الكاتب: مصطفى ابراهيم
في وقت يشتد فيه الصراع في فلسطين مع الاحتلال الاسرائيلي الإستعماري الإستيطاني تتزايد الانتهاكات والاعتداء على الحريات العامة، والتعسف ضد منظمات العمل الأهلي، ومنذ نشأة السلطة الفلسطينية، هناك سياق تاريخي من محاولات السيطرة والهيمنة على منظمات المجتمع المدني، ومحاولات التهميش والاستقطاب والسيطرة عليها من قبل السلطة، وأدواتها الأمنية.
وعلى الرغم مما قامت به المنظمات الأهلية من أدوار وطنية سابقة على قيام السلطة، لم تسلم من الملاحقة طوال فترة عملها منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية وحتى الآن، والقرار بقانون بشأن تعديل قانون الجمعيات ليس الاول ولن يكون الاخير لملاحقة وتهشيم منظمات المجتمع المدني.
ويحدث ذلك في ظل إعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق بجرائم حرب في فلسطين، والمفارقة الصادمة أن السلطة الفلسطينية تخنق منظمات المجتمع المدني في ظل تميزه وعدم قدرة السلطة على إخضاعه وعمله الدؤوب في ترسيخ أسس الديمقراطية وفضح الانتهاكات، ولا يزال يتسم بخصوصية كبيرة لما لعبته تلك المؤسسات من دور وطني كبير في مقاومة الإحتلال.
يتسائل الفلسطينيون: لماذا الأن؟ إصدار قرارات بقوانين بشأن تعديل قانون الجمعيات الخيرية والأهلية، وقرار بقانون تأجيل الانتخابات في النقابات والمنظمات الشعبية، وهي قرارات تقوض قدرة المجتمع على الصمود وتقويض مسارات الانتخابات؟ لماذا الان وهل ما يجري هو تمكين المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني والسيطرة على ما تبقى من المجتمع الفلسطيني؟
المجتمع المدني الفلسطيني أيقونة، وساهم ولا زال في تعزيز صمود الفلسطينيين، ولعب دورا مميزا في بناء المجتمع الفلسطيني، وشكل إضافة نوعية في التطور الاجتماعي والثقافي والوطني والسياسي من خلال النهوض بالفئات المهمشة والخدمات التي تقدمها لقطاع كبير في المجتمع الفلسطيني خاصة مناطق "بي وسي" والأغوار والتي لم تقم السلطة بدورها في تعزيز صمود الناس ومقاومة الاحتلال.
استطاعت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية أن تضع دولة الاحتلال في الزاوية وتجعلها خارجة على القانون الدولي، وتحاول الأن العمل بكل قوة من أجل إحباط قرار المدعية العامة وتعيش في ارباك وقلق حقيقي، وقادتها مطلوبون للعدالة الدولية.
وفي الوقت الذي شرغت فيه دولة الاحتلال، بحملة ضغط سياسية ودبلوماسية، لمواجهة تحقيق المحكمة الجنائية الدولية ومحاولة إلغاء أو تعطيل التحقيق في جرائم حرب إسرائيلية ارتكبت في فلسطين المحتلة.
تعترض السلطة الوطنية طريق منظمات المجتمع المدني لإخضاعه، وتقوض قدراته باصدار قرار بقانون لتعديل قانون الجمعيات، مع العلم ان المجتمع المدني الفلسطيني خاصة منظمات حقوق الإنسان تتعرض لهجمة شرسة منذ سنوات لوصمها بـ "دعم الإرهاب" واللاسامية من جهة، بعض الممولين الذين يتعرضون لضغوط هائلة من دولة الإحتلال، وتجفيف تمويلها بوضع شروط وقيود.
ومن جهة أخرى ما تقوم به دولة الاحتلال واذرعها المختلفة، سواء موقع المونيتور الإسرائيلي الذي يراقب كل نفس لمنظمات حقوق الانسان الفلسطينية. أو وزراة الشؤؤون الاستراتيجية التي تقوم بدور كبير لمواجهة المجتمع المدني وتشويه بالتعاون مع عشرات المنظمات غير الحكومية الاسرائيلية والغربية.
ومع ذلك منظمات المجتمع المدني الفلسطينية لم تنتظر إنهاء الانقسام وعقد المصالحة، ولا تزال تخوض معركتها الأخلاقية والقانونية ضد دولة الاحتلال، وتقوم بدورها ولديها القدرة والقوة على خوض معركتها والاستمرار فيها، وهي مؤمنة بالتضامن ومناصرة ومساندة مبادئ الحرية والحق والعدالة لملاحقة دولة الاحتلال وانصاف الضحايا.
ويبدو الأمر أن قرارات السلطة الفلسطينية سواء كانت بقصد او بدون قصد انها تعمل على تمكين المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني، مقابل المشروع الوطني الذي فقد هويته وملامحه الوطنية بوجود القيادة السياسية التي بقراراتها تحتقر الفلسطينيين وفقدت شرعيتها ومشروعيتها.
السلطة تكمل مشوار دولة الإحتلال في الإجهاز علي المجتمع الفلسطيني وتجريف الحياة السياسية والقيمية والقانونية. وما يجري يثير الشك والريبة وخاصة ان دوافعه وأدواته سياسية وإلا ما هي الغايات من محاربة المجتمع الفلسطيني بدء من قطع الرواتب وفرض العقوبات التي فرضت على قطاع غزة، وإفقار الناس، والمراسيم والقرارات بقوانين، وحل المجلس التشريعي والهيمنة على السلطة القضائية.
وغيرها من الإجراءات غير القانونية والأخلاقية، ما يجري من تدمير لأسس واركان المجتمع الفلسطيني وضرب صموده، ليست مصادفة وهي غريبة مثل حال السلطة الفلسطينية وحكومتها التي انهكت المجتمع الفلسطيني وتلاحقها شبهات الفساد والمحسوبية، وامتهان وإنتهاك سيادة القانون لشعب حر يسعى للحرية.
الفلسطينيون انتظروا من السلطة الفلسطينية اطلاعهم على خططها لمواجهة الحملة المسعورة التي تقودها دولة الاحتلال ضد الفلسطينيين، وضد كل من يحاول مواجهتها، إلا أنهم وجدوا خلال الانتظار قرارات تحتقر نضالهم وصبرهم على الاستبداد والتفرد والهيمنة، ومزيد من التغول والإقصاء.