الكاتب:
بقلم: مهند أبو شمّة
دأب خريجو الجامعات والكليات على الانتظار طويلاً في طابور الباحثين عن وظائف تتوافق وتخصصاتهم ومؤهلاتهم العلمية، وتمضي الأيام تباعاً، وفرص العمل في وطننا الحبيس المحاصر من دولة الاحتلال والمتآمرين على حقنا في تقرير المصير أخذة في التناقص والتقلص، إذا ما قارنا عدد فرص العمل السنوية بعدد الخريجين من الجامعات والكليات، وزاد المشهد الكوروني"الطين بلّة" والأمر سوءاً من حيث توافر فرص التوظيف، إذ فقد كثيرون وظائفهم لا في فلسطين وحدها بل على مستوى العالم، ويوماً بعد يوم تزداد أحوال الخريجين سوءا وتعقيداً، ومتطلبات الحياة تصبح أكثر إلحاحاً، والأمل في المستقبل يصبح أكثر غموضاً، فموارد الدولة محدودة، وعدد الخريجين السنوي أضعاف مضاعفة لفرص العمل المتوافرة في فضاء الاقتصاد الفلسطيني المحدود والمقيّد بإجراءات الاحتلال المقيتة، وعدم الاستقرار، وحرية الحركة والسيطرة على المعابر، وعدم توافر بيئة آمنة للاستثمار في القطاعات، فرأس المال يبحث عن الأمن والأمان والاستقرار، وهذا ما لا يتوافر بحكم واقع الاحتلال الجاثم على صدر كل فلسطيني.
إزاء ما سبق؛ فإن الأمر يستوجب إعادة توجيه بوصلة الخريجين ليكونوا أكثر استعداداً للانخراط في سوق العمل، وأكثر قدرة على إثبات الذات في ظل المنافسة المحتدمة بين الخريجين- بحكم زيادة العرض من الخريجين- مقابل الطلب في سوق العمل، وهو ما يتطلب أن يعمل الخريجون على تلبية متطلبات سوق العمل لا بالحصول على المؤهلات العلمية فحسب، وإنما بتعزيز مؤهلاتهم العلمية بتحصيل واكتساب مزيد من المهارات والملكات والكفايات ليكون الخريج عنصر جذب لسوق العمل، ما يوجد التمايز بين خريج وآخر، فرب العمل اليوم يبحث عن الموظف دائم التعلم والتطور؛ عن صاحب الشخصية المهنية القادرة على الاتصال والتواصل، وعن ذي القدرة على التحليل المنطقي وحل المشكلات؛ المبادر الذي يعمل بروح الفريق، ولا ننسى التكيف مع الظروف الطارئة وتوظيف التكنولوجيا في تنفيذ وإدارة الأعمال، وهذا ما فرضته جائحة كورونا على القطاعات كلها، فالتحديات أمام الخريجين كبيرة، ما يتطلب من الجميع إعادة ترتيب الأوليات، لنجيب عن سؤال: أي خريج نريد؟؟ .
وهنا؛ يأتي دور التخطيط في مختلف مستويات اتخاذ القرار والتأثير في حياة الطالب الجامعي والخريج، سواء على مقاعد الدراسة في الجامعة، أو فور الانتهاء من الدراسة والتخرج، فالطالب الجامعي يتعلم اليوم ليصطف مع جموع المصطفين في طلب الوظائف، والانتظار يطول دون مبادرة وتفكير في الفرص البديلة، فعدم الحصول على وظيفة ليس نهاية الكون، والانتظار طويلاً للحصول على وظيفة في مجال التخصص ليس الحل ، فلا بد من خلق ثقافة جديدة لدى طلبتنا الجامعيين تتمثل في التوجيه والإرشاد المتواصل على مدار سنوات الدراسة الجامعية ليكونوا أكثر واقعية ويكونوا رياديين؛ ففي واقعنا الاقتصادي الفلسطيني لا نملك حلولاً سحرية للتقليل من نسبة البطالة في ظل زيادة الأعداد السنوية للخريجين ، ولتتكامل الجهود وتتضافر لتحقيق الهدف المنشود من إيجاد خريجين قادرين على تحقيق متطلبات سوق العمل في مجال الوظائف كفرصة، وقادرين في الوقت ذاته على التوجه نحو الفرص البديلة في مجال المشاريع الريادية والصغيرة، والتوجه نحو المهن المطلوبة في سوق العمل، ولا عيب في ذلك، ويتطلب أمر من هذا القبيل تدخلاً إستراتيجياً من الساسة وصناع القرار في الدولة بتوفير بيئة قانونية واستثمارية حاضنة وناظمة لتشجيع المشاريع الريادية والصغيرة؛ التي تعتبر الحل الأمثل لتقليل نسبة البطالة، وتحريك عجلة التنمية الاقتصادية بحيث يتم تجنيد وتوظيف أموال من المانحين المحليين والدوليين، والإفادة من قروض ميسرة لصالح مشاريع إنتاجية تنموية صغيرة؛ تخلق بدورها فرصا للخريجين، وبذا، يصبح الخريج مُشغلّا لعدد من الخريجين، وهنا يأتي دور تبني إستراتيجيات تكفل توجيه جهود مؤسسات المجتمع المدني لتوفير الدعم والإسناد لإنجاح هذه المشاريع والتوجهات التنموية .
ويبقى السؤال الأهم: هل سيحقق الخريجون ما هو مطلوب منهم ليكونوا منتجين؟ وقادرين على دفع عجلة التنمية الاقتصادية؟ سؤالان برسم الإجابة التي نتركها لخريجينا الأعزاء!! وأيضا لكل من يعنيه شأن خريجينا، فنحن إزاء موضوع طال الحديث فيه أو عنه، وفي الحالات جميعها ظلّ الأمر الأكثر قابلية لتنطبق عليه" مقولة:" نسمع جعجعة ولا نرى طحينا"، فالخريجون بحاجة إلى فرص حقيقية لا الحديث عن فرص.