الكاتب: محمد البطش
أربعة عشر عاما مرت على الانقسام الفلسطيني الدموي بين حركتي فتح وحماس، هذا الانقسام والاقتتال الذي جاء بعد أقل من عام على تسلم حركة حماس مقاليد الحكم عقب فوزها في الانتخابات التشريعية 2006، وعليه قامت بتشكيل حكومة برئاسة الأستاذ إسماعيل هنية، بينما رفض الكل الفلسطيني المشارك حينها بالانتخابات المشاركة في هذه الحكومة، فتشكلت من قيادات وزعامات تتبع لحركة حماس.
حوصرت هذه الحكومة وعاشت غزة على وقع خلافات حادة واقتتال داخلي، تدخل الوسطاء على إثره (مصر والسعودية) لرأب الصدع، وأفضت الحوارات إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية حينها، شاركت فيها حركة فتح وفصائل المنظمة، وعجزت هذه الحكومة عن ردم الهوّة وتذليل العقبات، وكسر الحصار المالي، بل زادت الخلافات والانقسام على طبيعة وآلية إدارة البلد وعلى الصلاحيات.
ولم ينتهِ الحصار المالي على الحكومة التي ترأستها حماس، ووصلت الأمور إلى اقتتال داخلي سيطرت على إثره حركة حماس على مقاليد الحكم في غزة بكل معنى الكلمة، من مقرات أمنية ووزارات ومعابر، بعد أن أُفرغت من العاملين فيها بقرار من الرئيس محمود عباس، الذي أعلن أن ما حصل بغزة هو انقلاب، وكلّف يومها سلام فياض بتشكيل حكومة تتبع له، هذه الحكومة لم يكن لها أي سلطة على قطاع غزة، بل اقتصرت مهامها على إدارة الضفة الغربية المحتلة، إلا أن الأموال تدفقت إلى هذه الحكومة.
وفي غزة، استمرت حكومة إسماعيل هنية حينها بإدارة المهام، لكنها لم تعد حكومة وحدة، بعد انسحاب كل الوزراء غير المنتمين لحماس منها، بسبب ما حدث في 14/7 من اقتتال.
مع مرور السنين، أصبح في غزة حكم قائم امتد وتفرع وتمرس على العمل بأيديلوجية تختلف تماما عن ما يحدث في الضفة الغربية، حيث تم تشكيل أجهزة أمنية رديفة لم تكن امتدادا لتلك الأجهزة العاملة في الضفة ولم يعد بغزة أي دور لأي موظف يتبع للسلطة.
في الضفة بدأت حكومة سلام فياض السيطرة على مقاليد الحكم هناك وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وأُسند اليها -كما قيل حينها- بناء مؤسسات الدولة والنواة الأولى للحكم المستقل .
مرت 14 عشر عاما على تفاصيل ما سبق ذكره، ولم يختلف المشهد السياسي شيئا عما كان عليه، وفشل كل الوسطاء في إعادة الوحدة وإنهاء الانقسام .
ومؤخرا حدث تطور ملحوظ في الملف الداخلي، وهو التوافق بين فتح وحماس على انتخابات تشريعية ورئاسية متتالية أنجزت كل تفاصيلها خلال جولتي حوار استضافتهما القاهرة خلال شهري فبراير ومارس 2021.
تفاصيل هذا الاتفاق -بعيدا عن جدوى إمكانية أن ينهي حالة الانقسام وآثاره من عدمه- لم تكن هي الجديد فقط في الساحة الفلسطينية، بل أيضا جرى الحديث عن قائمة مشتركة بين فتح وحماس، وهو الحدث الأبرز الذي شكل مفاجأة للكل الفلسطيني الذي كان يراقب خلافات فتح وحماس على مدار عقد ونصف، شاهد المواطن خلال هذه السنين العجاف عشرات جولات الحوار في دول عدة لم تفلح في تقريب وجهات النظر بينهما، لكن بين عشية وضحاها بدا وكأن شيئا لم يكن، وأن الأمور تتجه نحو تحالف سياسي بين الحركتين قد يفضي،وفق حديث المسؤولين بالحركتين، إلى أن يخوض الطرفان الانتخابات بقائمة واحدة.
سياسيا، لم يختلف المشهد الذي أدى إلى الاقتتال والانقسام في 2007 عما نعيشه اليوم في العام 2021م، الذي اختير ليضع هذا الانقسام أوزاره ويتفق المتخاصمون على ما اختلفوا عليه واقتتلوا من أجله.
المراقب للمشهد يدرك أن ما يحدث هو قفز على كل الألغام والعقبات التي واجهت كل الحوارات السابقة وأفشلتها وليس حلها، في محاولة للوصول إلى اتفاق، حتى ولو كان شكليا، كل من الطرفين سيسخره لخدمة سياسته وأجندته.
ففتح التي تعصف بها الخلافات الداخلية غير المتوقعة باتت بحاجة إلى أن تجدد شرعية حكمها الممتد في كل أقطار العالم وتقدم سلطتها على أنها ممثلة للشعب الفلسطيني وتفتح لها السفارات والقنصليات ويجوب وزراؤها وأعضاء مركزيتها ونوابها العالم كممثلين لهذا الشعب وهذا الوطن الذي تشكل قضيته واحدة من أكثر قضايا العالم إثارة وتعقيدا وحديثا بين الساسة وصناع القرار. ففتح اليوم بحاجة -بل وطُلب منها- تجديد الشرعيات وإجراء انتخابات أيّا كان شكلها حتى تبقي على وجودها الحي بين عواصم القرار، ساعية من خلال ذلك إلى إعادة فتح باب البيت الأبيض من بوابة الديمقراطية، التي يؤمن سيده بهذا الخيار.
أما حماس، فبدا حكمها في غزة معزولا، وواقع المعيشة هناك أكثر تعقيدا وصعوبة، وكل محاولات كسر الحصار تٌفشل حتى ولو كان ثمنها الدم كما حدث في مسيرات العودة وحروب ثلاثة خلت، إضافة إلى أن الحركة واجهت صعوبة قصوى في فرض نفسها على المحافل الدولية كجزء من الحكم في فلسطين واقتصرت علاقاتها كحكومة على بعض الدول التي قدمت مساعدات إنسانية لغزة، ورغم علاقة تلك الدول الوثيقة بحماس، إلا أنها أبقت على علاقتها الرسمية مع السلطة وليس مع أجهزة الحكم وأعضاء البرلمان التابعين لحركة حماس وحكومتها في غزة.
اليوم الحركة يبدو أنها اكثر إلحاحا ورغبة في أن تقتحم المحافل السياسية وتصبح شريكا حقيقيا في إدارة المشهد السياسي الفلسطيني، ولأجل ذلك قدمت حماس تنازلات لم يسبق لها أن قدمتها من أجل إتمام الانتخابات والمشاركة فيها، ساعية بذلك إلى إنهاء العزلة السياسية التي تعيشها وأن تصبح ضمن القوى السياسية المؤثر واللاعبة في المشهد الفلسطيني وليس المشهد في غزة فقط، كما هو الحال الآن.
هذه المحاولة التي من أجلها تخلت حماس عن رزمة شروط كانت قد وضعتها للموافقة على الذهاب لانتخابات، أهمها رفع العقوبات عن غزة وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتوازي وليس بالتتابع.
نجح الفريقان المنقسمان بالقفز على كل العقبات وأغمض الطرفان عيونهم عن واقع يصعب معالجته، وقد يحتاج إلى عقد ونصف آخر من أجل التغلب عليه، وذهب الطرفان إلى انتخابات وإدارة انقسام، لكن يبدو أن لا أحد منهما يملك إجابة عن اليوم التالي للانتخابات، وكيف ستسير الأمور ومن أين ستبدأ إجراءات معالجة آثار الانقسام وكيف سيتفق الطرفان على البرنامج السياسي للحكومة وعلى العقيدة الأمنية للأجهزة الأمنية، وكثير من التفاصيل المرهقة.
ختاما، يجب أن نذكر أن كل ما سبق الحديث عنه من تفاصيل يتم والأرض محتلة والضفة مستباحة والقدس تهود والقتل ضد شعبنا مستمر، لكن الهدف الآن يبدو لدى بعض القوى الوطنية هو الصراع نحو قمة البرلمان!!