الأحد: 17/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الثورة والثروة والانتخابات الفلسطينية

نشر بتاريخ: 15/03/2021 ( آخر تحديث: 15/03/2021 الساعة: 16:51 )

الكاتب: الدكتور عماد البشتاوي

نقف في هذه الأيام على مشارف بداية سلسلة الانتخابات الفلسطينية : التشريعية و الرئاسية و المجلس الوطني , حيث سنشهد في قادم الأيام سيلاً من القوائم الانتخابية المتنافسة فيما بينها على كسب الناخب الفلسطيني و صوته , مستخدمة جميع الوسائل المالية و الإعلامية , من خلال ضخ الملايين من الدولارات في دعاية انتخابية لا يقو غالبية الشعب الفلسطيني عليها ,بل و أغلبية الفصائل الفلسطينية التي تكاد لا تملك قوت يومها . فمن سيكون المستفيد والرابح من هذه الانتخابات إذن ؟ انه الرأسمالي الفلسطيني سواء أكان فرداً أم تنظيماً أم طبقة .

من الذي سيغرق الشوارع و الميادين بالصور و الأصوات؟ من ذا الذي يملك المال و يهيمن على الإعلام , بدءاً من الرسوم الانتخابية و ليس انتهاء بالدعاية الانتخابية ؟ كيف سنحمي أنفسنا و مشروعنا الوطني من أموال داخلية لا نعرف مصدرها , و أموال خارجية لا ندرك أهدافها وغاياتها و ماالاتها . أين القوانين بل أين النوايا الحسنة لتحمينا من كل ذلك.أليس من حقنا أن نثير تساؤلات و استفسارات تلقي بظلالها علينا شئنا أم أبينا ؟

لن نخوض في جدلية ضرورة وأهمية الانتخابات تحت الاحتلال , ولا في جدوى الانتخابات باعتبارها الحل الوحيد للوصول الى المصالحة و الوحدة الوطنية , مع اليقين بان ذلك بمثابة وضع العربة أمام الحصان . نعم ان الخوض في ذلك سيقع في باب لزوم ما لا يلزم , ونحن على أعتاب إجرائها , و قد حزمت الفصائل أمتعتها , وعقدت نواياها على خوض هذه العملية الانتخابية - إن لم يحدث طارئ صحي سياسي أو سياسي صحي - .

لماذا أصبحت " الديمقراطية الرأسمالية" خيارنا الوحيد وأمراً مسلماً به , وغير قابل للنقاش ؟ ألا تستحق الطبقات الفقيرة و الوسطى نصيبها في ظل عملية ديمقراطية حقيقية تسودها العدالة و المساواة , بعد كل التضحيات التي قدمتها , لا سيما وان هذه الطبقات ستكون المادة الدسمة و الدعاية القوية للكتل الانتخابية للتغني بها و بكفاحها , ولكن سرعان ما ستنفض عنها,وعن همومها وأمنياتها و طموحاتها حال انفضاض هذا "العرس الديمقراطي" الذي سيكون هؤلاء الفقراء وقوده .

ألم يحن الوقت للفصائل الفلسطينية عموماً, و اليسارية خصوصاً, أن تعيد لنا شعوراً بدأنا بافتقاده, بأننا شعب تحت الاحتلال تقودنا حركة تحرر, ألا يجدر بهم خلق مساواة حقيقية للجميع لكي تجد الطبقات المهمشة و المهشمة من بني جلدتها من يدافع عنها, وعن عن قضاياها بشكل حقيقي بعيدا عن الشعارات ؟ لن نسير خلف سراب تبني الطبقة الرأسمالية لهموم هذا الطبقات المسحوقة لأنهما طرفي نقيض من حيث الوجود و المصالح .

لماذا لا ينجح الفقراء في تشكيل قوائمهم و خوض الانتخابات مدافعين عن وجودهم و حقوقهم؟ لن ينجحوا في ذلك في ظل عملية ديمقراطية قوامها المال و رأسه , و في ظل نظام رأسمالي غير معني بعدالة اجتماعية حقيقية , و في ظل طبقات غير قادرة على تشكيل وعيها الثوري , منذ أن استبعدت عن عملية صنع القرار حتى في تنظيماتنا اليسارية و الثورية , ناهيك عن باقي التنظيمات , وهذا ما أزاح و حرف ثورتنا و بوصلتها عن جوهرها و طبيعتها وهدفها , فوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه . إن الثوري المتخم بالثروة لن يقو بل و لن يفكر بالثورة. وكيف سيثور , وعلى من سيثور, و لمن سيثور, وهل هو على استعداد للتضحية بما ملكت يمناه و يسراه ؟ لن تكون الثورة إلا شعارا انتخابياَ لإلهاب مشاعر هذه الجموع البائسة المحبطة . فالثورة و الثروة لا يلتقيان.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل