الأحد: 29/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

حرب العكوب

نشر بتاريخ: 15/03/2021 ( آخر تحديث: 15/03/2021 الساعة: 10:57 )

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

كان المستوطن بيرتس جلعاد، الذي تجاوز الستين من عمره، يتحدث بطلاقة وحرقة مدّعاة عن ضرورة ملاحقة قاطفي العكوب من المواطنين الفلسطينيين، وقد بلغ به التأثر ان اتهم الصحفي الاسرائيلي الذي يحاوره انه اب غير متزن لأنه قال ان ابناءه لا يعرفون شيئاً عن هذا " الشوك".

المستوطن الذي شغل في الماضي وظيفة مراقب في سلطة الطبيعة الاسرائيلية، والمتطوع حالياً فيما يسمى بحرس الحدود، مشغول الى اذنيه بمطاردة الاطفال الذين يقطفون العكوب من سفوح الجبال في محافظة الخليل وبطون وديانها، يدعي هذا المستوطن ان ذلك اعتداء على الطبيعة وان هؤلاء الاطفال هم جزء من تجارة تقوم على استغلال الطبيعة والتربح منها، وذهب المستوطن بعيداً بالقول ان قطف العكوب وقتل الغزلان سواء بسواء، ولهذا فهو يعتبر مطاردته واعتقاله لهم حرباً عادلة، لان الطبيعة لها قوانينها.

وبلغ منسوب العنصرية والعمى غايته عندما قال هذا المستوطن ان الخطر الكبير الذي يشكله قطف العكوب يلحق أكبر الاذى والضرر لأنه يأتي "على حساب اولادنا الذين لن يعرفوا الزعتر والعكوب"

هكذا تشدق هذا المستوطن مبرراً حمايته للعكوب من اصابع الاطفال الفلسطينيين الطرية، الباحثين عن وجبة مجانية تجود بها ارضهم الطيبة حسب تقاليد لا يعرف أحد عمرها بالضبط. فالفلسطيني ومنذ ايامه الاولى على هذه الارض كان مطبخه جزءاً من حقله، وكانت اعشاب ارضه غذاءه ودواءه في ذات الوقت.

بيرتس جلعاد، ليس فرداً بالتأكيد، بل هو عقلية منسجمة وتعبر عن حالة نعيشها يومياً، فهو يعتقد انه يحمي الطبيعة ويحمي نبتة العكوب والزعتر والغزلان البرية (لان الطبيعة لها حساباتها) كما يقول، وان المعتدي في هذه الحالة هو الفلسطيني، الذي يمارس حرباً لا هوادة فيها ضد كنوز الطبيعة ويتربح منها بوجه غير ذي حق.

منطق بيرتس منطق المحتلين والعنصريين الذين يعتقدون انهم الاحق والاجدر والاكثر احساساً بالجمال والفن، وانهم هم الذين اللذين يدركون اهمية بقاء العكوب لأجيالهم القادمة، وكأنهم هم الاوصياء على سلالات العكوب والزعتر.

نحن امام منطق احتلالي بالغ الرداءة والعنصرية، منطق لا يعيش حتى ولا كان قوياً ومسيطراً.

منطق من عالم اخر وزمن اخر، اذ لا يمكن لهذا المستوطن ان يحمي العكوب والزعتر وهو ينسف الجبال نسفاً من اجل بناء المستوطنات، ولا يمكن ان يحمي الطبيعة وهو يسممها بالمخلفات الصلبة والسائلة، ولا يمكن ان يدعي حماية الطبيعة بينما يقوم بطرد اهلها ومنعهم من التواصل والتآلف معها.

ولا يمكن له ان يدعي انه يريد ان يحمي الزعتر والعكوب من اجل اجياله القادمة في حين ان اجيال الفلسطينيين الحالية كما السابقة تعتبره جزءاً من رزقها وتاريخها.

الفلسطيني يعرف العكوب جيداً، يعرف اين ومتى يظهر، ويعرفه طبقاً شهياً باللبن او مقلياً بالزيت او مسلوقاً. وهو بهذا لا يعتبر انه اعتدى على احد او انتهك ملكية احد، يعرف الفلسطيني جيداً انه عندما يقطف العكوب انما يمارس عملاً تعود عليه منذ زمن لا يعرفه الا الله. ويعرف الفلسطيني ان منعه من قطف العكوب او الشومر او الزعتر او الميرمية انما هي حرب عليه وعلى مكانه وعلى اعشابه، تماماً كما هي الحرب على حياته ومنزله وفضائه.

وذا راجعنا قصص التاريخ المضحكة، فسنجد ان كثيراً من المحتلين فرضوا قوانين تثير السخرية حقاً، وقد ذهب احتلالهم وذهبت قوانينهم ولم يبق في الوادي سوى السخرية والرثاء حقاً، فضلاً عن الحجارة طبعاً.