الإثنين: 18/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

في عيدهن يزهر آذار

نشر بتاريخ: 08/03/2021 ( آخر تحديث: 08/03/2021 الساعة: 00:48 )

الكاتب:

الكاتب : د. إياد إشتية

كالعادة، أتى الثامن من آذار، يحمل عنوان يوم المرأة العالمي.. وكالعادة ايضاً، يمر هذا اليوم بلا إشكالية، لا جديد يذكر، لا أصوات سوى من بعض القلة اللواتي نراهن في الثامن من آذار فقط الا من رحم ربي، في ذات الكلام، قي ذات الشعارات، في ذات المشهد، في ورشة العمل المنددة، في المطالبات، في التوصيات، كل ما يختلف في الثامن من آذار هو الرقم الأخير من التاريخ الموجود على يافطة اللقاء، هو الثامن من آذار.. هو يومهن.

أتابع ما قد تحمله شمس هذا اليوم من جديد، لعل في طياته التغيير، رأيت وسمعت وقرات شعارات ديمقراطية مكررة، تنظير ومداخلات رجالية تحمل عنفوان الذكورة وجبروتها، تقال في بعض الاجتماعات والندوات والمقابلات عن ما يسمى حقوق المرأة بابتسامة مجاملة ودية ووردية تجنباً من الحرج والوقع في المحظور، هم ذاتهم النخبويون الرجال أعادوا كلام العام الماضي، والنخبويات وجدن أنفسهن داخل ثنائية مغلقة، والغالبية العظمى استمتعوا بقضاء الاجازة في هذا اليوم، والمرأة زاد حملها، من متطلبات المجازين، كانت تعمل في بيتها من ثلاث الى أربعة ساعات، وفي هذا اليوم ارتفعت الوتيرة الى أكثر من عشر ساعات، فهو يوم العطلة، اقصد يوم المرأة.. هو عيدهن..

في الثامن من آذار.. هو عيد الميلاد الثاني لفايروس كورونا.. التي باتت تتحمل المرأة العبء الأكبر من مهام رعاية الأطفال بعد تفشي الوباء، فزادت الضغوط النفسية بسبب محاولاتهن اليائسة للتوفيق بين العمل وحياتهن الشخصية، عدا عن معاناتهن في التعليم الالكتروني، اذ باتت المرأة الام والزوجة والاخت تتحمل أعباء شاقة جديدة تضاعف أدوارها السابقة، هذا إضافة ما تقوم به من مهام منزلية وعملية داخل دوامها، بل إنها تؤدي أدوار المعلم والمرشد، في وقت ربما يكون لديها أكثر من ابن وابنة في مراحل التعليم المختلفة يتلقون دروسهم في الوقت نفسه.

عاد الثامن من آذار.. وما زالت الأوضاع الراهنة التي يشهدها أغلب بلدان العالم العربي ومدى التصاعد الخطير للحركات التكفيرية المختلفة، المدعوم في بعض الأحيان بالقمع والاستبداد في العقلية الذكورية في بعض المجتمعات العربية قد جعلت من قضية المرأة وضرورة قيامها بدور فاعل على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي قضية مصيرية للملايين من النساء، فتطلع الانسان للعيش في عالم خالٍ من الظلم الاجتماعي تحتم وتدفع وبقوة لأن تكون المرأة في مواقع صنع القرار والمشاركة في العملية السياسية والمشاركة الفاعلة في سن التشريعات والقوانين في المجتمع وكيفية التأثير في وضع حد للتمييز القانوني السائد في قوانين وتشريعات أغلبية الدول العربية والإسلامية بحق المرأة، وإقرار مبدأ تساوي الفرص بين المرأة والرجل في العمل والواجبات والحقوق، والاسهام في تغيير قوانين الأحوال الشخصية والتي تتشكل غالبيتها من بنود تعزز انتهاك حقوق المرأة وتكرس النظرة الدونية لها بالاستناد إلى تفسيرات غير دقيقة للنصوص الدينية والعادات والتقاليد القبلية والذكورية، وفرض الالتزام بالاتفاقات والمعايير والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق المرأة ومساواتها، وحمايتها من العنف المنزلي ومن السلطة الذكورية، ومن التمييز على أساس الجنس والقتل تحت ذريعة الشرف وغسل العار، وتشريع قوانين مدنية وحضارية، معاصرة تتناسب وحجم التطورات التي يشهدها العالم بشكل عام.

قالت لي إحدى الصديقات، من اللواتي يحملن هم المرأة العربية، "إن تحسين أوضاع المرأة لن يتم من خلال إجترار حلول منتهية الصلاحية وأثبت الزمن عدم جدواها، فالقوانين التي تعطي نصف صوت للمواطن، وتنقص من حقه، وتصنفه بنصف عقل، وتقلل من شأنه، وتشكك في قدراته، فهي بالتأكيد قوانين لم تعد صالحة لزمن يتمتع فيه كلاب العالم المتطور وقططه بحقوق أكثر من تلك التي تحصل عليها نساء العرب وحتى رجالهم".

لقد آن الآوان أن نكف عن الابتذال في قضايا المرأة، فقضاياها المعلّقة ليست دينية بل قضايا حقوقية بحتة، ويجب أن تًعامل طبقاً للمواثيق العالمية التي تضمن حقوق الإنسان، وتؤمن حريته، وتحفظ كرامته، والتي أقرّتها جميع دول العالم شرقاً وغرباً، ومن ضمنها بلدان العرب المرتبكة، التي تعطي دوراً خجولاً للمرأة، وتفسير النصوص الدينية يأتي في أغلب الأوقات وفق ما يتناسب مع حالة المجتمع، ومدى انفتاحه، ومدى نظرة الذكر للأنثى، وليس في أغلب الأحيان قائم على العدالة والانصاف كما هو، بل تفسيرات تخدم الأهواء لا أكثر.

إن المرأة العربية اليوم هي الشريحة الأكبر في المجتمع العربي، زادت عن النصف، وما زلنا نقول هي “نصفنا” الأجمل، فحتى في معايدتهن نعود بالفضل إلى أنفسنا، وحين نقرر كرجال أن نجاملها نقول عبارتنا المشهورة المبتورة (Ladies First) أي نعطي الحق لأنفسنا بأن نقرر، ومن نحن لنقرر؟

الثامن من آذار.. هو يوم ككل يوم.. يحمل الحب والخير والطمأنينة تجاه النصف الأول والأساس من المجتمع، ولنجعل من هذا اليوم مساحة كافية لمراجعة الذات، لإعطاء الحقوق، لنصرتهن..

فطوبى لمن تهز سرير رضيعها بيد، وتهز العالم بيدها الأخرى، وكل عام وكل يوم والمرأة العربية بألف خير