الكاتب: د. أحمد رفيق عوض
اعتادت شركات هوليوود السينمائية على تصوير الياباني في افلامها باعتباره الحاذق و العبقري و صاحب التقاليد الصارمة و العريقة، و المتفهم للغرب و قيمه و اهدافه، و استطاعت هذه الشركات الاستعمارية المحمولة على ثقافة استعلائية تقسم العالم و تنمطه بما يخدم مصالحها ، اعتادت على ان تجعل من الياباني صديقا للبطل في الفيلم، ينقذ العالم او يقدم الحكمة المفقودة ، و لكن دون تلك اللمسة التي تجعله جذابا او محبوبا كما هو البطل الغربي الابيض الذي يتميز بكثير من الطيش و لكن مع الكثير من السحر و الجاذبية .
كل شيء مرسوم بدقة في هوليوود ، فالايطالي عاشق متهور و الفرنسي مثقف متكاذب و الاسود مجرم اما العربي فهو الغبي المنذهل و الذاهل، الغني الذي لايفهم في العلم او الفن، العربي صاحب الشهوات المنفلتة و الثقافة المغلقة و الراغب دوما في تدمير العالم .
هذا التنميط ليس مجانيا ولا عبثيا، هوليوود تعرف ماذا تفعل و ماذا تسوق، معنية بتصوير صورة منفرة للعربي و المسلم لتستكثر عليه المطالبة بالحرية او الاستقلال او التحكم بثرواته و حدوده و فضائه، و لتمنعه من ان يلتحق او يتنعم او يشارك في الحضارة الانسانية ، عمليا، فأن هذه السينما الاستعمارية التي تشارك بشكل فعال في تحطيم صورة العربي المسلم عن نفسه، و تحجر عليه المطالبة بحقوقه و تمارس بحقه كل اشكال القمع و الاستلاب و المصادرة، تساهم مساهمة فعالة في حرب ثقافية عميقة و مستمرة و تأتي بثمارها بشكل يومي من خلال عمليات التغريب و الاحباط و الانسلاخ الثقافي من جهة، او من خلال موجات الهجرة و العنف و الجدل الداخلي الذي لا يهدأ .
ان الشركات الاستعمارية السينمائية التي تقدم صورتين مختلفتين للعربي الغبي من جهة و الياباني المتقدم من جهة اخرى، انما تقوم فعليا في تعزيز السيطرة على المنطقتين ، على اليابان و على العالم العربي و الاسلامي معا .
ان الصورة الجيدة التي تقدمها سينما هوليوود عن اليابان انما تخدم في نهاية الامر الصورة التي يريدها الغرب عن اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، اليابان بدون العسكرتاريا القومية المتطرفة، و بدون الاحلاف العدوانية، و بدون المشاعر القومية العالية، و بدون الثقافة التقليدية التي ترفض الاحتلال و مصادرة القرار الوطني .
نجاح اليابان بعد الحرب العالمية الثانية و تجاوز ازمتها الحضارية و العسكرية انما تم بسيطرة الغرب و قوانين الغرب و مساعدة الغرب، و لذلك صارت اليابان قصة نجاح للحضارة الغربية المنتصرة.
لم يحدث ان انكسرت امة بهذا الشكل ثم استطاعت النهوض بهذه السرعة مستخدمة ادوات و عقل الغالب .
لماذا لا نكرر التجربة اليابانية ؟! لماذا لا نتحول الى ان نكون يابانيين؟!
ببساطة، لان الغرب الاستعماري لا يقبلنا ولا يريدنا ان نقلده او ننهض من كبوتنا ، هو لا يريدنا يابانيين اصلا ؟!
سيقول قائل ان اليابان اذكياء و مطواعين و اصحاب ثقافة مختلفة، و اننا على عكسهم كلنا عباقرة و فرسان ولا نطيق احدا و انانيين ... الخ الخ .
قد يكون ذلك صحيحا ، و لكن الصحيح ان الغرب يريد من اليابان ان تتمثل كل قيمة في العمل و البناء و الصناعة ، لتكون قاعدتهم العسكرية و عينهم الثقافية و الاستراتيجية ، في منطقة تشكل تهديدا امنيا و تجاريا و استراتيجيا، اما في منطقتنا فهناك اسرائيل و الثقافة البديلة و النفط و لهذا لا يمكن ان نكون يابان اخرى .