الكاتب:
الدكتور عماد البشتاوي- أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل
ما الذي يحدث في حركة فتح هذه الأيام , وأي مستقبل ينتظرها ؟سؤال يراود الأذهان ويشغل الشارع و النخبة , مشكلاً حالة من العصف الذهني في جلسات الحوار في فتح و خارجها, سؤال يؤرق الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني, نظراً لما تمثله الحركة من ثقل - تاريخي وربما مستقبلي- في العقل الجمعي للشعب الفلسطيني .
ليس غريباً على حركة ممتدة داخل الوطن وخارجه, و تقود منظمة التحرير و النضال الفلسطيني منذ أكثر من نصف قرن - بالإضافة لقيادتها السلطة الوطنية - أن تمر بمنعطفات وفترات حرجة , و ربما هزائم و انكسارات مثلما حدث في انتخابات عام 2006 , و لكنها سرعان ما عادت لقيادة المركب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية . فهل ستنجح حركة فتح من تجاوز كبوتها السابقة ,و إلى أي حد قامت بتقييم التجربة و استخلاص العبر, لا سيما في موضوع الانتخابات و العملية الديمقراطية , أو فيما يتعلق بالانقسام من حيث الأسباب والظروف و التداعيات .
حركة فتح التي عهدنا بها القدرة على الخروج من المنعطفات والانشقاقات والأزمات الداخلية و الخارجية , فهل سيشفع لها تاريخها في هذه الانتخابات ,أم أننا أمام ظروف وتوازنات مختلفة هذه المرة ؟ لقد استفادت حركة فتح- وعلى مدار عشرات السنين - من عاملين رئيسيين حافظا على قوتها وسيطرتها على الشارع الفلسطيني, وعلى منظمة التحرير الفلسطينية هما : وجود ياسر عرفات على رأسها, ووجودها على رأس النظام السياسي كحزب حاكم , سواء في منظمة التحرير الفلسطينية أوفي السلطة الوطنية الفلسطينية .
إن الامتحان الأكثر صعوبة والأشد قسوة بعد رحيل عرفات, تمثل في خسارة حركة فتح انتخابات المجلس التشريعي عام 2006, و ما استتبع ذلك من خسارة قطاع غزة في العام اللاحق . ومن المؤكد أن ذلك لم يكن ليحدث لو كان عرفات على رأس حركة فتح: لا الخسارة في الانتخابات, ولا خسارة قطاع غزة . بل لن نتردد بالقول ان حركة حماس لم تكن لتجرؤ على خوض الانتخابات أو الانفصال بقطاع غزة , في ظل وجود عرفات .
لقد شكل عرفات صمام الأمان و كلمة السر, في الحفاظ على وحدة فتح و ديمومتها , واستطاع بشخصيته الكاريزماتية , من جمع المتناقضات – ليس على صعيد حركة فتح وإنما على صعيد منظمة التحرير الفلسطينية - ومن ثم توظيفها لصالح رؤيته, وفي سبيل تحقيق المشروع الوطني كما كان يرتأي و يريد.
إن مسألة اختيار القوائم الانتخابية , أو القائد المستقبلي لحركة فتح , لن يكون بالعملية السلسة و اليسيرة , إذا أرادت الحفاظ على دورها في قيادة العمل الوطني الفلسطيني . والسؤال هنا يتمحور حول قدرة أبو مازن أو من سيخلفه ,على الاستمرار في هذا النهج المعتمد على
الكاريزما التاريخية ,لا سيما وانه يمثل آخر ما تبقى من القادة التاريخيين المؤسسين لحركة فتح سواء اتفقنا أو اختلفنا معه .
ستجد حركة فتح نفسها الآن وفي هذه الأيام - ونحن على مشارف "الانتخابات الثلاثية ", و في المستقبل ومن خلال بحثها عن خليفة محمود عباس - أنها تبحث عن شرعية أخرى بالإضافة للشرعية النضالية و التاريخية , التي نجحت بها ومن خلالها ,في الحفاظ على نفسها وضمان سيطرتها و قيادتها للمشروع الوطني . والسؤال هنا هل ستكون "شرعية صندوق الانتخابات " هي الشرعية المساندة أم البديلة , أم أنها ستبحث عن أسلوب نضالي جديد ؟
حركة فتح مطالبة في قادم الأيام بتقييم مشروعها السياسي القائم على المفاوضات من حيث الجدوى و البدائل , ومطالبة أيضاً بالإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالأزمة : هل هي أزمة مشروع ,أم أزمة قيادة, أم أزمة أخطاء متراكمة, أم أزمة شرعية ظهرت بعد وفاة عرفات وكلما تقدم الزمن ,كانت أكثر وضوحاَ و تبلوراً, إلى أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه الآن.