الكاتب: د. علي الاعور
منذ اصدار الرئيس أبو مازن مرسوم في الخامس عشر من يناير 2021 "ينص على اجراء الانتخابات الفلسطينية للمجلس التشريعي و الرئاسية و المجلس الوطني بعد توقف دام 14 عاما ، وتجدد معه الامل بإنهاء الانقسام السياسي في الحركة الوطنية الفلسطينية وبداية عهد جديد من الوحدة الوطنية الفلسطينية بخطاب سياسي فلسطيني واحد واستراتيجية فلسطينية موحدة تهدف الى انهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة و عاصمتها القدس الشرقية
وقد رحب الاتحاد الأوروبي، بإصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مرسوما ينص على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ورحبت الجامعة العربية بمخرجات الحوار الفلسطيني في القاهرة واعتبرته خطوة مهمة لجراء الانتخابات الفلسطينية وانها سوف تشارك في الانتخابات من خلال ارسال مراقبين ، سيتابعون سير العملية الانتخابية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
وامام كل تلك التطورات السياسية المهمة الإقليمية و الدولية مازال نتنياهو و الحكومة الإسرائيلية التي يرأسها سواء من قبل بيني غانتس او جابي اشكنازي وزير الخارجية ومن خلفهم قادة الأجهزة الأمنية يلتزمون الصمت في اجراء أي نقاش او تعقيب رسمي حكومي إسرائيلي سواء من مقر الحكومة في بلفور او وزارة الخارجية الإسرائيلية وقد يعتقد المراقبون وللوهلة الأولى ان نتنياهو لن يتدخل في الانتخابات الفلسطينية ولكن في نفس الوقت هناك معطيات على الأرض تشير الى تدخل الحكومة الإسرائيلية في الانتخابات الفلسطينية بشكل مباشر . وقبل تحليل تلك المعطيات لا بد من طرح السؤال المهم والكبير :
ماذا يستفيد نتنياهو من التدخل في الانتخابات الفلسطينية لصالح أي طرف ضد الطرف الفلسطيني الاخر؟ ماهي فلسفة نتنياهو والاستراتيجية التي يعتمدها لمواجهة نتائج الانتخابات الفلسطينية؟ هل مازال نتنياهو و العقلية الإسرائيلية من خلفه تعتقد ان بإمكانها إقامة نظام سياسي فلسطيني على المقاس الإسرائيلي؟ هل يعتقد نتنياهو ان بإمكانه تطويع الحركة الوطنية الفلسطينية وقيادتها وصناعتها على غرار دويلة سعد حداد وانطوان لحد في جنوب لبنان؟هل يعتقد نتنياهو بعد نهاية حلمه في التطبيع وقيادة أنظمة عربية خليجية بعد نهاية حقبة ترمب السياسية الملعونة ان يعود الى الساحة الفلسطينية بشكل جديد؟
تلك الأسئلة واجاباتها و غيرها سوف تكون حاضرة عقب نتائج الانتخابات الفلسطينية و بداية عهد فلسطيني جديد نحو البناء و التنمية ونظام سياسي فلسطيني ديموقراطي يقوم على التعددية واحترام الاخر.
وقد كتبت الأسبوع الماضي مراسلة صحيفة هأرتسعميره هس" تضغط إسرائيل على أعضاء حماس في الضفة الغربية لعدم خوض الانتخابات الفلسطينية وأضافت ، هدد جهاز الأمن العام ( الشاباك) النشطاء السياسيين المعروفين بمؤيدي حماس في الضفة الغربية بالسجن عدة سنوات إذا خاضوا انتخابات مايو.
وكتب الزميل د. ناصر اللحام مقالة له الأسبوع الماضي في وكالة معا الإخبارية افاد فيها" تشير الارقام الواردة عن الجهات المختصة بقضية الأسرى ، أن الاحتلال يكثّف منذ اعلان مرسوم الانتخابات من حملات الاعتقال ضد نشطاء التنظيمات ولا سيّما منظمة التحرير في جميع مناطق الضفة الغربية . وأول المستهدفين الجبهة الشعبية وقادة ميدانيين في فتح وبشكل غير مسبوق "
تلك المعطيات تؤكد من جديد عودة نتنياهو و الحكومة الإسرائيلية الى الساحة السياسية الفلسطينية من جديد من خلال تلك الاعتقالات في الضفة الغربية و شرقي القدس مما يعكس انطباعا واضحا بان الجيش الإسرائيلي و قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لا يقومون بتلك الخطوة بعيدا عن موافقة او تأييد او دعم المستوى السياسي الإسرائيلي لتلك الاعتقالات .
و من هنا نجد ان إسرائيل من تدعي الديموقراطية قد تتدخل في شؤون الدول الداخلية وتريد ان تفرض عليها اجندة سياسية محددة تخدم الأهداف الإسرائيلية وتطبيق وتنفيد سياسة " فرق تسد" في المجتمع الفلسطيني وخلق اطر سياسية جديدة او تكتلات سياسية جديدة في المجتمع الفلسطيني ولكن امام تلك الخطوات الإسرائيلية و الاعتقالات السياسية سوف تخدم التيارات الوطنية الفلسطينية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية وسوف تخدم حركة حماس أيضا وسوف تجعل الشارع الفلسطيني يقبل على الانتخابات الفلسطينية في شهر مايو القادم وهي ترفع علم فلسطين وتنتخب رموز الحركة الوطنية و الإسلامية الفلسطينية ولا مكان لكتل او تكتلات تخرج على الثوابت الوطنية الفلسطينية و الهوية الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها انهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطين.
تلك الاعتقالات في صفوف الرموز الوطنية في شرقي القدس و الضفة الغربية تعكس سياسة إسرائيلية ممنهجة للتدخل في الانتخابات الفلسطينية حتى وصل الاعلام الإسرائيلي لدرجة التشكيك في اجراء الانتخابات الفلسطينية و القيام بحملة إعلامية ضخمة عبر المقالات و التعليقات في الصحف الإسرائيلية وفي منصات التواصل الاجتماعي ، واما تنافس الأحزاب الإسرائيلية اليمينة على كسب أصوات المستوطنين في الأيام الأخيرة زادت إقامة البؤر الاستيطانية على مرتفعات الضفة الغربية و انتشرت ما يسمى " بشبية التلال " وحبهم للحياة في التلال وإقامة بؤر استيطانية جديدة ، تلك السياسة الإسرائيلية الاستيطانية الجديدة من شانها تحريك ملفات جديدة امام المجتمع الفلسطيني و المواطن الفلسطيني وتجعل الجمهور الفلسطيني ينظر الى التنظيمات الوطنية الفلسطينية و الأحزاب الفلسطينية و القيادة الفلسطينية على انها لا تستطيع ان تقدم شيءللمواطن الفلسطيني امام الهجمة الاستيطانية الجديدة ولكن نجحت الدبلوماسية الفلسطينية في اعتمادها على القانون الدولي الإنساني و الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة في اعلان محكمة الجنايات الدولية و المدعية العامة لها " فاتوا بن سودا" بانها سوف تبدا بتحقيق ضد جرائم إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإعلان محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ولاياتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وهذا في حد ذاته انتصار للقيادة الفلسطينية و منظمة التحرير الفلسطينية
ربما تلك التطورات الدولية الأخيرة وفوز جو بايدن ورؤيته للسلام القائم على حل الدولتين وقرار محكمة الجنايات الدولية ونهاية حلم التطبيع مع أنظمة خليجية قد ساهم بشكل كبير في عودة نتنياهو بفلسفة جديدة الى الساحة الفلسطينية ولكن بشكل اخر وبعيدا عن القيادة الفلسطينية و رموز الحركة الوطنية الفلسطينية لن يساهم في تحقيق السلام في الشرق الأوسط.