن " كي" و"صهر" و" تطويع" و"تجريف" وعي أبنائنا،والذين ستتولد عندهم صراعات داخلية،حول مشروعية نضالاتهم وحقوقهم،وصدق روايتهم،وهنا الخطر الداهم والجدي في خلق المقدسي الجديد المفرغ من إنتمائه الوطني والمشوه الفكر والقناعات،والمبتعد عن خوض معارك الدفاع عن حقوقه ووجوده وروايته وتاريخه وكل تجليات وجوده .
حماية وإنقاذ القدس والمقدسيين وتعزيز صمودهم وبقائهم في قدسهم وعلى أرضهم، لا يكون أبداً عبر الشعارات الفارغة وترداد الإسطوانات المشروخة " القدس خط احمر" و" القدس عاصمتنا الأبدية" ،نحن نحتاج الى فعل حقيقي يترجم مثل هذه الشعارات،أبعد من الجانب المعنوي والسياسي،نحتاج الى أن تكون القدس حاضرة في كل عمل هيئات ومؤسسات المنظمة والسلطة، نحتاج الى خطة ممنهجة تدعم صمود وبقاء المقدسيين،وبالذات في قطاعات التعليم والإسكان والصحة والقطاع التجاري...نحتاج الى دبلوماسية فلسطينية فاعلة تعيد بوصلة العرب والمسلمين نحو القدس ...نحتاج الى قيادات ومرجعيات منخرطة في العمل وتعبر عن نبض الشارع المقدسي وملتحمة مع همومه وألآلامه...نحتاج الى بتر أيدي المرتزقة والفاسدين،ممن يتسولون باسم القدس ويسيئون للقدس والمقدسيين،نحتاج الى من يزرع الأمل ويشحذ الهمم في نفوس الشباب،بأن الإحتلال طال الزمن أو قصر الى زوال.