الكاتب: جهاد حرب
يتساءل البعض لماذا ترفض منظمات المجتمع المدني القرار بقانون الذي نسبه مجلس الوزراء "الحكومة الثامنة عشرة" للرئيس لإصداره بقرار بقانون تحت رقم 7 لسنة 2021 بشأن تعديل القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية. ذاك القرار بقانون الذي تظهر غاياته وخلفيات النقاش في أروقة الحكومة التضييق على عمل الجمعيات والهيئات الأهلية وفي مضمونه الهيمنة والسيطرة على الهيئات الأهلية. ترفض منظمات المجتمع المدني القرار بقانون جملة وتفصيلا للأسباب الواحد والعشرون التالية:
أولاً: مخالفة القرار بقانون لأحكام القانون الأساسي؛ وتحديداً أحكام المادة 43 من القانون الأساسي لانتفاء صفة الضرورة التي لا تحتمل التأخير، خاصة في ظل صدور المرسوم الرئاسي لعقد الانتخابات التشريعية بعد شهرين.
ثانياً: المجتمع الفلسطيني على أعتاب إجراء الانتخابات، بعد حوالي شهرين، فالذي صبر على خلل في القانون لأكثر من عشرين عاماً، يمكن له الصبر لشهرين آخرين، ووضع جميع المقترحات ومشاريع القوانين أمام المشرع الأصيل "المجلس التشريعي" إلا إذا كانت الحكومة لا ترى بإمكانية إجراء الانتخابات.
ثالثاً: مخالفته مخرجات حوارات القاهرة لتهيئة البيئة لإجراء انتخابات حرة ونزيه؛ وإطلاق الحريات العامة. إضافة إلى مجموعة من القرارات بقانون التي مست استقلال السلطة القضائية وتعطيل الحياة الديمقراطية في النقابات والمنظمات الشعبية.
رابعاً: نرفض هذا القرار بقانون لأنه يأتي متساوقاً مع هجمة حكومة الاستعمار الاحلالي الإسرائيلي والمنظمات الصهيونية اليمينية مثل (NGO′s monitor) على منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، داخل أروقة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لتجفيف منابع تمويل منظمات المجتمع المدني الفلسطيني وبخاصة لوقف مساهمتها في التعامل مع محكمة الجنايات الدولية.
خامساً: نرفض هذا القرار بقانون لإقصاء الحكومة الثامنة عشرة منظمات المجتمع المدني وتغييبها عن النقاشات التي سبقت تعديل قانون الجمعيات والهيئات الأهلية، ولأنه قد صيغ في ليل وفي الغرف المغلقة للأمانة العامة لمجلس الوزراء ومكتب رئيس الوزراء.
سادساً: افتقدت العملية التشريعية التي تم من خلالها إعداد القرار بقانون وإقراره للشفافية المطلوبة بعدم نشر المذكرة الايضاحية أو مذكرة السياسة التشريعية التي تبرر أحكامه وتوضح الفلسفة التي أرادها مجلس الوزراء من تلك التعديلات.
سابعاً: نرفض هذا التعديل لانقلاب حكومة على غاية المشرع الفلسطيني الأصيل "المجلس التشريعي" في رسمه لطبيعة العلاقة بين الجمعيات والهيئات الأهلية ووزارات الاختصاص حيث نصت المادة 10 من القانون الأصلي للجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية لسنة 2000 على أن "تقوم علاقة الجمعيات والهيئات بالوزارات المختصة على أساس من التنسيق والتعاون والتكامل لما فيه الصالح العام".
ثامناً: يأتي هذا القرار بقانون للهيمنة على منظمات المجتمع المدني باعتبارها فروع أو دوائر تتبع للوزارات التي لا تقدم خطة أو برامج واضحة، أو لم تشارك المنظمات في صياغتها، وإجبار المنظمات على أن تكون خططتها منسجمة مع استراتيجية الوزارة المختصة، وبالتالي تتنازل المنظمات عن تقديم السياسات البديلة والرؤى المختلفة لسياسات وبرامج الحكومة، وبالتجربة هذه الوزارات لم تحقق نجاحات تفي بطموحات شعبنا في مجال اختصاصاتها.
تاسعاً: إن إجبار المنظمات الأهلية على وضع خطط تنسجم مع خطط الحكومة يجعل من أهدافها وغاياتها بلا فائدة مجتمعية، كما أن جهود مجالس إدارتها المنتخبة لتحقيق تلك الأهداف تصبح بلا قيمة، وبالتالي حرمان أعضاء مجالس الإدارة من المشاركة الاجتماعية والمهنية والسياساتية والتنموية من خلال المنظمات الأهلية.
عاشراً: نرفض النص المتعلق بتقديم خطط المنظمات للوزارة المختصة لأنها تمنح سلطة تقديرية للوزارات لتعطيل خطط المنظمات الأهلية وبرامجها وموازناتها وتمويلها كما فعلت مع الشركات غير الربحية في وزارة الاقتصاد ما أضاع أموال التمويل على العديد من المنظمات تحت اقدام بيروقراطية مجلس الوزراء والوزارات، والتحكم بمقدرات هذه المؤسسات، واخضعتها لموافقة الأجهزة الأمنية.
الحادي عشر: منظمات المجتمع المدني لا تثق بهذه الحكومة لمنهجها الانتقامي من منظمات المجتمع المدني والتي اثبتت انها حكومة تنكث بوعودها والتزاماتها؛ كما حدث بتوزيع اللقاحات المتعلقة بمكافحة فيروس كورونا وحصول وزرائها على اللقاح دون وجه حق، وما تخفيه من قرارات تتخذها في جلساتها الأسبوعية بعدم نشرها جميعها.
الثاني عشر: يضع هذا القرار بقانون تكاليف إضافية على منظمات المجتمع المدني تحت بند دراسة الأثر للمشاريع والبرامج ونشاطات السنة المالية؛ خاصة أن فحص الأثر في بعض القضايا كرفع الوعي لا يمكن قياسه في سنة واحدة وإنما يحتاج إلى سنوات عديدة. إلا إذا كان الأثر المقصود في هذا القرار بقانون هو تعداد الأنشطة وعدد المُتدربين، وهي نظرة قاصرة ونظام قياس قد مضى عليه الدهر وشرب. وهل من الأصل تقوم وزارات الاختصاص بقياس الأثر لأنشطتها وبرامجها؟؟
الثالث عشرة: نرفض القرار بقانون الذي يفرض على منظمات المجتمع المدني بأن تكون رواتب موظفيها ونفقاتها التشغيلية أقل من 25% من موازنتها وذلك لأن هذا القرار بقانون لا يميز بين الجمعيات والهيئات الأهلية وعملها وطبيعته، والتفسيرات المقدمة من قبل الحكومة تخل بمعايير ومبادئ المحاسبة الدولية المعمول بها في التدقيق المالي، وتخل بمبدأ وحدة الموازنة للمؤسسات.
الرابع عشرة: نرفض نسبة الـ 25% أعلاه لأنها غير مبنية على أي معادلة اقتصادية أو محاسبية ولا تتماشى مع طبيعة الحياة المعيشية الفلسطينية والدائرة الاقتصادية؛ فموازنة الحكومة تشكل النفقات المتعلقة بالرواتب وأشباه الرواتب والنفقات التشغيلية حوالي 96% من النفقات فيما خصصت الحكومة للنفقات التطويري 572 مليون شيقل (أي 4%) من مجمل 13,320 مليون شيكل مجمل نفقاتها في العام 2020، ويمكن فحص الوزارات والمؤسسات فرادى حيث تصل الرواتب إلى أكثر من ثلثي موازنتها. وقد يقول البعض أنه لا يقاس على موازنة الحكومة. إلا أنه يمكن قياس النفقات التشغيلية والرواتب في القطاع الخاص الأكثر حوكمة وحرصاً على الربح، أي تقليل النفقات التشغيلية والرواتب الى أقصى ما يمكن من موازنتها؛ وفي هذا السياق يمكن النظر إلى شركتين فلسطينيتين الأكثر ربحاً في فلسطين ومن الأكثر التزاما بمدونة حوكمة الشركات، فعلى سبيل المثال بلغت الرواتب والنفقات التشغيلية لشركات الاتصالات الفلسطينية حوالي 64% من صافي الإيرادات في العام 2019، فيما بلغت 56% لدى بنك فلسطين. فمن أين أتت الأمانة العامة لمجلس الوزراء والحكومة بنسبة الـ25%؟
الخامس عشرة: لأن القرار بقانون يعزز الهيمنة والسيطرة المطلقة للحكومة على العمل الأهلي من خلال إصدار مجلس الوزراء لنظام يتيح وضع اشتراط الحصول على موافقته على تمويل تلك الجمعيات كما هو الحال في الشركات غير الربحية اليوم التي تمت السيطرة المطلقة عليها من الحكومة وما يمكن ان يرافق ذلك من تدخل الاجهزة الامنية في هذه الموافقات واشتراطات منحها.
السادس عشرة: ولأن منظمات المجتمع المدني لا تثق بهذه الحكومة ولوجود تجارب موثقة؛ نخشى من تحويل الوزير/ الوزارة أموال الجمعيات التي يتم حلها الى الخزينة بقرار الوزير بدلا من وجود مُصفي قانوني ومنح هذه الأموال الى جمعيات وهيئات شبيهة في خدماتها وأهدافها.
السابع عشرة: لأن القرار بقانون يمنح مجلس الوزراء صلاحية إصدار نظام بخصوص الرسوم التي يمكن تقاضيها من الجمعيات الخيرية مقابل الطلبات التي تقدمها للوزارة، دون تحديد وعاء الرسم أو الضريبة في مخالفةٍ دستورية لأحكام المادة 88 من القانون الأساسي الفلسطيني التي نصت على أنه "لا ضريبة ولا رسم الا بنص قانوني". والتخوف من اثقال كاهل الجمعيات والهيئات بالرسوم ما تضع صعوبات على المنظمات الصغيرة وعزوف عن العمل التطوعي في البلاد.
الثامن عشرة: نرفض القرار بقانون، لأنه يضعف جهود المجتمع المدني في المؤسسات الدولية لملاحقة جرائم حكومة الاحتلال ومستوطنيه، وادانتهم أمام المحاكم الدولية كمحكمة الجنايات الدولية والمحاكم المحلية في الدول التي يسمح النظام القضائي فيها بمحاكمة مجرمي الحرب.
التاسع عشرة: نرفض القرار بقانون، لأن منظمات المجتمع المدني لا تريد وقف خدماتها الصحية والتعليمية والزراعية والإرشادية للمواطنين في المناطق المهمشة التي لا تصل خدمات الحكومة إليها ولا تعتني بها.
العشرون: نرفض القرار بقانون، لأن منظمات المجتمع المدني لا تريد وقف نشاطاتها في الدفاع عن المواطنين في مناطق القدس و"جيم" المهددين بهدم بيوتهم، وفقدان أماكن سكناهم وسحب هوياتهم، والاستيلاء على أراضيهم ومصادرتها من أجل الاستيطان.
الواحد والعشرون: نرفض القرار بقانون، لأن منظمات المجتمع المدني هي الحصن الأخير، بعد تدمير المجلس التشريعي والهيمنة على الجهاز القضائي من قبل السلطة التنفيذية، للدفاع عن حقوق المواطنين وحفظ كرامتهم أمام تعسف الحكومة وأجهزتها وما يعنيه من اعتقال تعسفي وتعذيب وحرمان من حرية التعبير وغيرها من إجراءات تعسفية.