الثلاثاء: 19/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ثنائيات: دحلان وأردان.. أبو ظبي وتل أبيب.. الكورونا والصهيونية

نشر بتاريخ: 21/03/2021 ( آخر تحديث: 21/03/2021 الساعة: 13:43 )

الكاتب: العميد أحمد عيسى

للوهلة الأولى قد يبدو عنوان هذه المقالة غريباً وينطوي على نوع من الترف والفانتازيا، إذ قد يتسائل البعض؛ هل هناك حقاً علاقة بين هذه الثنائيات؟ وفيما يظل هذا التساؤل مشروع، سيما ونحن ندعي الإيمان بقيم الديمقراطية وننشد الإصلاح، إلا أن قراءة وتحليل الأحداث والتطورات التي نشهد مؤخراً تسارع وتيرتها محلياً وإقليمياً ودولياً وفقاً لخط وقت حدوثها، تظهر أن هناك فعلاً ترابط بين هذه الثنائيات لجهة تحقيق غاية واحدة.

ويمكن الإستدلال على هذه الغاية من خلال ملاحظة التقاطع ما بين إقتراب إسرائيل (دولة الأبارتيد) من تحقيق مزيد من النجاحات الإستراتيجية على طريق حسم صناعة وجودها في المنطقة من خلال إستصدار قرارات أممية؛ يعكس ظاهرها الكفاح (المشروع) ضد اللاسامية، ويسعى باطنها لضرب وتصفية مصداقية التضامن العالمي مع نضال الشعب الفلسطيني ضد الإستعمار والإضطهاد والتفرقة العنصرية (الأبارتايد)، وما بين سعى البعض ممن يعيشون بين ظهرانينا إلى إستغلال حاجة الناس لأبسط مقومات الحياة الكريمة من خلال تقديم مساعدات لهم يبدو ظاهرها مساعدة الناس وتوفير بعض من إحتياجاتها، ويسعى باطنها لحرف جهدهم دون إدراك منهم نحو إنتاج نظام سياسي على مقاس جهات باتت تعتنق الرواية الصهيونية في فلسطين وتدافع عنها على حساب الرواية الفلسطينية.

بالأمس القريب وتحديداً يوم الأربعاء الماضي الموافق 17/3/2021، أطل علينا السيد دحلان بعد غياب طويل عن الإعلام من خلال شاشة فضائية العربية التي تتخذ من دولة الإمارات مقراً لها (الأمر الذي بحد ذاته لا يخلُ من دلالة) مبرزاً ذاته طوال وقت برنامج (تغطية خاصة) الذي إستمر لمدة 18 دقيقة أنه حامي الحمى، وأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو سبب فشل النظام السياسي الفلسطيني في تحقيق أهداف الشعب العليا ولذلك وجب تغيره وإزاحته عن رأس النظام، الأمر الذي يعيد للأذهان مسيرة (التوجه) بقيادة دحلان ضد الزعيم الراحل عرفات في غزة العام 2002.

في الواقع لا يختلف إثنان من الشعب الفلسطيني على ضرورة تغيير النظام السياسي الفلسطيني بشقيه؛ سواء ذلك الذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية ويعتبر الميثاق الوطني مرجعيته الدستورية، أم ذلك الذي تمثله السلطة الفلسطينية وتعتبر الإتفاقات التي وقعتها المنظمة مع حكومة دولة إسرائيل العام 1993 والقانون الأساسي مرجعياته الدستورية، وذلك لفشل هذا النظام في تحقيق ما وعد الشعب به بتحرير فلسطين، وإقامة الدولة المستقلة وبناء نظام حكم رشيد خالي من الفساد والمفسدين ويجمع الناس حوله، الأمر الذي لايعني أن التغيير الذي يسعى اليه الشعب يقف عند حدود إستبدال شخوص النظام بشخوص آخرين أو إستبدال حزب سياسي بآخر أو حتى إستبدال أيدلوجية بأخرى؛ فالشعب ببساطة يسعى لتغيير يطال رؤية النظام وأهدافه وإستراتيجياته وأدواته بما في ذلك مرجعياته الدستورية، وهذا للأسف ما يغيب عن الجدل والسجال الذي يشهده المجتمع الفلسطيني في الوقت الحاضر الذي ترتفع فيه حماوة الإنتخابات، والأهم أنه يغيب عن طاولة الحوار الوطني وفقاً لما يرشح من معلومات عن لقاءات هذا الحوار.

وفي هذا الشأن كان لافتاً تهرب دحلان من الإجابة على سؤال المذيعة المتكرر عن ماهية النظام الذي يدعي أنه يريد تغييره، وإكتفى فقط بالهجوم على الرئيس عباس مؤكداً في ذلك أن فهمه للتغيير لا يتعدى تغيير الشخوص وإستبدالهم بغيرهم، الأمر الذي يرفع من حظوظ الجهات الأكثر تنظيماً وتمويلاً وأعدت نفسها منذ وقت ليس قصير وفي غفلة من الجميع لهذه اللحظة في وراثة النظام وتوجيهه للجهة التي يريدها الممول المشغل.

وفي الأثناء أفادت مصادر إعلامية إسرائيلية وعربية يوم الإثنين الماضي الموافق 15/3/2021 أن سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة وواشنطن (جلعاد أردان) قد إلتقى في وقت سابق من هذا التاريخ بممثل الأمين العام للأمم المتحدة (ميغيل مرتينيز) لمناقشة طرق تبني الأمم المتحدة بكل مؤسساتها تعريف رسمي ملزم لطرق مكافحة معاداة السامية، حيث يسعى أردان لدفع الأمم المتحدة لتبني التعريف الرسمي لمعاداة السامية الذي تبنته المنظمة الدولية لمناهضة معادة السامية (IHRA) العام 2000، إذ ينص هذا التعريف على أن معاداة الصهيونية يعتبر معاداة للسامية، ويتبنى هذا التعريف حتى الآن 30 دولة حول العالم.

ولا غرابة هنا أنه من المتوقع أن تنضم أبو ظبي وغيرها من العواصم العربية لقائمة الدول ال 30 وتدعم جهود أردان في الأمم المتحدة، سيما وأن الأمم المتحدة قد ألغت العام 1991 بموجب قرارها رقم 86/46، القرار السابق الصادر عنها العام 1975 ويحمل الرقم 3379 والذي يعتبر (الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والأبارتيد أي التمييز العنصري).

وكان أردان قد كُلف بمهامه الجديدة عقب تنصيب بايدن رئيساً للولايات المتحدة في يناير الماضي، حيث شغل قبل ذلك إلى جانب منصبه كوزير للأمن الداخلي في حكومة نتنياهو-جانتس مهمة محاربة حملة مقاطعة ونزع الشرعية عن إسرائيل المعروفة بحملة BDS حول العالم.

وتجدر الإشارة هنا أن توصيف إسرائيل بدولة الأبارتيد أخذ بالتزايد في أوساط الشعوب والمنظمات غير الحكومية حول العالم خلال العقد الأخير، إذ تشير بعض الدراسات الغربية أن إقتران إسم إسرائل بالأبارتيد يظهر مرة كل يوم في الصحافة المكتوبة باللغة الإنجليزية حول العالم، فيما إقترن إسمها بالأبارتيد في الصحافة المكتوبة باللغة الإنجليزية في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة 1967-2000 (54) مرة فقط، أي بواقع 1,6 مرة كل سنة، وارتفع هذا العدد في نفس الصحافة خلال الفترة 2001-2015 ليصل الى (1741) مرة، أي بواقع 116 مرة كل سنة وذلك وفقاً لدراسة اعدتها الباحثة (ميخال حاتول) والمنشورة في التقييم الإستراتيجي (مجلد 18، العدد 3) الصادر عن معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي (INSS) في أكتوبر العام 2015.

وفي السياق ذاته نشر معهد بروكنجز بتاريخ 16/2/2021، إستطلاعا للرأي كان قد أجراه كل من )شبلي تلحمي ومارك لينش) على عينة من الخبراء المتخصصين بقضايا الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأمريكية بلغ عددها 1293 شخص، إذ أظهرت نتائج هذا الإستطلاع أن 59% من المستطلعة أرائهم يصفون الوضع القائم بين إسرائيل والفلسطينيين بأنه عبارة عن دولة واحدة عنصرية، وقد جاءت نتائج هذا الإستطلاع متوافقة مع التقرير الذي نشرته مؤسسة بيتسيلم الحقوقية الإسرائيلية في يناير الماضي حيث وصف هذا التقرير نظام الحكم في إسرائيل بالنظام العنصري الذي يجسد إستعلاء يهودي على باقي السكان في الأرض الممتدة من النهر للبحر.

من جهتها أوقفت السلطة الفلسطينية ردودها الغاضبة (وحسناً فعلت) على دولة الإمارات في أعقاب توقيع الأخيرة على اتفاقية أبرهام (التي تُقر بالرواية الصهيونية في فلسطين) التحالفية مع إسرائيل، الأمر الذي لا يعني البتة أن الشعب الفلسطيني لم يعد أسفاً على إنحياز دولة عربية أصيلة لا زالت تنطق بالعربية كالإمارات وغيرها من الدول العربية للرواية الصهيونية على حساب الرواية الفلسطينية، إذ لا زالت السلطة الفلسطينية رغم كل ما هي عليه من ضعف توظف أدواتها وممكناتها الديبلوماسية للتعبير عن رفض الشعب الفلسطيني وعدم مسامحته للإنحياز الإماراتي للرواية الصهيونية، حيث إعترضت بالفيتو بتاريخ 9/3/2021 على طلب إنضمام الإمارات كعضو مراقب لمنتدى شرق المتوسط للغاز، الأمر الذي أغضب الإمارات كثيراً وفقاً لموقع ستراتفور نقلاً عن موقع القاهرة 24، كما رفضت بتاريخ 10/9/2021 إستقبال شحنة صغيرة من لقاحات كورونا تبرعت بها الإمارات للفلسطينيين من خلال دحلان، كان واضحاً أنها لأغراض إنتخابية بحتة.

صحيح أن الشعب الفلسطيني الخاضع للإحتلال والإستعمار العنصري منذ أكثر من نصف قرن بحاجة ماسة لكل ما يحصن نضاله المشروع ضد الإستعمار والتمييز العنصري، ولكنه بحاجة أكثر لوقف هرولة العرب وبعض ممن يحملون الهوية الفلسطينية نحو كل ما يحصن الإحتلال والصهيونية، في وقت يزداد فيها إرتفاع صوت الشعوب حول العالم لا سيما اليهود داخل إسرائيل وخارجها ضدها بإعتبارها دولة عنصرية تسيئ لليهود واليهودية.