الثلاثاء: 19/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

النظام التربوي في زمن الكورونا: تقصير أم قصر نظر؟

نشر بتاريخ: 22/03/2021 ( آخر تحديث: 22/03/2021 الساعة: 00:36 )

الكاتب:

الكاتب: د. أسامة الميمي

بعد عام كامل على حالة الإرباك التي مرت بها العملية التعليمية التعلمية بسبب الوباء، واكتفاء النظام التربوي ب "تسيير الأمور" لإنهاء العام الدراسي بأمان، أطلقت وزارة التربية والتعليم العام الدراسي الجديد بمجموعة من الإجراءات كإطلاق قناة فلسطين التعليمية، وتدريب المعلمين على إحدى المنصات التكنولوجية، وإصدار رزم تعليمية والكثير من التعليمات الإدارية المتعلقة بإدارة العملية التعلمية. وبقي السؤال: إلى أي مدى نجحت هذه الإجراءات بتجاوز تحديات العام المنصرم؟؟

باعتقادي، لم تحدث هذه الإجراءات أي إنجاز يذكر على مستوى جودة التعلم؛ فقد بقي هدف الوزارة، بعد عام على الكورونا، "تسيير الامور" وانهاء العام الدراسي بأمان" تماما كما كان الهدف في نهاية العام الدراسي الفائت، ولا حديث كثير او نقاش جدي حول جودة ما يتعلمه طلبتنا.

هذا الأمر، وإن كان مبررا في العام الماضي، لا يمكن تبريره هذا العام. كان من الضروري رؤية المستقبل والتفكير بما هو أعمق من مجرد إجراءات إدارية شكلية وحلول مجتزأة. فلا يمكن التفكير بمشكلة معقدة مثل التعليم في زمن الكورونا بطريقة بسيطة أو سطحية ونتوقع الكثير من الإنجازات. وإن كان هناك انجازات فهي إنجازات أفراد وعلى مستوى محدود جدا وليس إنجازات وزارة تستدعي احتفالات بعنوان " إبداعات في المشهد الكوروني" تتصدر الصحف ووسائل الاعلام في اليوم التالي. هذا برأيي أشبه ببيع الوهم وغير مقبول. فنحن بصدد قضية في غاية الخصوصية والأهمية؛ جودة تعلم طلبتنا ومستقبلهم، ولا يمكن المرور عن هذه القضية مرور الكرام.

كنت قد كتبت مقالا عن قناة فلسطين التعليمية بعنوان "قناة فلسطين التعليمية: لا فلسطين فيها ولا تعليم"، وأشرت فيه أن هذا المنحى في استخدام التكنولوجيا في التعليم لا يتناسب مع الأسس التربوية الحديثة في التعليم والتعلم. كما أن اصدار " رزم تعليمية" خالية من سياقها ومعناها لا يمكن أن يساهم في صنع اي إنجاز. وتدريب المعلمين على منصة تكنولوجية من خلال 15 ساعة تدريبية لا يعني بالضرورة أن المعلمين والمعلمات سيقومون بتطبيق التعلم الالكتروني بطريقة جيدة. إذ أن التعلم الالكتروني، والذي أعتقد جازما أنه نموذج جيد إن تم استخدامه بشكل جيد، قد ساءت " سمعته" خلال هذه السنة بسبب سوء استخدامه او استخدامه بظروف غير مناسبة او الاثنتين معا.

ويبدو لي أن وزارة التربية نفسها غير مقتنعة أو مؤمنة بإجراءاتها الخاصة بالتعلم الالكتروني، والدليل على ذلك أنها لم تطبق أي منها على مرحلة الثانوية العامة ولجأت الى التعليم الوجاهي حتى في فترة الاغلاقات لأن هذه المرحلة، باعتقادها، هي المرحلة الأهم للطلبة، وكأن لسان حالها يقول " لا نثق باجراءاتنا او قدراتنا بالتعلم الالكتروني ولهذا لجأنا الى التعلم الوجاهي لتعليم طلبة التوجيهي".

كان يمكن لوزارة التربية والتعليم أن تتخلى عن فكرة "نموذج واحد يناسب الجميع" وأن ظروف الطلبة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية متشابهة لان هذه الفكرة ربما تناسب الوزارة لسهولة تطبيقها ولكنها لا تناسب الطلبة للأسف وهم الطرف الأهم في هذه المعادلة.

كان من الممكن طرح عدة نماذج تتبنى المدرسة وطواقمها الإدارية وكادرها التعليمي اختيار نموذج أو أكثر أو الدمج بين هذه النماذج حسب ظروف المدرسة وطلبتها. هذه النماذج يجب أن تختلف بدرجة اعتمادها على التكنولوجيا. ربما يكون إحدى هذه النماذج اعتماد المعلم على الورقة والقلم وكتابة ملخص لوحدة معينة تحتوي على مصادر وأنشطة ومشاريع ومهمات تعلمية تشجعهم على الفهم والتفكير وممارسة المهارات الحياتية والانتاج المعرفي. وهذا النموذج هو الأكثر مناسبة للطلبة الذين لا يملكون إمكانية الاتصال بالأنترنت.

وربما يكون أحد النماذج الاعتماد على فكرة التعلم الالكتروني غير المتزامن والتي من خلالها يقوم المعلم بتصميم وحدات تعلمية ويتيح للطلبة فرصة التفاعل مع المحتوى التعلمي وفرصة التفاعل مع بعضهم البعض والتفاعل مع المعلم، وهذا النموذج لا يتطلب من كل الطلبة التواجد على المنصة الالكترونية بنفس الوقت فكل منهم يمكنه التعلم بالوقت المناسب له او لها. بهذه الطريقة لا يتطلب عدد كبير من الاجهزة التكنولوجية بالبيت الذي يضم أكثر من طالبين أو ثلاثة.

نموذج التعلم الالكتروني المتزامن الذي يتطلب وجود الطلبة والمعلم بنفس الوقت ربما يكون مناسبا للطلبة الذين لديهم فرصة الاتصال بالإنترنت مع ضرورة دمجه بنماذج أخرى. وهناك نماذج أخرى لا مجال للحديث عنها في هذا المقال.

كنا نأمل من الوزارة التخلي عن فكرة السلطة وضبط الامور والسيطرة والارتقاء الى فكرة إعطاء الحرية والمسؤولية للمعلمين والمعلمات، وللطلبة فرصة تحمل مسؤولية تعلمهم او على الأقل المشاركة فيها. المطلوب تقديم الخيارات والحلول والدعم للمعلمين والمعلمات. كان من الممكن إعطاء المعلمين الفرصة لاختيار النموذج او النماذج المناسبة لطلبتهم فهم الاكثر دراية ومعرفة بظروف طلبتهم.

في مثل هذا الوضع الصعب والمعقد، المتوقع من الوزارة ان تقوم بقيادة العملية التعليمية وان تتشارك مع مؤسسات المجتمع المدني أو الجامعات أو مؤسسات القطاع الخاص وتتعلم من تجاربهم وتجري حوارا وطنيا معهم من أجل الخروج بقرارات أكثر عمقا.

التعليم مسؤولية كل فرد ومؤسسة فلسطينية، وبرأيي، لا يجب أن تستمر وزارة التربية والتعليم بالتفرد في اتخاذ قرارات وإجراءات تتعلق بمستقبل أطفالنا وشبابنا أقل ما يقال عنها من قبل الكثيرين انها متصفة بالتقصير وقصر النظر.