الكاتب: رمزي عودة
يشاع في بعض مواقع التواصل الاجتماعي أن الإنتخابات التشريعية ستؤجل. وتتركز هذه الشائعات المقصودة على ضبابية المشهد السياسي حول شكل القوائم التوافقية، وعلى أطرافها، وعلى عدم وضوح المشهد الإنتخابي في القدس المحتلة. وتنتشر هذه الشائعات بشكل سريع ومفاجئ، بحيث غدت العديد من الأطراف السياسية والفواعل الإجتماعية تقتنع بها وترددها. ويساعد على إنتشار شائعة التأجيل حصول عملية التأجيل في أحداث إنتخابية سابقة. في هذا السياق، يمكن إثارة العديد من الأسئلة حول مصدر هذه الشائعات؟ ومدى قربها من الحقيقة ؟ وما هي الغايات من وراء نشر مثل هذه الشائعات.
بداية، ليس من الصعب علينا أن نؤكد على أن الإنتخابات التشريعية ستجري في موعدها حسب المقرر. وعلى هذا، نجد السيد الرئيس محمود عباس يصر على عقدها في موعدها بإعتبارها غايةً إستراتيجية ومدخلاً للمصالحة. كما أن لجنة الإنتخابات المركزية إستنفرت كافة طاقاتها للإستعداد للعملية الإنتخابية، وقطعت في هذه العملية شوطا ليس بسيطاً. وتلقى خطواتها مباركة من مختلف الفصائل السياسية. وفي السياق، فإن كافة الأحزاب وفصائل العمل الوطني تعمل بجد وإجتهاد من أجل إبرام التحالفات وتشكيل قوائمها. فتح من جانبها، وضعت معاييراً صارمة لإختيار مرشيحها، ويتوقع أن تنهي مسألة الترشيح خلال الأسبوعين المقبلين. وبالنسبة لفصائل اليسار، فإنها تتفاوض بجدية من أجل تشكيل إئتلاف حزبي للدخول في المعترك الإنتخابي، ويفترض أن أسماء مرشيحها شبه جاهزة حتى لو لم تنجح مفاوضاتهم في خلق إئتلاف إنتخابي يساري. وفي نفس الحقل، تعمل حماس بصمت لتشكيل قائمتها الإنتخابية، لاسيما أنها أنهت بصعوبة إنتخاباتها الداخلية مؤخراً. بالمقابل، حتى الآن تجد القوائم المستقلة كثيرة العدد، صعوبةً في تحديد أسماء ثابتة لمرشيحها بسبب عدم وجود ضوابط تنظيمية داخل هذه القوائم. ولكن بالمجل، وحتى تستطيع هذه القوائم أن تتجاوز نسبة الحسم، يمكن أن نتوقع أن تندمج العديد من هذه القوائم في ثلاث قوائم أو أكثر بقليل. وبالمحصلة، فإن غالبية الفصائل والقوائم المستقلة تكثف أنشطتها من أجل الإنتهاء من تشكيل قوائمها قبل الأول من نيسان القادم حسب تقويم لجنة الانتخابات. وكنتيجة للعرض السابق، فلا داعي لتأجيل الإنتخابات، ولم يصدر عن أي فصيل وطني أي تصريح يشير الى تأجيل هذه العملية.
إذن ما هو مصدر هذه الشائعات وما هي غاياتها؟ من الواضح أن جهات مشبوهة تقف وراء تعميم هذه الشائعات، وقد تكون هذه الجهات مرتبطةً بالإحتلال الإسرائيلي، أو بجهات محلية خارجة عن القانون مرتبطة بأجندات خارجية. ولسنا هنا في صدد إتهام أي جهة، ولكن يبدو أنها جهات منظمة تتقن فن إثارة الشائعات وتستخدم "الطابور الخامس" ومواقع التواصل الإجتماعي لبث هذه الشائعات. وبالضرورة، يبرز السؤال المهم وهو؛ ما هي الغاية من وراء نشر هذه الشائعات؟
في الواقع، هنالك عدة آثار سلبية يمكن لها أن تسببها إنتشار مثل هذه الشائعات، وأهمها:
أولاً: خلق بلبلة في صفوف الأحزاب والفصائل المتنافسة ولدى أوساط المجتمع، بحيث تعزز هذه البلبة من حالة عدم الثقة بين القيادة والمواطنين من خلال عملية التشكيك بجدية القيادة والأحزاب في الدخول في المعترك الإنتخابي.
ثانياً: تهبيط معنويات القيادات السياسية والمجتمعية لاسيما قيادات الصف الثاني والثالث، والتي تسعى من خلال عملية الإنتخابات الى أن تأخذ دورها القيادي في المرحلة المقبلة، وبالضرورة، فإنها ستكون في ظل هذه الشائعات أقل حراكاً، وأكثر تخبطاً في خطواتها التنظيمية.
ثالثاً: تقليل نسبة المشاركة السياسية بشكل عام، ونسب الإقتراع بشكل خاص. فإنتشار هذه الشائعات سيقلل الحافز لدى جمهور الناخبين للذهاب للإقتراع وترتيب أوراقه في ظل إرتفاع منسوب التشكيك في إجراء الإنتخابات.
ما أود قوله، أن كل من هو قريب من العملية السياسية في مراكز صنع القرار يدرك جلياً أن الفلسطينيين ماضون قدماً في إجراء الإنتخابات، فالإنتخابات خيار إستراتيجي وديمقراطي لكل فئات الشعب الفلسطيني، ولن يثني الفلسطينيين عن تحقيق إرادتهم أي عائق. ولن تحقق هذه الشائعات أياً من غاياتها في ظل إصرار الجميع على إجراء إنتخابات حرة ونزيهة. وعلى الذين يطلقون مثل هذه الشائعات أن يدركوا أن صندوق الإنتخاب هو البوصلة الوحيدة للشرعية، وليس إثارة الشائعات والإختباء وراء جهات خارجة عن الشرعية.